الأخبار

مشاعر العداء تتزايد في مصر

50

 

عندما طلب إمام من المصلين في أحد مساجد القاهرة إقامة صلاة الغائب على القتلى الذين سقطوا في احتجاجات مؤيدة للرئيس المصري المعزول محمد مرسي، لم يلبث أن اعترضه أحدهم فجأة.

وتساءل المعترض قائلا “لماذا ينبغي علينا القيام بذلك؟”.

ووقف الرجل وهو في الخمسينات من عمره، ليشرح موقفه قائلا إن من يود الصلاة على أنصار مرسي الثمانين الذين قتلوا يوم 27 يوليو تموز عليه أن يؤديها في مقر اعتصام الإخوان المسلمين في الجانب الآخر من العاصمة.

وأجابه الإمام قائلا “هذه صلاة وليست قضية سياسية.”

غير أن كلماته لم تلق آذانا صاغية إذ توجه كثير من المصلين نحو باب المسجد للخروج ومن ثم لم تؤد الصلاة.

كانت هذه أول حالة تعيها الذاكرة يعترض فيها أحد على إقامة صلاة الغائب في المسجد. ولكن هناك حالات مماثلة شهدتها مساجد أخرى في أنحاء القاهرة مما يعكس قدرا هائلا من مشاعر العداء المتنامية التي يكنها الكثير من المصريين للرئيس المعزول وجماعة الإخوان المسلمين وأنصارهما.

قال رجل مسن يراقب المشهد “مستحيل. لا أستطيع أن أصدق أننا وصلنا إلى هذا الحد. اللهم احفظنا.”

ومنذ أن عزل الجيش مرسي في الثالث من يوليو تموز استجابة لاحتجاجات حاشدة مناوئة لحكمه ظهرت الانقسامات السياسية في الشوارع وعلى موقع فيسبوك بل إنها وصلت إلى محاكم الأسرة.

ففي إحدى الحالات قال صديق لزوجين أنجبا ثلاثة أطفال إن المواقف السياسية فرقت بينهما بعد زواج استمر عشر سنوات.

وما زال سقوط مرسي وما فجره من أعمال عنف واحتجاجات يثير حالة من الغضب المتزايد، بل إن مشاعر العداء قوضت جهود الوساطة الرامية إلى إنهاء الأزمة ويخشى البعض أن تستمر آثارها في البلاد لسنوات.

وفي كلا الجانبين توصف هذه الأزمة بأنها صراع بين الحق والباطل. فتقول جماعة الإخوان المسلمين إن الله معها وهو ما يردده أنصار المعسكر الآخر.

وقد نسب اليساري البارز حمدين صباحي زعيم التيار الشعبي الفضل إلى الإرادة الإلهية في خروج الحشود إلى الشوارع للمساعدة على الإطاحة بمرسي.

وتقول جماعة الإخوان المسلمين إن قادة الجيش “الخونة” جردوها من السلطة الشرعية وتحملهم مسؤولية الواقعتين اللتين قتل فيهما عدد كبير من أنصار مرسي. وحثت الجماعة أنصارها على الشهادة وابتهل رجال الدين التابعون لها الى الله كي ينتقم من أعدائهم.

في الوقت نفسه تتهم الدولة الإسلاميين باللجوء إلى العنف والإرهاب والتعذيب. واستندت الدولة إلى لقطات مصورة لأطفال يرتدون أكفانا في اتهامها للجماعة باستخدام هؤلاء الأطفال دروعا بشرية في مقر اعتصامها ولكن الإخوان ينفون هذه الاتهامات ويصفونها بالدعاية.

ولعل ما يعزز رواية الدولة آلتها الإعلامية القوية وتقارير متفرقة عن أعمال العنف التي يقوم بها أنصار مرسي مما يجعلها رواية مقنعة لكثيرين ينظرون إلى الجماعة بارتياب شديد.

وخرجت الملايين إلى شوارع القاهرة وغيرها من المحافظات يوم 26 يوليو تموز تلبية لدعوة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي لإعطاء الجيش تفويضا بمواجهة “العنف والإرهاب” في إشارة ضمنية إلى جماعة الإخوان المسلمين.

وذهبت وسائل الإعلام المصرية – الرسمية والخاصة – بالحملة المناهضة للإسلاميين إلى مستوى جديد.

فعلى سبيل المثال قالت واحدة من أكبر الصحف اليومية الرسمية المصرية، في صفحتها الأولى هذا الأسبوع، إن الإسلاميين يخبئون أسلحة كيماوية في مقر اعتصامهم الرئيسي بالقاهرة. وجاء هذا التقرير ضمن سيل من التقارير الغزيرة التي تشير إلى أن الإسلاميين يخططون لحملة كبرى من إراقة الدماء.

وقال خالد العناني من جامعة درم – وهو خبير في شؤون جماعة الإخوان المسلمين كان ينتقد مرسي أثناء توليه السلطة – إن هذه أسطورة كبيرة وجزء من الحرب النفسية.غير أنه أضاف أن الدولة تشيطن الجماعة لتبرير القمع.

ووصف بعض الدبلوماسيين الحرب الإعلامية بأنها تتسم بتحريف الحقائق. فعلى سبيل المثال نددت وسائل الإعلام الرسمية بشدة بالسناتور الأمريكي جون مكين الذي زار مصر لوصفه إطاحة الجيش بمرسي بالانقلاب.

وهناك قدر وفير من مشاعر الكراهية التي يمكن الاستفادة منها والتي تولدت من العام الذي قضته جماعة الإخوان المسلمين في الحكم وعجز فيه مرسي عن إصلاح المشكلات الاقتصادية أو تحقيق توافق سياسي لمواجهة ما تردد عن سعي جماعته لاحتكار السلطة.

وقال محمد أبو الغار زعيم حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إن الشعب لا يثق بهم ويشعر أن أجندتهم ليست مصرية.

ويخشى أبو الغار من ظهور الإرهاب في مصر وليس بالضرورة أن يكون على يد جماعة الإخوان المسلمين بل تشجعه الجماعة والحركات المنبثقة عنها.

وقال السياسي الإخواني فريد إسماعيل إن أفراد الشعب المصري يدركون أن هذا الإعلام يكذب وأن من يستخدمون العنف هم من يقتلونهم بدم بارد.

وبعد فشل جماعة الإخوان المسلمين في إقناع الكثير من المصريين بقضيتها أثناء تولي مرسي الحكم، لم يعد لديها الآن سوى عدد أقل من الوسائل التي يمكن أن تستخدمها لتوصيل صوتها بعد إغلاق قناتها التلفزيونية في الثالث من يوليو تموز وتوقف التلفزيون الرسمي عن البث من مقري اعتصامها.

وبعد ذلك تمكنت قناة فضائية إسلامية جديدة من البث وظهر فيها عدد كبير من مقدمي برامج القناة السابقة.

وتتضمن برامج القناة الجديدة مقابلات مع أقارب من قتلوا أو اعتقلوا منذ عزل مرسي فضلا عن بث مباشر من مقر الاعتصام ونشرات إخبارية عن المسيرات المؤيدة لمرسي وإعادة بث خطابه الأخير.

وقالت مايسة عبد اللطيف (50 عاما) وهي ربة منزل ومحاسبة سابقة عادت من باريس للمشاركة في الاحتجاجات “يقولون أشياء كثيرة عنا. يقولون أن هناك أمراضا منتشرة بيننا وأننا متطرفون وإرهابيون ونمتلك أسلحة ولكن ذلك كله لا أساس له من الصحة.”

وأضافت “قنواتنا أغلقت بالقوة واعتقل العاملون بها ويتم التعتيم على آرائنا.”

ويقول معارضون لجماعة الإخوان المسلمين إن الجماعة تبدو رافضة لقبول الحقيقة. وتبدو بيانات الجماعة عن شعب موحد يدعم قضية مرسي بعيدة كل البعد عن الواقع.

فيقول محد الشامي (24 عاما) طالب إدارة الأعمال في جامعة القاهرة “إنهم يتحدثون إلى أنفسهم… كل يوم يطلقون الهتافات وينظمون المسيرات ولكن لا أحد يستمع إليهم. يجب عليهم أن يغيروا نهجهم.”

وانتقدت مجموعة الأزمات الدولية حديث الجانبين. وقالت المجموعة في تقرير لها إن وسائل الإعلام غير الإسلامية كانت تصف الهجمات التي تتعرض لها مقار جماعة الإخوان المسلمين بأنها أفعال “ثورية” وإن خطاب الإسلاميين كان “مروعا” في بعض الأحيان.

وفي محادثاتهم مع بعض الوسطاء الأجانب طلب أنصار مرسي إقامة هدنة إعلامية باعتبارها أحد المتطلبات اللازمة للوصول إلى فترة هدوء تعتبر خطوة أولى نحو حل الأزمة.

وقال وائل فودة الذي يعمل محاسبا “أشعر بحزن شديد تجاه ما يجري… إذا توصل الفرقاء السياسيون إلى اتفاق الآن سنحتاج إلى عقود كي نجتاز آثار ما حدث في المجتمع.”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى