الأخبار

الاستخفاف الإخواني ودعاء الفوز بكأس العالم

45

خالد داود

 

 

وكأنهم يقرأون من كتاب حسني مبارك ووزير إعلامه صفوت الشريف. البلد تغلي، والمواطنون يعانون مشاكل يومية عاجلة من انقطاع للكهرباء ونقص في البنزين والسولار وارتفاع في الأسعار وغياب مرعب للأمن، والكل يطرح نظرياته وتوقعاته ليوم 30 يونيو ودمويته مقابل سلميته، ومعارك إخوانية مع القضاة والمثقفين والجيش والجميع تقريبا، كل هذا يجري بينما الإخوان وآلتهم الإعلامية الفاشلة قرروا أن أفضل وسيلة لمواجهة كل هذه الأزمات هو الاستخفاف التام بكل المشاكل، وادعاء عدم وجودها من الأساس، وأنه لا يوجد ما يدعو للانزعاج لأن الأمر برمته من صنع الإعلام الفاسد الفلولي العلماني المعادي للمشروع الإسلامي الذي يزعمون أن لديهم صك احتكار له.

 

وفي هذا الإطار، قرر حزب الحرية والعدالة إصدار برقية يهنأ فيها المنتخب القومي بالفوز على زيمبابوي في مباراتهما أمس، بل تمنى، ربنا يسمع من مرشده العام محمد بديع، أن يفوز منتخب مصر بكأس العالم مرة واحدة، وليس فقط أن نصل إلى التصفيات. ولم يكن ينقص برقية الحرية والعدالة لكي يكتمل النسخ من كتاب مبارك وشريفه سوى العبارة الشهيرة ”ونشكر السيد الرئيس محمد مرسي على رعايته لرياضة كرة القدم.” وكان لافتا أن حزب الحرية والعدالة الوحيد الذي أصدر مثل هذه التهنئة من بين أحزابنا التي يفوق عددها السبعين، تماما كما كان الدكتور عصام العريان القيادي الإخواني الوحيد تقريبا الذي اعتبر أن عودة مسابقة الدوري العام هي من ضمن إنجازات السيد الرئيس لأنها دليل على استعادة الحياة الطبيعية والاستقرار، حتى لو كانت المباريات تجري من دون جمهور.

 

قرأت خبر إصدار برقية تهنئة الحرية والعدالة للمنتخب في المواقع الإخبارية، وابتسمت متذكرا أيام المخلوع وكيف أن شيئا لم يتغير مطلقا. فمبارك كان على وشك السقوط، بينما صفوته الشريف مصمم أن المصريين من المستحيل أن يثوروا على قائدهم العظيم، وأن مصر والمصريين أكبر وأعظم من ذلك، وأن من يعارضون صاحب الضربة الجوية الأولى والوزن الإقليمي وحكيم الشرق الأوسط على مدى ثلاثين عاما، هم أقلية مزعجة منحرفة لا تعبر عن أخلاق المصريين. وكان الحل من وجهة نظره هو إلهاء المصريين عبر جهاز إعلامه بمباريات كرة القدم، والأفلام والمسرحيات، وكذلك البرامج الموجهة حول الإنجازات المبهرة للرئيس وأفضاله، والأغاني المبهرة عن مصر وحب مصر.

 

ولكن لأن طبيعة عملي تتطلب المشاركة في البرامج الحوارية مع المتحدثين بإسم الإخوان، فلقد تيقنت بما لا يدع مجالا للشك أن الآلة الإعلامية الجوبلزية (نسبة لوزير إعلام الكذب في زمن هتلر) للجماعة السرية قد أصدرت تعميما لكل المتحدثين باسمها أمس بأن يركزوا على برقية التهنئة التي تمنوا فيها لمصر الفوز بكأس العالم، واتخاذ ذلك نموذجا لمن يتمنون الخير لبلدهم ومنتخبهم القومي، مقابل من يدعون للتمرد على نظام فاشل مستبد يكذب كما يتنفس. وهذه التهنئة يجب أن يكون مصاحبا لها الابتسامة الإخوانية الزائفة المرسومة بعناية على وجوه المتحدثين باسمها، وفقا للتعليمات الجوبلزية، وذلك لأن هذه الابتسامة من شأنها إعطاء الانطباع للمشاهد بثقة المتحدث واطمئنانه وعدم اكتراثه بالانتقادات الموجهة له.

 

فإذا كان البرنامج موضوعه التوقعات ليوم 30 يونيو والنتائج المبهرة لحركة تمرد السلمية، أو سد النهضة في أثيوبيا والفشل الرسمي الواضح في التعامل معه، أو اللقاء الذي أثار ضجة كبيرة بين السيد عمرو موسى ونائب المرشد المرشح الأصلي للرئاسة الباشمهندس خيرت الشاطر وآثار ذلك على جبهة الانقاذ الوطني، فالمتحدث الإخواني كان يبدأ أولا بتهنئة المنتخب القومي على فوزه على زيمبابوي 4-2، والدعاء لمنتخبنا بالفوز بلقب البطولة العالمية.

 

وبعد هذه التهنئة يبدأ مسلسل الإنكار الكامل لكل المشاكل والكذب البواح والتبريرات الواهية. فحملة تمرد لم تجمع لا ثمانية ولا تسعة ملايين توقيع، بل أن حركة تجرد التي يقوم على تنظيمها أصحاب سوابق في العمليات الإرهابية وتتخذ من البنادق الآلية شعارات لها جمعت توقيعات تفوق ما جمعته الحركة الأولى،  وأن كل معارضيهم فلول في الوقت الذي يسعى فيه قادة الإخوان أنفسهم هم من يسعون الآن للتصالح مع رموز للفساد في عهد النظام السابق، بل ويقترحون ادخال تعديلات على الدستور الذي كتبوه بأنفسهم لإلغاء مادة العزل لمدة عشر سنوات في محاولة مكشوفة للحصول على دعم أنصار الحزب الوطني المنحل في أي انتخابات مقبلة لو تم عقدها.

 

هذا الإصرار الواضح من قبل الإخوان على إنكار الواقع والكذب، والتقليل من شأن معارضيهم، والاعتقاد أنه لو توقفت وسائل الإعلام عن انتقادهم والترويج بدلا من ذلك لإنجازاتهم الوهمية، كلها دلائل تؤكد أن هذا النظام لم يتعلم أهم دروس ثورة 25 يناير: أن الشعب المصري لم يعد من الممكن خداعة، ولم يعد يقبل أن يكذب عليه أحد.

 

من المؤكد أن بث رسائل الطمأنينة واصدار برقيات التهنئة للمنتخب القومي أو أجراء مقابلات مطولة تمتد على خمس صفحات من التصريحات الفارغة المضمون في أكبر الصحف المصرية لن تكون المخرج لاستعادة ثقة الشعب المصري في النظام الإخواني الفاشل، بل هي من دلائل اقتراب السقوط. وبهذه المناسبة، هل تمكنتم من الحصول على نسخة من كتاب إنجازات الرئيس مرسي في 300 يوم، أم أنه نفذ فور صدوره من مطابع الإخوان؟.

 

مصراوى

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى