حزناً على مصر

عمرو حمزاوى
حزناً عليها؛ لأن رئيس جمهوريتها المنتخب، وبعد أيام من الصمت، خاطب شعبها بكلمة مرتبكة وبلغة جسد منفعلة ولم يملك شجاعة الاعتذار عن الدماء التى أريقت ولم يقدم رؤية سياسية حقيقية للخروج من النفق المظلم الذى أوصلتنا إليه قراراته، فقط إعلان الطوارئ وفرض حظر التجول ودعوة إلى حوار وطنى غائم الإطار والآليات.
حزناً على مصر؛ لأن جماعة الإخوان وغيرها من التيارات والأحزاب الموظفة لشعارات الإسلام السياسى، والتى عانت من قمع نظام الاستبداد السابق، لا توظف اليوم وهى فى الحكم من أدوات السياسة إلا ذات الأدوات القمعية، الأمن وتشويه المعارضين وأحاديث المؤامرات الخارجية والتمويل الخارجى.
حزناً على مصر؛ لأن المعارضة شأنها شأن الحكم بطيئة الفعل وغير قادرة على القيادة السياسية الواضحة ووضع بدائل متنوعة لإدارة أزمة تعصف ببلادنا.
معارضة تنتظر الشارع ولا تتحرك معه، معارضة تفشل فى المزج بين الأدوات الصراعية والتفاوضية لإدارة العلاقة مع رئيس ينقلب على الديمقراطية وإن حملته الأخيرة إلى موقعه، معارضة تسهل تقلباتها المزايدة عليها من كافة الأطراف الأخرى، معارضة لا تضع عنواناً واضحاً لدورها وليكن تعديل الدستور وحكومة إنقاذ وانتخابات رئاسية مبكرة وإن وضعته لا تتمسك به طويلاً.
حزناً على مصر؛ لأن الحكم والمعارضة أفسدا السياسة والأخيرة بعجزها عن إدارة المرحلة الانتقالية وأزماتها المتعددة أفسدت الثورة وباعدت بينها وبين تحقيق أهدافها. جميعاً نتحمل المسئولية، نعم الحكم على نحو يختلف عن المعارضة، إلا إننا جميعاً نتحمل المسئولية.
حزناً على مصر؛ لأن الكثير من نقاشاتنا الإعلامية حول السياسة والشأن العام وحروبنا الكلامية التى لم تتوقف منذ 11 فبراير 2011 تعيد إنتاج عجز الحكم والمعارضة، بالتشويه والمزايدة والتخوين والتشكيك فى الذمم والضمائر وتعميق الأزمات عوضاً عن البحث عن حلول لها، يتحول ممارس السياسة إلى باحث عن منصب وسلطة، وعضوية «نادى النخبة» إلى نقمة ومدعاة للتشويه، ومجرد الحديث مع الآخر السياسى والبحث عن تجاوز الأخطاء المتراكمة من قبل الحكم والمعارضة لإنقاذ مصر (لقاء الماريوت مثلاً) إلى جريمة سياسية وكارثة لا تغتفر.
حزناً على مصر؛ لأن إفساد الثورة وسوء إدارة الحكم للبلاد وعجز المعارضة وضعنا على حافة هوية خطيرة تهدد كيان المجتمع الذى يحتج القطاع الأكبر من مواطناته ومواطنيه وتهدد كيان الدولة التى تتفكك مؤسساتها أو تتحول إلى جزر معزولة تسيطر عليها ممارسات ما قبل الدولة (العنف والقمع والإخفاق).
حزناً على مصر، لأننى كمشارك فى الحياة السياسية أتحمل كغيرى مسئولية ما وصلنا إليه ولم يعد فى جعبتى فى المعارضة الكثير مما يمكن أن أسهم به فى إدارة الأزمة الراهنة وحماية المجتمع والدولة ودفع مصر إلى مسار تحقيق الأهداف المشروعة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة ومواطنة الحقوق المتساوية.
حزناً على مصر، لن أواصل الوقوف متسمراً فى خانات مواقف غير فعالة أو خائفاً من المزايدة على الفكرة أو الرأى أو البحث عن حلول حقيقية لتجاوز الأزمة الراهنة أو الاستماع للآخر السياسى، فلست بباحث عن منصب، ولا عن «صفقات» أو «تضبيطات»، ولست فى وارد التفكير فى انتخابات برلمانية ستأتى فى إطار دستور أراه فاسداً وباطلاً ووضع مجتمعى كارثى ورئاسة فاشلة بت أرى أن حلها الوحيد هو الانتخابات المبكرة أو تغيير شامل فى منظومة قراراتها، سأعود إلى تبنى المواقف وطرح الآراء التى أثق بصحتها، تماماً كما بدأت المشاركة فى العمل السياسى منذ عامين دون خوف من هجوم أو غضب أو مزايدة، فالابتعاد عن سياسة عاجزة أفضل، إنسانياً وأخلاقياً ووطنياً، من مواصلة التورط بها والوقوع فى براثن تفاعلاتها المتهافتة، وإن لم تتسع السياسة لنهجى، فالاكتفاء بالكتابة والبحث الأكاديمى والعمل الإعلامى أفضل وأنجع وأكثر اتساقاً مع الذات.
الوطن