تربية وتسمين وحوش بشرية

27

جمال فهمي

استهللت سطور أمس بعبارات مقتضبة أظنها وشت بأننى كنت «وما زلت» قرفانًا جدًّا، وأكاد أتقيّأ من منظر هؤلاء المسخ الأنطاع المشوهين روحيًّا وعقليًّا، فقراء الضمير والأخلاق الذين سجَّلت العدسات صورهم وهم يمارسون أقبح وأحط جرائم البلطجة بحق زملاء صحفيين كانوا يؤدّون واجبهم المهنى فى تغطية فاعلية احتجاجية سلمية راقية نفّذها فتيات وفتيان عُزّل إلا من أجسادهم الغضبة، عند «وكر» جماعة الشر السرية فى المقطم، وبينما هم يرسمون ويكتبون على أسفلت الشارع أنشودة المصريين الحالية «يسقط.. يسقط حكم المرشد»، خرجت عليهم قطعان المسوخ المشوهة التى يجرى تسمينها وعلفها وسحق عقولها ومحو إنسانيتها وتدريبها على فنون البلطجة فى أقبية جماعتهم المظلمة، بالشوم والسكاكين وأشبعوا الجميع، إناثًا وذكورًا، ضربًا وركلًا وصفعًا وتعويرًا، فضلًا عن الجهر بفيض من سخام أشد ألفاظ السباب فحشًا وبذاءة.. ثم لما شاعت الفضيحة الإجرامية ودوت «الجرسة» فإن كبار العصابة وقادتها العاكفين هذه الأيام على «نشل» الوطن، اضطروا إلى التعليق ونطقت ألسنتهم بسيل من تبريرات خايبة وحجج واهية بقدر ما هى واطية بدت كلها تحليقًا بعيدًا فى أعلى سماوات التدنّى والوقاحة وينطبق عليها تمامًا معنى العذر الأقبح من الذنب، بل تكاد تفوق فى الوسخ جريمة بلطجيتهم وكلابهم السعرانة!

 

اليوم أغالب شعورى بالاشمئزاز والقرف وأكتب عن هذه الجريمة المزدوجة «البلطجة وتبريرها»، ولكن سأقصّر الكلام على عدة ملاحظات أراها خطيرة الدلالة وتحمل معانى وإشارات بليغة لها علاقة وثيقة بطبيعة المأساة الوطنية التى نكابدها الآن.. أهم هذه الملاحظات الآتى:

 

أولًا: نُفّذت جريمة الكلاب السعرانة تحت سمع وبصر قوات من شرطة وزير الداخلية المتأخون، التى كانت تحمى وتحرس «وكر» جماعة الشر السرية المنفلتة من نظم وقوانين الدولة المصرية، غير أن الأمر لم يقف عند هذا الحد وإنما شارك بعض هذه القوات فى مهرجان البلطجة الذى استمر حتى أول من أمس، بنمر وفقرات تنافس فى البشاعة والسفالة ما ارتكبته قطعان وعصابات الجماعة، وقد طال بعضها زملاء صحفيين.

 

ثانيًا: كشفت حكايات شهود الجريمة المدعمة بالصور والأفلام كيف هو حال تربية وتعليم نسبة كبيرة جدًّا من أعضاء جماعة الشر، وإلى أى مدى بلغ التخريب الروحى والأخلاقى الممنهج الذى يتعرّض له هؤلاء فى المغارة التنظيمية والخرابة العقلية الواسعة التى شيّدها «الإخوان» فى ظلام العزلة التامة عن المجتمع وعن حيوات البشر خارج مجتمعهم المغلق (يتاجرون ويعملون ويتزوجون بعضهم ببعض فقط) مما جعل علاقتهم بأى «آخر» من خلق الله الموجودين خارج أسوار جماعتهم يحكمها دائمًا قانون «المصلحة» أو «العداء»، فعندما تكون ثمة مصلحة أو «مغنم» فإن «الإخوانى النموذجى» يلوذ بنوع من النفاق والتزلف يلامس حدود الانسحاق ويتصرّف بتأدّب وتهذيب لزج ومفتعل يشبه أدب القرود، أما إذا غابت المصالح ولاحت أوهام القوة و«التمكين»، فالإخوانى المصنّع فى كهف الجماعة مدرب على الانتقال فورًا إلى النقيض مستبيحًا كل الحرمات والمحرمات ابتداء من الكذب حتى القتل، وبينهما لا تغيب كل فنون الخسة والسفالة وقلة الأدب (راجع الألفاظ والإشارت المفرطة فى البذاءة التى استخدمها أعضاء ميليشياتهم أمام وكر المقطم وقبلها تحت أسوار قصر الاتحادية)!

 

ثالثًا: اتصالًا بالملاحظة الأخيرة فقد استوقفنى ولفتنى بشدة أن قيادات ورموز وأبواق جماعة الشر اجتمعوا وأجمعوا كلهم، وهم يحاولون بخيابة البحث عن تبرير وتسويغ كاذب لارتكابات عصابة الصّيَّع التى أطلقوها على الشبان والشابات أمام «وكرهم»، أنهم استعانوا بعبارة «استفزوا شبابنا» وقد ظلوا يرددونها بطريقة بغبغاوية مملة ومضحكة، من دون أن يدركوا (بسبب الغباوة وضعف التعليم) أنها تكاد تحمل للناس اعترافًا صريحًا بأن «شبابهم» الصيّع هؤلاء تربّوا على نحو يجعلهم مجرد قطيع شاذ منزوع العقل تعوّد وتدرّب على الاندفاع الأهوج بمجرد أن تظهر أمامه فريسة بشرية «تستفزّه» وتهيّج غرائزه وتلهب شبقه وجوعه لممارسة العنف والشراسة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!

التحرير

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى