الأخبار

أهالى شهداء «المنيل» يتكلمون……

58

أحمد أبوحجر

 

دماء وأشلاء أجساد وفوارغ طلقات، هكذا كان المشهد صباح اليوم التالى لاشتباكات المنيل الدامية بين مليشيات الرئيس المعزول محمد مرسى ومواطنين مصريين.. مصريون سالت دماؤهم بجوار النيل ليغلقوا طريق ميدان التحرير لحماية الثورة والثوار.. 12 منهم غرقوا فى دمائهم ليقولوا: أبانا الذى سكن القصر عاما احقن دماء باقى المصريين.
فى الحى الهادى على ضفاف النيل سكن الحزن بيوت ضاحية المنيل..وخيمت أجواء حزينة غاضبة اكتست باللون الأسود حدادا على أبنائها الشهداء الذين راحوا ضحايا لخطاب الدم الذى ألقاه المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع أمام حشوده فى ميدان رابعة العدوية، الذى كان بمثابة كلمة السر لتحريك حشوده نحو الميدان، لتستولى عليه بعد إخلائه من ثواره، لكن أهل المنيل كانوا حائط صد قويا أمام مخططهم.
المنيل التى انطلقت منها أول مسيرة غضب ضد نظام مبارك يوم جمعة الغضب.. ومنها شكلت أول لجان شعبية أثناء الانفلات الأمنى بعد 25 يناير.. وكان رجالها أول من بدأ اعتصاما للمطالبة برحيل نظام مرسى قبل 30 يوينو بأيام.. هى من قدمت أخيرا لمصر قبل ساعات 4 شهداء لينضموا لقائمة شرف طويلة لشهداء الحرية فى مصر.
«اليوم السابع» قابلت أهالى الشهداء الذين حملوا الرئيس المعزول، ومرشد الجماعة ونائبه وعددا من قيادات الجماعة من بينهم عصام العريان ومحمد البلتاجى وصفوت حجازى، وقيادات الجماعة الإسلامية بالتحريض على قتل أبنائهم، وأكدوا أن القتلة استخدموا كل أنواع العنف مع شباب الحى.
والدة أول شهداء المنيل: لابد من شنق رأس الحية «بديع» لتحريضه على قتل أبناء مصر
يزين وجهها المثقل بالهموم تجاعيد رسمها لها الزمن ليفاجئها دائما بالمرير، عيناها تمتزجان بالحزن والألم على فقدان كبيرها الذى راح بطلقات غادرة قاتلة لا تبقى ولا تذر..تتثاقل خطواتها ما بين صالة استقبال المعزين وبين غرفة شهيدها.. هكذا كان مشهد مدام منى الشناوى والدة الشهيد الأول فى موقعة المنيل رامى محمد المهدى.
«الإخوان قتلة ومجرمون» هكذا بدأت والدة رامى فى نسج حكاية استشهاد نجلها الذى لم يبدأ عقده الثالث من العمر بعد، وقالت بحزن دفين يختبئ خلف قوتها «احتسبك عند الله شهيدا يا رامى».
رامى الذى يعمل «محاسب» بشركة السويس للزيت، وأب لـ«لوجين» طفلة لم تكمل عامها الثانى، خرج إلى الشارع للقاء أصحابه للجلوس على المقهى كعادته اليومية لكن اليوم كانت أجواؤه مختلفة.. فأنصار الرئيس المخلوع يدقون طبول الحرب الأهلية بميدان النهضة من أجل التحرك إلى ميدان التحرير فى مسيرة ستعبر كوبرى الجامعة وتخترق المنيل وصولا إلى ميدان الثوار.
ما أن علم رامى بالأمر انتفض قائلا: «منبقاش رجالة لو عدوا من المنيل علشان يعتدوا على ثوار التحرير» كما تضيف والدته موضحة أنه خرج فى حدود الحادية عشرة مساءً، ولم يعد منه سوى اتصال من أصدقائه: رامى حالته صعبة.
وتضيف: كنت فى هذا الوقت مع ابنتى لاختيار جزء من جهازها لأن موعد عرسها بعد رمضان بعدة أسابيع، فلم يكن منى إلا أن اتجهت إلى مستشفى قصر العينى للاطمئنان على رامى الذى كانت روحه قد فاضت إلى بارئها.
وتكمل حكاية شهيدها: دخلت إلى غرفة رامى بالمستشفى، فشاهدت حفرة عميقة فى الجانب الأيسر من رقبته، موضحا بعد سؤالها أحد الأطباء أنها مكان الطلقة التى أصابت رامى، بالإضافة إلى طلقة أخرى سكنت فى فمه واستقرت أيضا فى مؤخرة رأسه.
تغلبها دموعها لكنها تعود لتكمل رواية ابنها الذى ندم على التصويت للرئيس المعزول فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، اعتقادا منه أنه مرشح الثورة بعد أن قام بالتصويت لعبدالمنعم أبو الفتوح فى الجولة الأولى، وتضيف: لكنه لم يلبث أن صدر الإعلان الدستورى حتى تحول شهيدها إلى معارض قوى لمرسى كباقية من انتخبه، ووجد فى حملة تمرد غايته، فقام بتشجيعها ووقع استمارتها وروجها بين أصدقائه.
