الأخبار

مروان يونس يكتب: المرشد الأخير!

55

 

 

فجأة وبدون سابقة إنذار تذكرت فيلم الساموراي الأخير، هذا الفيلم الذي حاز على عدة جوائز واحتل صدارة الأفلام السينمائية عند عرضه، كان الفيلم بطولة توم كروز جاذبا للانتباه حيث أنه شرح خلال ساعتين فترة انتهاء قوات الساموراي والتي قضي عليها الإمبراطور الياباني في مقابل تحقيق حلم بناء دولة حديثة..
كانت هذه القوات تتولى حماية الدولة اليابانية قبل التحديث كحماة للأمن وممثلا للتراث الياباني القديم ومحاربيه… كان للساموراي موقفا غير متوافقا من عملية التطوير والتحديث والانفتاح لليابان كدولة ومنها القوات العسكرية اليابانية، هذا المشروع الذي تبناه الإمبراطور الياباني الشاب حينها وأكبر جنرالاته معتقدين أن الانفتاح لن يتوافق مع قواعد وقيم المجتمع الياباني المحافظ..
ربما حمل الفيلم رسائل متعددة ولكني سأهتم برسالة واحدة منهم وهي الرسالة الأساسية في رأيي المتواضع وهي الصراع بين العلم والتطور مقابل الجمود والتوحد والرجعية، فهذه الرسالة ربما تنطبق على الموقف الحالي للتيارات الدينية والتي تقود الساحة السياسية وبل والدولة المصرية الآن…
ونظرا لضعف امكانيات هذه التيارات من صناعة مستقبل مشرق، اعتقدت مثلما اعتقد الساموراي وذلك مع اختلاف النوايا، السيئة لدينا والسليمة لديهم، أن العودة للماضي والهروب إليه تحت ستار الحفاظ على القيم “وفي حالتنا الدين” هي الطريقة المثلى للحفاظ على المجتمع… استخدمت حالة اليأس للشعب في مستقبل أفضل فمررت رسالتها الرجعية للبسطاء وهي الحفاظ على الماضي بدلا من البحث عن المستقبل، فبالتأكيد طريق الآخرة أسهل من طريق الدنيا في وسط حالة اليأس الاجتماعي العام وبالأخص لنصف المصريين وهم مؤيديهم كما يدعون…
وفي ظل البؤس الجماعي لمؤيدي هذه التيارات وتحت لواء اليأس المستشري فلا أمل في دنيا بل في آخرة فقط، وبغرض الحفاظ على هذه الآخرة يجب طاعة رجال الدين ومواجهة دعاة العلم والعلمانية والحرية والحداثة…
فهذه القيم من حرية ربما ستأتي معها بالمبيقات بل ربما ستهدم القيم والتاريخ، كما أن دولة القانون الحديثة ربما ستكون ضد القانون الإلهي والذي يدعون أنهم وحدهم من معهم توكيل بمعرفة إرادة الله، كما أن الاقتصاد الحر ربما يشوبه الربا إلخ إلخ،، المهم لندع معركتنا الحفاظ على الماضي بكل ما حمل من تراث لنا، ولنكن سامورايا مخلصين وفي مصر عبادا ربانيين…
فوسط مجتمع نصف من لهم حق التصويت فيه يعانون الجهل والفقر ومن ذلك الخوف واليأس كم كانت رسالة ساموراي مصر ناجحة صندوقيا فقط…
المهم وبدون مقارنة نوايا التيار الديني في الحفاظ على التفوق السياسي والتمكين تحت ستار الدين وذلك بنوايا الساموراي في الحفاظ على التاريخ والقيم فكلاهما كانا يحاولان استمرار مجتمعهم في شكله الرجعي سواء بحسن النوايا أو سوء النوايا.. وكلاهما وقف في معركة ضد أي تطور او تحرر…
فبالنسبة لمعركة الساموراي المصري وبالرغم من كوننا في عصر آخر بدأوا في حملة المقاومة أيضا وتشويه لكل ما هو حديث متهمين الحرية بالفسق والفجور، متهمين العلم بأنه يدعو الناس بالكفر، ضربوا عرض الحائط بالتحديث أو التطوير واعتمدوا في الخطاب الديني على محاولة فرض أسلوب حياة الساموراي وفتيات الجيشا المصري أي دولة الخلافة وبدونة الدين..
أما بالنسبة للنصف الآخر من المجتمع وهو التقدمي والفاعل، فمنذ تحركه في أول أيام الثورة فهو مستمر في الحركة حتى الآن، كما لا زال التيار الديني مستمر في مواجهة طلباته بالرفض والمقاومة، رافضا كل مطالب الحرية والمساواة، رافضا الالتزام بأي أهداف أو مباديء للثورة أو حتى الالتزام بخطة التطوير الاجتماعي للعصر السابق حتى وصلوا لرفض الاستماع لأي شيء ولأي أحد…
حقيقة لم يتعلم الساموراي ولم يتعلم التيار الديني وها هي مصر، أمة شابة تتحرك بخطي ثابتة نحو أهداف ومباديء لا تنازل عنها منتفضة متحركة متظاهرة، لم يتعلم التيار الرجعي المصري من التاريخ سواء القريب أو البعيد، فمع كامل الاحترام للساموراي واختلاف قيمهم السامية عن القيم النفعية الميكافيلية للتيار الديني فلم ينجح الساموراي ولن ينجح التيار الرجعي المصري في المقاومة للطبيعة…
ولنعود للفيلم الروائي والمشهد الأخير ولقطة وقوف كل مجموعة الساموراي بكل قوتهم أمام الامبراطور وجيشه الممثل للحداثة والتطور والحلم بمستقبل أفضل، وعلى الرغم أن تعاطف الكثيرين  فقد بطش الجيش الحديث بهم (رغم صدق نواياهم) وأفناهم لآخر ساموراي حتى الساموراي الأكبر أو مرشد الساموراي، لتنطوي بذك قصتهم بنهاية شديدة الألم والدموية…
وأخيرا لنعود لمشهد النهاية للتيارات الرجعية المصرية والذي سيتشابه مع نهاية الفيلم، فحتى مع فرضية أن التيار الديني و الذي كتبت عنه هذا المقال حسن النوايا “و هي ليست كذلك” لن يقاوم كثيرا..
فهل سيتعلم التيار الديني المصري والقوى الرجعية؟؟ هل ستتمكن تياراتهم الدخول في آخر لحظة بحالة توافق اجتماعي والذوبان في الدولة المصرية التي تطالب بمستقبل أفضل أم ستتشبث بالدخول في آخر معركة مهما تكلفت هي ومهما تكلفت مصر من نتائج بل مهما كانت التضحيات وذلك حتى آخر ساموراي…
فلذلك فلتنقذوا أنفسكم ولتنقذوا مصر من المعارك القادمة والدماء والتي ستكون نهاية طبيعية لعنادكم للطبيعة، فابدأوا بمراجعاتكم فورا ولتتنازلوا عن فكرة سمو عرق أو جنس أو عشيرة الساموراي واعتبارها هوية لدولة بديلة فوق مصر و دعوها تمتزج داخل مصر…
ولكن للحق و نظرا لأننا لا نرى إلى الآن سوى العناد والإصرار على دولة الساموراي أو الخلافة والتمكين، فتأكدوا ستكون النهاية مشابهة، ربما قد تختلف أن بالفيلم انتهت على يد قوة نيران الجيش المتطور، أما في مصر فالأقرب أنها ستكون أمام غضب شعبي وجيش تقدمي وخزلان حليف دولى..
فبهذا الإصرار سيكتب التاريخ لاحقا أنكم كنتم المرشد الأخير للجماعة حيث أنه لن يتبقى منها بعد هذه المعركة أي ساموراي كما لن يسامحكم المجتمع على ثمنها الباهظ..
فعزيزي… المعركة معركة وجود لوطن وتعدت مرحلة معارك سياسية ضيقة وتستحق التضحيات…
الموجز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى