الأخبار

حمزاوي يكتب..بين أكاذيب السيد عكاشة وانتقائية د.منتصر

49

حسناً، ها نحن نتحرك خطوة إلى الأمام فى النقاش بشأن نقدى لخفافيش الفاشية الدينية وفاشية الإقصاء باسم الوطنية والدولة المدنية ولطيور ظلام المرحلة الراهنة (ما بعد ٣٠ يونيو) الذين يدافعون عن الحريات والحقوق والديمقراطية ويغضون البصر عن الانتهاكات وعن الإجراءات الاستثنائية حين تنال من المختلفين معهم فكرياً وسياسياً. فى البدء، كانت على سبيل المثال وصلة «أكاذيب» السيد عكاشة ومزاعمه الزائفة عن «تكليفات» تلقيتها، وأنا كما يعلم القاصى والدانى لست من متلقى التكليفات لا من أجهزة أمنية أو شبكات مصالح فى الداخل ولا من سفارات ودوائر خارجية فى الغرب أو الخليج يهرع لها آخرون بانتظام.

فى البدء، كان على سبيل المثال حديث أصحاب المعايير المزدوجة ومبررى الإجراءات الاستثنائية من كُتاب وممولى أحزاب عن «سقوط الأقنعة» و«الخلايا النائمة» بتهافت لا يستحق الرد.

فى البدء، كان أيضاً إطلاق هجمة مسعورة عمادها أكاذيب وشائعات للنيل من مصداقيتى لدعوتى للتصالح مع اليمين الدينى بشروط محددة ولرفضى المهادنة حين تقع انتهاكات للحريات وللحقوق أو المساومة على الديمقراطية بالتورط فى مقولات استئصالية.

فى البدء كان كل هذا ولم يزل، إلا أن خطوة إلى الأمام تحدث الآن مع بعض التعليقات والكتابات التى تطرح تساؤلات جادة بشأن رفضى للإقصاء ومبادرتى للمصالحة الوطنية.

ومن بين ما قرأت خلال الأيام الماضية مقالة الدكتور خالد منتصر بـ«الوطن» تحت عنوان «د.حمزاوى بين عزل الوطنى وتسويق الإخوان» وبها ركز على وجود تناقض بين موقفى من قانون العزل السياسى فى مجلس شعب ٢٠١٢ وبين رفضى لإقصاء الإخوان بعد عزل الدكتور محمد مرسى.

وللتوضيح، أشير إلى النقاط التالية:

١- حين نوقش قانون العزل السياسى بمجلس الشعب، كان هدفى الوصول إلى صيغة قانونية منضبطة لمحاسبة عناصر نخبة حكم ما قبل ثورة يناير المجيدة التى تورطت فى صناعة الاستبداد والفساد السياسى متجسداً فى تزوير الانتخابات وتكريس القمع والعصف بسيادة القانون وانتهاكات حقوق الإنسان.

كان هدفى هو التحديد الوظيفى لهذه العناصر عبر ربطها بمواقع قيادية محددة ومحدودة فى السلطة التنفيذية وفى الحزب الحاكم سابقاً كانت مسئولة عن تزوير الانتخابات وغياب دولة القانون والانتهاكات المتكررة.

وفى هذا السياق، سجلت كتابة وقولاً أن بناء الديمقراطية يستدعى أحياناً، بعيداً عن المثاليات وليس بعيداً عن المبادئ، إبعاد العناصر التى يثبت عليها التورط فى صناعة الاستبداد والفساد عن الحياة السياسية لفترة تَعَافٍ مؤقتة.

أسفرت نقاشات المجلس عن صيغة قانونية غير منضبطة، توسعت فى تطبيق العزل السياسى دون أسانيد موضوعية للتورط فى الاستبداد والفساد، ومن ثم أسقطت المحكمة الدستورية العليا القانون بحكمها بعدم دستوريته.

حينها وبصورة فورية وعلنية، سجلت كتابة وقولاً اعتذارى العلنى عن إساءة استخدام الاختصاص التشريعى، وعن الصيغة القانونية التى لم تنضبط لغياب الربط الواضح بين العزل وبين صناعة الاستبداد متجسداً فى تزوير الانتخابات وغياب دولة القانون وانتهاكات حقوق الإنسان، وعن تعميم العقاب، أى العزل، دون أسانيد قانونية موضوعية.

وعلى الدكتور منتصر لتحرى الدقة حين مناقشة أفكارى ومواقفى بشأن العزل أن يعود إلى مقالات ومداخلات ما بعد حكم الدستورية ببطلان القانون لكى يكتمل المشهد دون اجتزاء.

٢- تظل قاعدة المحاسبة القانونية المنضبطة للمتورطين فى الاستبداد والفساد حاكمة لموقفى بشأن جماعة الإخوان واليمين الدينى المتحالف معها.

سجلت أكثر من مرة خلال الأيام الماضية ضرورة محاسبة المحرضين على العنف والمتورطين فى تمويله أو ممارسته بين صفوف قيادات وأعضاء الإخوان وحزبها واليمين الدينى.

سجلت أكثر من مرة أن الحق العام (حق المجتمع) يلزم بالمحاسبة على تجاوز القوانين المصرية إن من قيادات أو من أعضاء جماعة الإخوان أو جماعات أخرى، وأن المحاسبة هذه لا بد أن ترتبط بأسانيد قانونية موضوعية ولا تنبنى على الإجراءات الاستثنائية التى أرفضها بالكامل.

سجلت أكثر من مرة أن الحق العام يلزم بمحاسبة المسئولين عن كافة انتهاكات حقوق الإنسان منذ ثورة يناير المجيدة وإلى اليوم، وأن الدكتور محمد مرسى ومسئوليه ينبغى أن يحاسبوا عن الانتهاكات التى وقعت فى الفترة الممتدة من ١ يوليو ٢٠١٢ إلى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، شأنهم شأن المجلس العسكرى الذى سبقهم والإدارة الانتقالية الحالية التى تلتهم.

سجلت أكثر من مرة أن المعلومات المتاحة للرأى العام المصرى لا تثبت تورط الإخوان أو حزب الحرية والعدالة فى تزوير الانتخابات قبل ٣٠ يونيو والتى أدارها المجلس العسكرى، وأن التورط لو ثبت يستدعى المحاسبة.

٣- بعد قاعدة المحاسبة القانونية المنضبطة تأتى قاعدة الدفاع عن الحريات والحقوق ورفض الإجراءات الاستثنائية.

هل يريدنى الدكتور منتصر أن أصمت عن اعتقال بعض قيادات الإخوان وحزب الحرية والعدالة، وهم كالدكتور الكتاتنى لم يعرف عنهم لا التحريض على العنف ولا ممارسته؟ هل يريدنى أن أدعو إلى إنزال العقاب الجماعى بكافة أعضاء جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة بدلاً من محاسبة المتورطين فى العنف والاستبداد، وبدلاً من التفكير فى كيفية إبعاد الجماعة عن السياسة وإلزامها بالعمل الدعوى والعام مع احترام السلمية والعلنية؟ هل يريد الدكتور منتصر أن أقبل إغلاق محطات فضائية دون إجراء قانونى منضبط أم يريد المهادنة بشأن أحداث الحرس الجمهورى وعدم المطالبة بتحقيق شفاف؟ لن أتورط فى ازدواجية المعايير هذه أبداً، فمحاسبة المتورطين فى العنف والاستبداد تستدعى حماية حريات وحقوق غير المتورطين بهما وتلزم فى جميع الأحوال، ومن باب الواقعية والفهم السياسى السليم، رفض الإجراءات الاستثنائية.

٤- المحاسبة القانونية المنضبطة والدفاع عن الحريات والحقوق يمثلان المدخلين الواقعيين للانفتاح على المصالحة الوطنية مع الإخوان واليمين الدينى.

سجلت أيضاً أكثر من مرة، وأتعجب من انتقائية الدكتور منتصر، أن الابتعاد عن إقصاء الإخوان يرتبط بمحاسبة المتورطين فى العنف والاستبداد وبامتناع الجماعة والحزب عن التحريض عليهما.

سجلت أكثر من مرة أن دفاعنا كمعارضين للإخوان ولليمين الدينى عن حرياتهم وحقوقهم هو السبيل الوحيد لإبعادهم عن الانتحار الجماعى وإغراق المجتمع فى دوائر العنف.

أضفت أيضاً أن خبرتنا فى مصر تلزمنا بإعادة النظر فى قوانين العمل السياسى بهدف منع الزج بالدين فى السياسة وصراعاتها، ومن ثم ضرورة تجريم قيام أحزاب على أساس دينى وإلغاء تراخيص الأحزاب التى تتورط فى توظيف الدين.

هل يرى الدكتور منتصر فى هذا انحيازاً للإخوان أو دفاعاً عنهم، أم طرحاً منهجياً لدمجهم وللمصالحة الوطنية بشروط بعد المحاسبة ووقف العنف؟ هل يرى بطرحى «تسويقاً للإخوان» كما يدعى أم تفاصيل واقعية محددة لمحاسبتهم ثم التصالح معهم وبشروط؟ هل يعتبر من يدعون اليوم إلى المصالحة وإلى تمكين الإخوان من المشاركة فى السياسة وإلى بقاء بعض وزرائهم فى الحكومة الجديدة أيضاً مجموعة من «مسوّقى الإخوان» أم أن هذا «الاتهام» يوجه لى بمفردى وفى لحظة الهجمة الشرسة ضدى؟ أنا لا أغير أفكارى وإن هوجمت بشدة أو زيفت بعنف طالما دام اقتناعى وإيمانى برجاحتها، ومثلى لا يبنى مواقفه إلا استناداً إلى أفكاره.

لست بمسوّق لأحد، بل مدافع عن الحرية والحق والديمقراطية دون استثناء أو مهادنة، لا لخفافيش الفاشية الدينية ولا لخفافيش فاشية الإقصاء، لا لطيور الظلام ولا لمروجى الأكاذيب والشائعات.

٥- أشكر الدكتور منتصر على اهتمامه بأفكارى ومواقفى، إلا أننى ألوم عليه الانتقائية فى التعامل مع الأولى بهدف الترويج لتناقض متوهم فى المبادئ، وكذلك الصيغة الاتهامية وغير الموضوعية فى مقاربة الثانية كما تدلل عبارة «تسويق الإخوان» فى عنوان مقالته ومتنها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى