الأخبار

عن وهم ارمريكان فى سوريا

118

 

 

قامت فكرة “جنيف”1 الخاص بسوريا على أن الحل العسكري غير ممكن، وأن المخرج الآمن من الطبيعة غير المقبولة للأزمة وحجمها يبدأ عندما يطمئن كل الأطراف بوجود طريقة سلمية نحو مستقبل مشترك للجميع في سوريا، لكن هذا التشخيص الصائب يرتطم بمعضلة استمرار العنف والمراهنة على الحسم العسكري.

لم يفض الاجتماع التحضيري لمؤتمر جنيف2 إلى الاتفاق على موعد انعقاد المؤتمر وأسسه والأطراف الإقليمية التي ستشارك فيه، وعلى ضوء ذلك لن يكون من الممكن عقده في الشهر الحالي، وربما يتعذر انعقاده في شهر تموز (يوليو) المقبل، لاتساع شقة الخلافات بين طرفي الصراع في الداخل السوري، وكذلك بين الأطراف الداعية والراعية للمؤتمر، وما رافقها من بروز تحولات على الأرض قد تشجع المتحاربين على المضي في المعارك لكسر التوازنات القائمة وتحسين مواقع كل طرف في العملية التفاوضية عندما ينعقد المؤتمر، بالتزامن مع تصعيد في لهجة الخطاب الفرنسي والبريطاني ضد الحكومة السورية، وتغيرات في الإدارة الأميركية يرى فيها المراقبون في واشنطن أنها مؤشر على تغير موقفها من المسألة السورية، باتجاه متشدد حيال نظام الحكم، سينعكس سلباً على التنسيق الروسي- الأميركي الذي شهد في الشهور الثلاثة الأخيرة مستويات عالية من التفاهم والتحرك المشترك.
وتبدو فرص انعقاد مؤتمر جنيف2 أكثر تعقيداً من سابقه، فقد اعترضت مؤتمر جنيف1 في حزيران (يونيو) 2012عقدة الرئيس الأسد، بينما تعترض مؤتمر جنيف العقدة ذاتها مضافاً إليها عقدة التدخلات العسكرية الخارجية في العمليات العسكرية، وعقدة مشاركة إيران في المؤتمر، وسباق مع الزمن كي لا تمتد الأزمة السورية إلى دول الجوار، أصبح حرجاً بعد معركة القصير وتهديد المعارضة السورية المسلحة بنقل المعركة إلى الداخل اللبناني، رداً على تدخل مقاتلي “حزب الله” في القصير ومناطق سورية أخرى، وزيادة منسوب الاحتقان الداخلي اللبناني على خلفيات مذهبية متصلة بما يجري في سوريا.
ومما لا شك فيه أن أكبر المخاطر التي تتهدد فرص انعقاد المؤتمر انتعاش أوهام الحسم العسكري والإمساك بزمام المبادرة في المعارك، وهو ما تمَّ التحذير منه، وكان يمكن تجنب هذا المحذور بالعمل على وقف العنف، أو التخفيف منه قدر الإمكان لتهيئة أرضية مناسبة تنجح التحضيرات للمؤتمر. لكن ما حصل أن الجميع لم يعطوا هذه القضية ما تستحق من اهتمام، وكل طرف من الأطراف كان يعلل النفس بأنه قد يستفيد، في الوقت المستقطع قبل انعقاد المؤتمر، من تغيير ميزان القوى العسكري على الأرض للضغط على الأطراف الأخرى.
بالنتيجة قرأ طرفا الأزمة الداخلية السورية أن عدم ضغط الأطراف الدولية والإقليمية على وقف العنف، كشرط للشروع في حل سياسي، يوفر ساحة واسعة للمناورة بهدف التحلل من المشاركة في مؤتمر جنيف2 بروح إيجابية تخلق أجواء ثقة بجديتهما في الانفتاح على حل سياسي. وكان يمكن للصورة أن تختلف جذرياً لو تمسكت الأطراف الداعية والراعية للمؤتمر بتطبيق ما جاء من تأكيد في مؤتمر جنيف1 على تطبيق قراري مجلس الأمن الدولي رقم 2042 و2043، بما في ذلك وقف العنف فوراً بكل أشكاله، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين لها، ووقف التدخلات الخارجية العسكرية بمختلف أشكالها.
ولو توحدت إرادة المجتمع الدولي على هذا المطلب ما كانت المشاركة الإيرانية ستتحول إلى عقدة، وما كانت أوهام الحل العسكري ستنتعش من جديد، وما كان الاحتقان الطائفي سيرتفع إلى منسوب يهدَّد بتعميق الصراع في سوريا، وانتقاله إلى دول الجوار. ناهيك عن تصدع التفاهمات الروسية- الأميركية التي تبلورت في الشهور الأخيرة. فعقدة العقد في استمرار المعارك وعمليات العنف، ولن يكتب النجاح لمؤتمر جنيف2، حتى لو انعقد، إلا بوقف المعارك والعنف قبل فوات الأوان، وثمة مؤشرات مقلقة على أن الحظوظ القليلة المتبقية لتسوية سياسية آخذة بالنفاذ بسرعة قياسية، وأن الظروف الإنسانية للمواطنين السوريين مقبلة على أوضاع أكثر سواداً.
من تلك المؤشرات استقالة مستشار الأمن القومي توم دونيلون المعروف عنه بأنه كان من أشد أنصار بناء علاقة شراكة مع روسيا والصين وتنسيق مواقف الولايات معهما بشأن المسألة السورية. ومن المرجح، حسب المراقبين، أن تعيين المندوبة لدى الأمم المتحدة سوزان رايس مكانه سيضر بالعلاقات الروسية- الأميركية عموماً، وبالتفاهمات بين البلدين إزاء سوريا على وجه الخصوص. ويدعم هذا التحليل تعيين سامنتا باور خلفاً لرايس لدى الأمم المتحدة، وترشيح السفيرة الأميركية في القاهرة، آن باترسون، لتولي منصب مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، خلفاً لإليزابيت جونز. ومعروف عن باور وباترسون أنهما مع من أنصار التدخل العسكري تحت دواعي “أسباب إنسانية”.
مؤشر آخر يتمثل بعدم تمديد الاتحاد الأوروبي لقرار حظر السلاح على سورية، وحديث وزير الخارجية الفرنسي ونظيره البريطاني عن وجود أدلة جازمة باستخدام الجيش النظامي السوري لغاز (السارين) السام، وذهاب وزير الخارجية الفرنسي إلى القول: إن كل الخيارات باتت مفتوحة للتدخل في الأزمة السورية، ومن ضمنها الخيار العسكري، الذي تنتظر باريس لندن بلورة تفاهم بشأنه مع واشنطن، يبدأ بضوء أخضر أميركي يسمح لهما بتزويد المعارضة السورية المسلحة بسلاح نوعي. وفي هذا الإطار، من المهم الانتباه إعلان الولايات المتحدة نيتها إرسال بطاريات “باتريوت” المضادة للصواريخ وطائرات “ف16” إلى الأردن لحمايته من تهديدات سورية محتملة.
وبإعلان المفوض الأوروبي للموازنة يانوس ليفاندوفسكي أن الاتحاد الأوروبي لم يعد في وسعه دعم اللاجئين السوريين مالياً بسبب عجز موازنته، ستتضاعف المأساة الإنسانية للمواطنين السوريين في الداخل السوري، وللاجئين منهم في دول الجوار.
من هذه الزاوية بالإضافة إلى ما سبق، إن تأجيل موعد مؤتمر جنيف2 لفترة طويلة يحمل مخاطر جمة على إمكانية الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، تكون مقبولة من طرفي الصراع ومن الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة والفاعلة في الأزمة. علماً بأن قرار جنيف1 لم يفقد قيمته كأرضية مناسبة للحل السياسي، بدعوته إلى عملية انتقالية يجب أن تتضمن تشكيل جسم حكومي انتقالي يمكنه أن يخلق جواً حيادياً، وتأكيده على أن النزاع في سوريا ينتهي فقط عندما يطمئن كل الأطراف بوجود طريقة سلمية نحو مستقبل مشترك للجميع في سوريا، وبالتالي من الضروري أن توفرّ أية تسوية خطوات واضحة وغير قابلة للإلغاء في العملية الانتقالية وفقاً لإطار زمني محدّد. وينقص فقط أن تذلل التفسيرات المتناقضة للبيان باحترام إرادة الشعب السوري، ووقف منزلق المزيد من العنف. 
مسحوا مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى