الأخبار

الله يحرق الإخوان

 

78

 

كتب: محمود الكردوسي

لا أظن أن مصر واجهت مأزقاً حرجاً ومربكاً كهذا. الإخوان يمزقونها بمسيراتهم طولاً وعرضاً ونحن نفش وننفخ: عندما أتأمل وجوه السائرين وقد تدلدل بعضها من التعب، واحترق بعضها بتأثير الشحن، أشعر أنهم قطيع ماعز يتحرك وهو لا يعرف إلى أين يمضى.. إلى مذبح أم إلى فردوس؟. ولو سألت أحدهم: مَن أتى بك إلى هنا ولماذا؟ لن يرد. وإذا أخرجت رأسك من شباك سيارتك وزعقت فى وجهه: «يا حمار».. سينظر إليك ببلاهة ولن يرد. وقال لى سائق سيارة أحد الأصدقاء وقد انحشرنا وراء مسيرة: «علىّ الطلاق لو كان معايا تريللة.. كنت دخلت فيهم عجنتهم». أما أنا فأسأل نفسى متأسياً وقد رفرف العلم المصرى فوق رؤوس هؤلاء السذج، المغرر بهم: هل يجوز؟ هل يجوز لمن يسعى إلى هدم الدولة وتكسير عظامها -قاصداً أو غافلاً- أن يحمل علمها ويهتف باسمها؟ ألم يقل له عاقل من الأهل والعشيرة -أباً أو أخاً أو ابناً أو زوجة- إنه ربما يموت وهو لا يعرف لماذا مات، ومن أجل مَن؟ وإنه إذا لم يمت سيدق هذا العلم على أنقاض «خرابة»؟

الله يحرق الإخوان.. أصبحنا ننزل من بيوتنا ونحن لا نعرف: من أى طريقٍ سنذهب إلى أشغالنا؟ ما الذى سيحاصرونه اليوم؟ كم مواطناً بريئاً سيموت بسببهم؟ وإلى متى سنظل فى هذه الدوامة: شهر.. سنة.. عشر سنوات؟ وحتى إذا رضخوا وانسحبوا وعادوا إلى بيوتهم آمنين، من دون إراقة نقطة واحدة من دمائهم الملوثة، فهل سنكون نحن آمنين.. أم سنعيش أياماً سوداء كتلك التى عشناها فى أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، مضافاً إليها إرهابيو حماس والقاعدة، والهاربون من سجون طالبان والعراق؟ هل سنضطر يوماً إلى إعادة حبيب العادلى و«أمن دولته»؟ وهل سيكون لدينا من الزنازين والجلادين ما يكفى لتطهير مصر من ميليشيات الإخوان، والحيلولة دون خروج «الدين» من عتبة الجامع؟

الله يحرق الإخوان. يحاولون دق إسفين فى بيوت المصريين. يحاولون تفجيرها بتفكيك فكرة «الأسرة» الواحدة، المتماسكة.. على ما فيها من تنوع واختلاف. أعرف أسراً لها أبناء فى رابعة والنهضة، وآخرون فى التحرير والاتحادية، ولكل منهم دوافع وقناعات، وكلهم يرفعون علم مصر ويريدونها على هواهم. كانوا قبل الإخوان متآلفين: البنت الكبرى وعت على الدنيا محجبة، وهواها عبدالحليم حافظ، والبنت الصغرى دلوعة سافرة، لا تؤمن بالحب العذرى، وهواها فيس بوك. الأخ الأكبر ملتحٍ، والأصغر «بتاع بنات». زوج «السافرة» مهندس كمبيوتر فى شركة إسلامية، وزوجة الملتحى تضارب فى البورصة. الأب يفرد على الجميع جناحى مودة: متدين وسطى حيناً وليبرالى صارم حيناً آخر، والأم تصلى بما تيسر لها من كتاب الله وتدعو لهم بالستر والهداية.. الإخوان يحاولون الآن تخريب هذه «الروح». يحاولون تدمير هذا التماسك الربانى: الدولة أولاً ثم المجتمع.. أو كلاهما معاً. قال لى صديق يكره الإخوان إن له أخاً فى النهضة، وقال آخر أشد كرهاً لهم إن زوج شقيقته فى رابعة، وفشل الاثنان فى إقناعهما بعدم الذهاب إلى الاعتصامين.. والكتالوج واحد: «للشرعية لا لمرسى.. للإسلام لا للإخوان». هكذا أثمرت «أكذوبة الدم الحرام» بعد حادث المنصة موقفاً مرتبكاً: الحل الأمنى مرفوض رغم أنهم يستحقونه، والحل السياسى مرفوض، لأنه سيعيدهم إلى السجن، وقد يلف الحبل حول رقابهم.

الله يحرق الإخوان.. كيف لجماعة مارقة، فقدت كل شرعية سياسية ودينية وأخلاقية ووطنية أن تنغّص علينا حياتنا بهذه الطريقة؟ كيف استطاعت أن تضعنا جميعاً فى هذا المأزق الحرج؟ لا نحن ضعفاء ولا هم أقوياء. نحن أهل حياة.. وهم أهل موت. نحن جسم عفى، هائل، وهم دمل عفن تحت الإبط، فلماذا لا نفقأه ونصفيه ونطهره لنستريح؟ سنتعب قليلاً.. لا بأس، فنحن لم نهنأ بهذا البلد -قياساً إلى سبعة آلاف عام- سوى بضع ساعات. نحن لم نفرح بانتصار إلا دقائق من العمر الذى عشناه ونحن ننتظر. نحن لم نجنِ من ثمار أى ثورة سوى طغاة فاسدين ونخب أكثر فساداً.. فلماذا لا نتعب؟ لماذا لا نتألم قليلاً؟

أتساءل أنا وكثيرون غيرى: أين الجيش والشرطة؟ ألم نفوضهما؟ متى يتحركان إذن؟ ولماذا يرتعشان هكذا؟ ثم أقول لنفسى: وماذا يفعلان؟ العنف سيعمّق لدى أمريكا وأوروبا -إعلاماً وإدارات- فكرة «الانقلاب العسكرى»، وهذا ما يريده الإخوان. والتباطؤ فى مواجهة إرهابهم وتآمرهم سيقوّض ثقة الملايين التى فوضتهما فى السادس والعشرين من يوليو، وسيخلق لدى هذه الملايين إحساساً بالإحباط والمرارة! أقول ذلك وأنا لا أعرف إلى أى الخيارين أنحاز: إلى عنف قد يؤدى إلى كارثة.. أم إلى رهان على الوقت قد يضعنا جميعاً على حافة حرب شوارع؟

الله يحرق الإخوان. أصبحت أستهل يومى بخبر عن تفجيرات وقتل ضباط وجنود فى سيناء، وفى طريق عودتى إلى البيت أرى جندياً بسيطاً يقرأ القرآن على ظهر مجنزرة، وبين هذه وتلك.. أسمع أصواتاً مأجورة تهتف ضد الجيش والشرطة، وأقرأ مقالاً عن «مصالحة»، وآخر يخوّفنا من عسكرة الحكم، فأستشيط غضباً وقرفاً.. لكننى أبلع سكينى فى بطنى، وألعن الإخوان.. و«اللى جابوا الإخوان».

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى