أمس وعلى الهواء مباشرة تمت مواجهة أحد أبرز قيادات الإخوان المسلمين بقوائم "الأخونة" في عدد من الوزارات بالأسماء والصفة الوظيفية، وذلك من خلال إحدى القنوات الفضائية، القوائم كشفت عن استيلاء كوادر الإخوان على مائة وأربعين منصبًا رفيعًا في عدة وزارات خلال أربعة أشهر فقط لا غير، وهي مناصب تلي منصب الوزير مباشرة، كمساعدي الوزير ووكلاء الوزارة ومديري العموم ومديري القطاعات الحيوية في الوزارات، والذي أثار دهشتي أن القيادي الإخواني وهو عضو بالبرلمان المنحل أكد صحة المعلومات ودافع عنها بحرارة، وكان دفاعه بمبررين: الأول أن هذه الكوادر الإخوانية هي كفاءات مناسبة لهذه الوظائف، والثاني أنهم نظيفو اليد وأن هذه خطة لمحاربة الفساد في تلك الوزارات، وكان الإخوان قبل أسابيع ينكرون وجود هذه "الأخونة" ويشنعون على من يروجها، ولكن اليوم تجاوزوا هذا الإنكار وتحولوا إلى "التفسير والتبرير" لهذه الأخونة بعد أن أصبح من غير الممكن مواصلة الإنكار، ومعلوماتي أن بعض الأحزاب الإسلامية لديها اليوم قوائم كاملة بالكوادر العليا للدولة التي تمت أخونتها حتى الآن، ويلاحظ أنه رغم تبريرات طرد موظفين كبار بحجة محاربة الفساد لم يتم إحالة أي مسؤول من الذين تمت إقالتهم لإخلاء أماكنهم للإخوان إلى النيابة العامة، أي أنه لا يوجد أي مصداقية لدعوى الفساد في هذه اللعبة، والحقيقة أن هذا الاعتراف يحتاج إلى وقفة ضرورية، من باب الحرص على الإخوان أنفسهم وعلى المشروع الإسلامي وعلى الوطن كله من وراء ذلك، لأن هذه الوتيرة المتسارعة في السيطرة على مفاصل الدولة وخلال وقت قصير جدًا من شأنه أن يثير مخاوف حقيقية لن يخفف منها أي تفسير مهما كان، كما أن المبررات التي تساق لهذه الأخونة تحمل الإهانة المباشرة لكل مصري لا ينتمي إلى الإخوان بما في ذلك أبناء المشروع الإسلامي أنفسهم، لأنه لا يعقل أنه لا يوجد كفاءات في هذا البلد إلا في الإخوان المسلمين، لا يعقل أنه لا يوجد أي مصري يكون كفؤًا لتلك المناصب إلا أعضاء الجماعة، كما أنه ليس من اللائق أن تطرح مسألة نظافة اليد في هذا السياق، لأنه سباب مباشر أسوأ مما سبق، لأنه يعني أن كل ما هو غير إخواني فهو متهم في ذمته ومشكوك في إخلاصه للوطن وفي طهارته وفي شرفه، أنا لا أتصور أن الذين استولوا على مائة وأربعين منصبًا في القيادات العليا للوزارات لم يجدوا شخصًا واحدًا نظيف اليد في حزب النور مثلًا، أو في حزب مصر القوية أو حزب الوسط أو حزب البناء والتنمية، وهي الأحزاب الممثلة للمشروع الإسلامي، فهل كل هذه الأحزاب أعضاؤها من الفاسدين وخربي الذمة وغير المؤتمنين على البلد أو أنهم جهلة وضعاف وتافهون ولا يوجد بينهم أي كفاءات، بحيث أصبحت تلك الطهارة والكفاءة محصورة في أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وإذا كان الخطاب الإخواني الذي يتم تصديره للدفاع عن السياسات المختلة في إدارة الدولة هذه الأيام يتكئ على حكاية أن "المشروع الإسلامي" هو المستهدف، والمشروع الإسلامي في خطر، وأن أبناء المشروع الإسلامي لابد من أن تتحد أياديهم للتصدي للخطر، فهل ما يحدث من أخونة لأجهزة الدولة ومؤسساتها ووزاراتها مع استبعاد جميع أبناء المشروع الإسلامي من غير الإخوان، يدعم فكرة أننا أمام "مشروع إسلامي" أم أننا بوضوح كامل أمام "مشروع إخواني"؟! وأن الحديث عن "مشروع إسلامي" هو محاولة لتخدير مشاعر التيارات الإسلامية الأخرى واستغفالها من أجل مساندة الإخوان في هذه الأوقات الصعبة لإتمام مشروع "الأخونة"، ثم يكون بعد ذلك لكل حادث حديث ولكل محتج هراوة أو مدرعة، وهل يمكن ـ في ضوء هذه التطورات الخطيرة ـ فهم وتفسير سبب تعنت جماعة الإخوان وحزبها في مسألة إقالة الحكومة الحالية أو حتى تعديلها والخطاب الذي أصبح أكثر عصبية وتشنجًا من قبل قيادات الجماعة ورموزها هذه الأيام بأننا لن نغير وزيرًا ولا غفيرًا، وهم يتحدثون صراحة بوصفهم أصحاب السلطة وأصحاب القرار، رغم أن ذلك سلوك غير شرعي ولا يتأسس على أي شرعية دستورية إلا شرعية "وضع اليد"، المفارقة الآن أن البلد يتجه إلى الخراب والفوضى بينما الإخوان مشغولون بالاستيلاء على مفاصل الدولة وتمكين كوادر الجماعة من "الغنيمة". المصريون