تتغلب على حزنها بتنهيدة عميقة لتصف ما بمصر من ألم قائلة: «مش ممكن يكون اللى بيموتوا فى ولادنا بنى آدمين، دول قتلة وسفاحين ولا يمتون للإنسانية بصلة» وتكمل: الإخوان همج وبرابرة لا يهم سوى الكرسى وعودة مرسى، وتعود لتأكد على شرعية ما فعله السيسى من انحياز لإرادة الشعب، لكن كان يجب عليه أن يتمهل قليلا حتى يخرج مرسى متنحيا ليحقن دماء المصريين.
فى الجانب المقابل من أم رامى تجلس أخته التى لم يكفها ساعات من البكاء الهيستيرى المتواصل لتؤكد: يومها رأيت رامى وكأنه عريس مهندم ووسيم وكأنى أراه للمرة الأولى، طلبت منه أن يأتى بأخيه الصغير الذى تسلل للمشاركة فى المظاهرات الرافضة لحكم الإخوان وأوصيته بألا يتأخر، فما كان منه إلا أن عاد جثة، وتضيف أنه من مربع الغمرواى فقط حتى أول المنيل المسافة التى لا تتجاوز 300 متر سقط 11 شهيدا ومصابا.
وعادت أم رامى – الذى انتمى أبيها إلى الجماعة فترة من عمره لكنه لفظهم بعد أن لمس عنفهم وتطرفهم فى السبعينيات- للحديث مرة أخرى لتطالب بضرورة شنق «رأس الحية»، على حد وصفها، للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع فى ميدان التحرير، لأنه سبب الفتنة التى كانت فى طريقها للهدوء، وتضيف: أوهمونا بإسلامهم فسلمنا لهم رقابنا ولم نفق من صدمتهم إلا على استشهاد أبنائنا.
أصدقاء عبدالله سيد: لابد من إجلاء الإخوان من المنيل
أسفل لافتة كبيرة تحمل اسم محله الصغير «كرنفال» وقف محمد ومصطفى صديقا الشهيد عبدالله سيد البالغ من العمر 32 عاما الشهيد الثانى فى موقعة المنيل محمد قال: إن عزاء عبدالله سيكون الثلاثاء بعد عودة أهله من مدينة ديروط بمحافظة أسيوط مسقط رأس عبدالله الذى أوصى بدفنه بين أهله.
«كان حاسس إنه هيموت» يضيف محمد صاحب عبدالله، موضحا: بعد أن تحركنا سويا من أمام محله لمتابعة ما يحدث على الكوبرى، عاد مرة أخرى ليرتدى تيشرت علم مصر، كما طلب منى مسامحته على تقصيره فى زيارة أختى المريضة، كما يقول محمد.
ويضيف عبدالله أنه كان مصرا على ألا يمر شباب الإخوان ولا يصلوا إلى التحرير حتى لا تحدث موقعة جمل جديدة يلقى فيها مواطنون مصريون جدد حتفهم، كما حدث فى بين السرايات، ويضيف لم تمر بضعة ساعات على بدء الاشتباكات حتى فوجئت بعبدالله غارقا فى دمائه بجوارى على الأرض، فحملته إلى مستشفى قصر العينى، فتبين إصابته بطلق نارى فى الرأس.
أما مصطفى الذى وقف أمام الباب المعدنى للمحل الذى كتب عليه «نسألكم الدعاء»، علق ورقة كتب عليها «صاحب المحل الشهيد عبدالله سيد عبدالعظيم توفى فى اشتباكات المنيل لإصابته بطلق نارى فى الرأس» فيرى أن الإخوان أجرموا فى حق مصر، مضيفا: هؤلاء يمثلون جماعة إرهابية تريد حرق البلد ولا يعرفون شيئا عن الدين، وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه متسائلا: كيف لهؤلاء أن يقتلونا بدم بارد؟ بعد أن اعتلى أفرادهم من القناصة مسجد صلاح الدين، ووجوا رصاصهم نحو أفراد عزل وقفوا يردون كيدهم بالحجارة.
وبغضب شديد ينم عن مشاعر الانتقام التى بات تسكن أضلاعه يقول مصطفى: نفكر الآن بعد هدوء الأوضاع فى إجلاء العائلات الإخوانية من المنيل، لأنهم مشاركون أساسيون فيما أصاب أصدقاءنا وأخواتنا فى المنيل وفى مصر عموما.
ويضيف: بعد أن انهار باكيا: لا تقل عمن ماتوا من أبناء المنيل ماتوا لكن هؤلاء أحياء سعداء نحسبهم عند الله شهداء.
ابنة الشهيد كرم عطوة: علمنا أن حب مصر من الإيمان..وقال الإخوان هيوروا مصر أيام سودا.
«علمنا دائما أن حب مصر من الإيمان والحفاظ على شبابها فريضة، لأنها مسؤولية الكبيرة» هكذا قالت حنان الابنة الأصغر للشهيد كرم عطوة 55 عاما والذى يعمل عامل أمن بنادى النيل، وتضيف من منزل والدها الواقع بحارة المزين بالطابق الثانى الذى لا تتجاوز مساحته 60 مترا، وتضيف: كان والدى يستعد لمغادرة عمله، بعد أن قرر لأول مرة فى حياته أن يستريح من عناء عمله لمدة أسبوع على سبيل الإجازة سيقضيها كاملة معنا فى رمضان، و بعدما أوصلنى إلى البيت سمع عن مناوشات بالمنيل أمام النادى الذى يعمل به، فقرر الذهاب للتحقق مما يجرى، وكذلك لإحضار أخى علاء الطالب بكلية الطب، و نبه علينا عدم مغادرة المنزل.
وتضيف: كان يقوم بحث الشباب على مغادرة مكان الاشتباكات، لأنه لا يجوز أن يموت الشباب ويبقى الشيوخ، فبعد أن جاءنا خبر إصابة علاء بطلق نارى فى قدمه اليسرى ونقله إلى مستشفى قصر العينى، جاء خبر وفاة والدى الذى أصيب هو الآخر بطلق نارى فى صدره.
عامل الأمن الذى دائما ما ردد «الإخوان هيوروا مصر أيام سودا» لديه محمد الابن الأكبر، محامى، وعلاء، طالب الطب، مصاب فى قدمه بطلق نارى، أما عبدالرحمن الابن الأصغر فأصيب بحالة نفسية جراء وفاة والده.
أخو الشهيد «حودة»: حسبى الله ونعم الوكيل فى الإخوان.. وأخى مات برصاص إسرائيلى
لم يكن سامح يعلم أن مصير أخيه محمود أحمد على، البالغ من العمر 34 سنة سيكون هكذا، فمحمود العامل بمحطة وقود المنيل «أون ذا رن» خرج متضامنا مع أهله وجيرانه من أبناء المنيل، وكان بجانبى، لكن نظرا لظروف مرض والدتى غادرت إلى المنزل وتركته مع باقى الناس لكن خبر وفاته كان أسرع من وصولى إلى البيت، فتلقى رصاصة فى مقدمة رأسه ومعها تناثرت أشلاء رأسه ومخه جمعها أحد أصدقائه.
بعد خمس ساعات من الضرب والسحل
محمد عبدالحميد: شباب الإخوان خطفونى من كوبرى الجامعة.. ضربونى بالشوم وبالحجارة فى وجهى…سمعت لهجات غير مصرية تدعوهم لتعذيبى حتى أتوب عن الكفر.
خمس ساعات قاسية ومرعبة مرت عليه بين أيديهم.. تعرض فيها للتعذيب والسحل والانتهاك.. مشهد يعيدك إلى الأيام الأولى من حكم الرئيس المعزول، حينما قبض شباب جماعته على الثوار وتناوبوا عليهم فى حفلات التعذيب والسحل.. محمد محمد عبدالحميد الشاب الثلاثينى الذى سقط فى براثن قتلة، لم يرحموا توسلاته، فخرج من بين أيديهم بوجه تجلط الدم فى نصفه الأيمن بعد أن لامس الأسفلت عنوة ذهابا وعودة حتى ارتوى الأسفلت من دمائه..فيما استقرت عشرات اللكمات على نصفه الآخر، فتركت أثارها الزرقاء أسفل عينيه فيما كانت آثار عشرات العصى مرسومة على ظهره واستقرت لكمات الحجارة على فمه وأسنانه.
عبدالحميد الذى يعمل بمصر للطيران والناجى من الموت بأعجوبة يقول: فى وقت ما تدرك أن نهايتك اقتربت وأن الموت قادم لا محالة، لم يكن أمامى سوى النطق بالشهادة، ويضيف: كنت كغيرى من شباب المنيل الذين خرجوا للدفاع عن منطقتهم من اعتداءات الإخوان عليهم فطاردته حتى نهاية كوبرى الجامعة إلا أنهم قبضوا على بالقرب من السلم الواقع أمام السفارة الإسرائيلية، سحبونى إلى داخل مقر الاعتصام بميدان النهضة، فتشونى فوجدوا تصريح الإجازة الخاص بى من مصر للطيران، فاتهمونى بأنى ضابط شرطة متنكر وأساند المتظاهرين ضدهم، فقاموا بتوثيق يدى والبدء فى ضربى باللكمات وبالشوم وبالأسلاك وبالعصى وبالحجارة على رأسى ووجهى وفمى.
ويضيف بأسى: حينما يقول مرسى سنحمى الشرعية بالدم وبديع يخطب فيهم سنحمى الشرعية بأرواحنا ويهتف البلتاجى مش هنسيبها ويحرض عبدالماجد على قتل المتظاهرين المعارضين لحكم الإخوان ويكفرونا قادة السلفية، فلا تتعجب من فعل هؤلاء المغيبين الذين يتلقون أوامر بقتل المصريين من أجل الكرسى.

اليوم السابع

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى