أزمة الميزانية بأمريكا..

55توقع الدكتور نيل جيل، المستشار الاقتصادي للرئيس السابق للبنك الدولي، أن الخطر على الاقتصاد العالمي لم يحدث بعد، ولكن إذا تواصلت أزمة الميزانية الأمريكية، وأخذت منحنيات أكثر سوءً بعدم توصل الجمهوريين والديمقراطيين لاتفاق على رفع سقف الدين، فإن كرة الثلج ستكبر وستطول الجميع.

تأتي تلك المخاوف التي أعرب عنها جيل، لجريدة “الاقتصادية”، في أعقاب فشل المحادثات بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما وخصومه من أعضاء الكونجرس من الجمهوريين في إنهاء تعطيل إدارات الدولة الاتحادية، فقد فشل الجمهوريون والديمقراطيون في الكونجرس في الاتفاق بشأن الميزانية في الأول من أكتوبر، مما دفع الحكومة الاتحادية إلى تعطيل جزئي بإجبار نحو 900 ألف موظف من أصل مليوني موظف يعملون في أجهزة الدولة الاتحادية على إجازة مفتوحة بدون أجر، لحين التوصل إلى حل.

وبدا أول انعكاسات الأزمة الأمريكية واضحًا على أسواق الأسهم الدولية، حيث انتابت الأسواق حالة من التذبذب في اتجاه الانخفاض، خاصة أن توقف الأنشطة الحكومية الأمريكية أدى إلى تأجيل بيانات الوظائف غير الزراعية التي تراقبها الأسوق من كثب، التي كان مقررًا إصدارها يوم الجمعة الماضي.

وتمثل البيانات عاملاً مهمًا سيأخذه مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) في الحسبان لاتخاذ قراره بشأن سحب التحفيز النقدي، لكن التراجع الراهن في أسعار الأسهم في البورصات الآسيوية والأوروبية لا يمثل خطرًا داهمًا بالنسبة لتيم هامس المحلل الاقتصادي في بورصة لندن، الذي يرى أن نسبة التراجع لا تتجاوز 0.1 في المائة بالنسبة للشركات الكبرى، وهي نسبة ضئيلة.

ويعلق تيم على ذلك لـ “الاقتصادية” بالقول إن التراجعات الكبرى في أسعار الأسهم تحدث عادة من جراء الأخبار المفاجئة أو غير المتوقعة أو المخالفة للتوقعات، فعلى سبيل المثال عندما دخل العالم في أزمة اقتصادية عام 2008، لم يكن أحد يتوقع ذلك، فانهارت البورصات تقريبًا، وفقد مؤشر داو جونز في حينها نحو 5000 نقطة في يوم واحد، أما الأزمة الراهنة فإن الجميع كان يتوقعها من جراء محاولة اليمين الأمريكي عرقلة مشروع الضمان الصحي للرئيس أوباما، ولهذا لم تفاجأ الأسواق كثيرًا بالأزمة واستطاعت أن تستوعبها.

الدكتور نيل جيل يتفق مع وجهة تيم بشأن أن غياب عنصر المفاجأة في عدم اتفاق الكونجرس على الميزانية الأمريكية أنقذ أسعار الأسهم العالمية من التراجع الحاد، لكنه يعتبر أن فشل الكونجرس في التوصل لاتفاق بشأن رفع سقف الدين قد يؤدي إلى تراجعات “مؤلمة” في البورصات العالمية.

ويعلق لـ “الاقتصادية” قائلاً: “تصريحات رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد بأن الاقتصاد العالمي سيعاني بشكل سيئ إذا ما فشلت أمريكا في الاتفاق بشأن رفع سقف الدين، أكثر من معاناته من فشل الكونجرس والرئيس في الاتفاق على الميزانية، ما يكشف عن القلق الذي ينتاب كبار الاقتصاديين في العالم من التداعيات الضخمة التي سيواجهها الاقتصاد الدولي بسبب الخلافات الداخلية في أمريكا.

وأضاف أنه بحلول 17 أكتوبر الحالي لن تتوافر لدى واشنطن القدرة النقدية لدفع ما عليها من فواتير إذا لم يتم رفع سقف الدين، وهذا الوضع يقلق حاليًا الأسواق العالمية، وهو ما يتضح في قدرة واشنطن على الاقتراض في الوقت الراهن، فحاليًا تدفع واشنطن بشكل أقل لتقترض لفترة ستة أشهر عما تدفعه لتقترض لمدة شهر، وهو ما يعكس قلق المقرضين الدوليين من قرب مواجهة أمريكا أزمة سقف الدين، وهو ما يثير شكوكًا حول سندات الخزانة الأمريكية لمدة شهر واحد.

ويعلل ذلك بمزيد من التفصيل بالقول إن وزير الخزانة الأمريكية أبلغ المعنيين من أعضاء الكونجرس بأنه في يوم 17 أكتوبر الحالي لن يتوافر لديه غير مبلغ 30 مليار دولار، بينما إنفاق أمريكا قد يصل في بعض الأيام إلى حدود 60 مليار دولار، حتى وإن تحايل على ذلك ببيع بعض المخزون الأمريكي من الذهب، فإن عليها سداد 12 مليار للضمان الاجتماعي في 23 أكتوبر، وستة مليارات في 31 من الشهر ذاته كفوائد على سندات الخزانة، وإذا فشل في سدادها فإن هذا يعد أمرًا شديد الخطورة اقتصاديًا.

وتشرح جاسيكا براون، من الأكاديمية الاقتصادية الدولية، المخاطر المستقبلية بالقول إن عجز واشنطن عن دفع الفوائد على سندات الخزانة، سيرسل إشارات سلبية إلى المقرضين الدوليين، بعدم قدرة الاقتصاد الأمريكي على سداد ما عليه من التزامات مالية، مما سيرفع بشدة سعر الفائدة على عمليات الإقراض لأمريكا، وهو ما سيضع مزيدًا من الضغوط على الميزانية الأمريكية مستقبلاً.

وأضاف: الأمر لن يتوقف عن هذا الحد، فمجمل عملية استعادة التحسن الاقتصادي التي تسعى إليها إدارة أوباما للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي انفجرت عام 2008 سينهار، فارتفاع أسعار الفائدة يعني تراجع النشاط الاقتصادي للمستثمرين وللعقارات، مما يعني انخفاض النمو.

أضف إلى ذلك أن المصارف هي أكثر من يحتفظ بسندات الحكومة الأمريكية، وعدم قدرة واشنطن على دفع فوائد السندات، يعني انخفاض أسعارها ومن ثم انخفاض إجمالي السيولة المالية المتاحة للمصارف للإقراض، مما يعني تجميد أو تراجع القروض الائتمانية. وإذا كان غياب الاتفاق على الميزانية الأمريكية دفع بالبيت الأبيض إلى أن يعمل حاليًا بـ 25 في المائة من موظفيه فقط، فإن التكلفة الواقعة على عاتق الاقتصاد الأمريكي جراء هذه الأزمة تبلغ 300 مليون دولار يوميًا، وهو ما جعل بعض الاقتصاديين يقدرون أن التآكل الذي يصيب الناتج المحلي الإجمالي من جراء هذا الوضع يبلغ 0.2 في المائة أسبوعيا، ومن ثم فإن استمرار الأزمة وتواكبها مع عدم الاتفاق على رفع سقف الدين، فإن الاقتصاد الأمريكي والدولي سيكونان على شفا كارثة حقيقية.

وحذر تقرير لوزارة المالية الأمريكية من الحالة الراهنة بالقول “هذا وضع غير مسبوق ويمكن أن يكون كارثيًا، فأسواق الائتمان يمكن أن تجمد، قيمة الدولار قد تنخفض، ومعدلات الفائدة في الولايات المتحدة سترتفع بسرعة الصاروخ، والآثار السلبية لهذا سيتردد صداها في جميع أنحاء العالم، وربما تكون هناك أزمة مالية وركود أسوأ مما حدث عام 2008، وإذا وصلنا لهذا الوضع فإن التأثير الكارثي سيستمر لأكثر من جيل.

بوابة الاهرام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى