تكسيح الإعلامى بدستور «برهامى» ياسر عبدالعزيز

197_1500078

 

لقد كشف لنا الدكتور ياسر برهامى عن خطته الكاملة لخنق الحريات، وفى القلب منها بالطبع حرية الصحافة والإعلام، من خلال الدستور الذى تمت الموافقة عليه للأسف الشديد.

تقول المادة الثانية فى الدستور إن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، وهى مادة كانت وما زالت محل توافق واحترام المصريين بكافة أطيافهم.

لكن الدكتور برهامى، اعتمد هو وجماعته من السلفيين وحلفاؤه من «الإخوان» على ما اعتبره «عدم فهم الليبراليين والعلمانيين والنصارى»، ورأى أن يفسر كلمة «مبادئ الشريعة» الواردة فى نص المادة الثانية؛ على النحو المبين فى المادة «219»، كما يلى: «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة».

لقد اتسعت كلمة «مبادئ» إذن لتشمل الأدلة الكلية والقواعد الأصولية، والأهم من ذلك طبعاً «المصادر» التى أوضح الدكتور برهامى أنها تشمل «الكتاب والسنة والإجماع والقياس والمصالح المرسلة».

ليس هذا فقط، لكن دستور الدكتور برهامى، وأتباعه وحلفائه، نص فى مادته الرابعة على أنه: «يؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية».

يعنى ذلك أن مفهوم مبادئ الشريعة اتسع ليشمل ما يرد فى «المصادر المعتبرة لدى أهل السنة والجماعة»، وأن ثمة هيئة من علماء الدين ستكون منوطة بالبت فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، التى هى «المصدر الرئيسى للتشريع».. إنها سلطة دينية فوق سلطة الدولة وفوق القانون.. إنها دولة «ولاية الفقيه».

وحين نأتى إلى الصحافة والإعلام، سنجد أن دستور الدكتور برهامى «الذى اعتمد على عدم فهم الليبراليين والنصارى» يقول فى المادة «48» إن «حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة. وتؤدى رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأى العام والإسهام فى تكوينه وتوجيهه فى إطار المبادئ الأساسية للدولة والمجتمع والحفاظ على الحقوق والحريات والواجبات العامة، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ومقتضيات الأمن القومى؛ ويحظر وقفها أو غلقها أو مصادرتها إلا بحكم قضائى».

يجبر الدكتور برهامى، فى دستوره الذى لا يفهمه «الليبراليون والنصارى»، الصحافة على «الإسهام فى توجيه الرأى العام فى إطار المبادئ الأساسية للدولة والمجتمع»، بعدما يفتح الباب أمام غلق وسائل الإعلام أو مصادرتها استناداً إلى أحكام القضاء، متحدياً مطالب الصحفيين والإعلاميين بعدم جواز إنزال عقوبات جماعية فى حق وسائل إعلام وإعلاميين مقابل أخطاء فردية.

ولا ينسى الدكتور برهامى، وحلفاؤه، أن ينص فى دستوره على أن الحريات الواردة فى باب «الحقوق والحريات» لا يمكن ممارستها فى حال تعارضت مع فهمه وحلفائه للمقومات الأساسية للمجتمع، فيقول فى المادة «81»: «وتُمارس هذه الحقوق والحريات بما لا يتعارض مع المبادئ الواردة فى باب الدولة والمجتمع بهذا الدستور».

لن يكون بمقدور الصحفيين والإعلاميين إذن التعبير بحرية عن أى شىء يقع خارج إطار فهم الدكتور برهامى، وحلفائه، للمبادئ والقيم والتقاليد التى يعتمدها، وهى المبادئ التى وسّع مفهومها فى المادة «219»، وبيّن القائم على تفسيرها فى المادة الرابعة، وحصّنها فى المادة «81».

ليس هذا فقط، فالمادة «215» التى تنص على إنشاء المجلس الوطنى للإعلام تشير إلى مسئولية هذا المجلس عن «وضع الضوابط والمعايير الكفيلة بالتزام وسائل الإعلام المختلفة بأصول المهنة وأخلاقياتها، والحفاظ على اللغة العربية، ومراعاة قيم المجتمع وتقاليده البناءة».

سيكون هذا المجلس إذن مكبلاً أيضاً بفهم الدكتور برهامى، وحلفائه، لما يعتقد أنه «قيم المجتمع وتقاليده البناءة»، وسيكون مجبراً على السهر على الدفاع عن تلك «القيم والتقاليد».

وكما سيحدث مع الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام التى ستدير وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وفق المادة «216»، فإن المجلس لن يكون مستقلاً كما أراد الذين طرحوا فكرته؛ إذ سيعين رئيس الجمهورية رئيسه، ويمكن أن يعزله بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشورى؛ وهو أمر سيضع رئيسى هاتين المؤسستين تحت رحمة تيار سياسى واحد فى الغالب.

فى الفيديو القنبلة الذى بثته «الوطن» قبل أيام، والذى أوضح لنا الدكتور برهامى فيه كيف تلاعب بأعضاء «التأسيسية»، اعتماداً على عدم فهم «الليبراليين والنصارى»، ليصل بنا إلى دستور يقمع الحريات ويكسح الصحافة والإعلام، لم أشعر أبداً بأننى «أحد المغفلين غير الفاهمين» كما يعتقد أو يرجو.

فقد حذرنا بوضوح من أفخاخ الدستور، وطالبنا بعدم تبنيه، والأهم من ذلك أننا واثقون من أنه سيسقط فى يوم قريب، لأن مصر لم تدفع هذا الثمن الغالى فى ثورتها لكى تتحول إلى دولة ظلامية، ولأن إعلاميين وصحفيين مصريين مهنيين وشرفاء لن يفرطوا فى حريتهم ويستسلموا لقمع برهامى وحلفائه.

الوطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى