اختلافات بناءة للحياة الزوجية

لاختلاف والتنوع حقيقة يتقوّم بها بناء الحياة وتكامل الموجودات فيها، وفي عالم المخلوقات التي ترتبط وتتوقف حركتها التكاملية على إرادتها الحرّة كالإنسان، يحتاج أفراده إلى تقبل الاختلاف كآلية تصقل قدراتهم، وبالتالي فهمه واستثماره لتحقيق طموحاتهم في حياة مشرقة بالطمأنينة والحيوية والإبداع.
الاختلاف الطبيعي نجده في رحاب الحياة الأسرية كما نواجهه في جميع البنى الاجتماعية، وبيننا وبين مختلف الأفراد الذين نخالطهم في حياتنا. ولقد قدمت دراسات عديدة لواقع الاختلاف بين الرجل والمرأة في مدار الحياة الأسرية ما ينسجم مع طبيعة الدور التكويني لكل منهما فيها، وتضمنت هذه الدراسات العديد من الإرشادات العلمية والعملية للزوجين تعتمد على الإقرار بهذه الاختلافات الطبيعية، وتفهمها، ثم التعرف على كيفية التعامل الإيجابي من خلالها لاستثمارها في إيجاد حياة أسرية آمنة ومستقرة، من أبرز هذه الدراسات ما دونه الخبير في مجال التواصل والعلاقات والاستشاري لشؤون الأسرة والزواج د. جون غراي في كتابه « الرجال من المريخ والنساء من الزهرة » ولنستعرض بعضا منها ما يلقي الضوء على حقيقتها ويحفز الهمة للتعامل الجاد والمثمر معها.
ارتكز د.غراي في بيان الفروقات بين الذكر والأنثى في الحياة الزوجية على اختلاف قيم البناء الذاتي من خلال ما يقدمه كل منهما للآخر. ففي حين أن الرجل يطور ذاته عن طريق تعزيز قدراته على تحقيق النتائج وينصب اهتمامه على المدركات الحسية والأشياء بدلا من الناس والمشاعر، فإن المرأة على النقيض من ذلك إذ ان تقديرها لذاتها في أسرتها يتحدد عن طريق مشاعرها ونوعية علاقاتها، فهي تشعر بالإشباع النفسي بالمشاركة والتواصل وتبذل الكثير من الوقت في المساندة والرعاية للآخرين.
ودون تفهم هذا التنوع القيمي وما يترتب عليه من اختلاف في طرق التفكير والحاجات النفسية وأساليب التعبير عنها في مجال الحياة الأسرية تنشأ ردود أفعال سلبية مبنية على تصورات وتوقعات خاطئة تهدد استقرار الزواج وقد تؤدي في النهاية بفعل التراكمات السلبية إلى انفراطه، ولتوضيح ذلك أشير الى بعض الأمثلة، ان تقدم الزوجة نصيحة لزوجها دون أن يطلب منها ذلك فهذا يعني عنده تشكيك منها في قدراته وبالتالي إهانة لرجولته، وحيث انه يركز إلى حد كبير على قدراته الذاتية ففي حال تعرضه للضغوط الاجتماعية أو المهنية فإنه ينطوي على نفسه ويلتزم الصمت طوال حاجته للتفكير لإيجاد الحل بنفسه فإن لم يستطع ذلك يلجأ إلى خبير قادر على المساعدة الفعلية، إذا لم تتفهم الزوجة هذا الوضع الطبيعي في شخصية زوجها فإنها تتصوره معرض عنها ولا يقدرها، وأيضا ما يؤدي إلى نفس النتيجة عدم إدراك المرأة أنه من الطبيعة الفطرية لزوجها أنه بعد أشد الفترات حميمية في حياتهما الزوجية يشعر ويعيش حاجة الابتعاد عنها لفترة يحمي ذاته بها من الذوبان في الآخر ويستعيد شعوره بقدرته المستقلة والرائدة.
أما المرأة إذا تعرضت للضغوط فهي على نقيض الرجل في التوصل إلى الحل إذ انها تتحدث في المشكلة كمن يفكر بصوت عال مستثيرة بذلك كوامن قدرتها الذاتية في الوصول إليه وفي مثل هذه الحالة هي فقط تحتاج لإنصات شريك حياتها. والزوجة بطبيعتها الرعوية المعطاءة تحتاج الكثير من التقدير من زوجها وتأكيد التعبير عن هذا التقدير بين وقت وآخر، ولا يحتاج الزوج في ذلك البذل المادي الكبير في تقديم الأشياء إذ يكفيها منه حسن الإنصات الذي يعبر عن الاهتمام والمحبة مع بعض المواقف الإيجابية الذكية التي لا تكلفه إلا بذل الحنان وتأكيد القدرة على الرعاية المستحقة.
وهناك فروقات تكاملية أخرى مدهشة لا تتسع مساحة المقال لذكرها وأكتفي بما تم عرضه كنموذج ليس فقط لتطوير الرابط الأسري وتقويته، وإنما أيضا لإدراك جمال الاختلاف في الحياة البشرية واستثماره بما يعزز التعايش السلمي والوحدة الوطنية في المحيط الأكبر محيط الوطن الحاوي لجميع مفردات جمال ألوان الطيف المتعدد.
الانباء