مصر تنحت علماً جديداً فى السياسة

عندما قامت ثورة 25 يناير كانت السمة الرئيسية لها أنها ثورة بميعاد مسبق، وهذه لم تحدث فى التاريخ، حيث تميزت كل الثورات بالعمل السرى، لذا كانت المفاجأة هى أن تتم ثورة محددة الميعاد سلفاً ومنشور على صفحات الجرائد والصفحات الإلكترونية.
أما عملية اتخاذ القرار فى السياسة الكلاسيكية فتتخذ عدة مراحل ووسائل، أبرزها العصف الذهنى والنقاش والتشاور، ثم تحليل المقترحات وتوضيح نقاط القوة والضعف، وما يترتب على كل مقترح من آثار، ومن ثم يتم التوصل إلى الاقتراح الأنسب وإجراء التعديلات عليه حتى الوصول إلى القرار الأنسب، والذى يساهم فى الوصول إلى نتائج بأعلى درجات الكفاءة والفاعلية، وعادة ما تتم هذه العملية بالشراكة بين المسئول عن صناعة القرار ومساعديه ومستشاريه والمعنيين أو أصحاب المصالح، ولكن عندما أعلن ما سمى الإعلان الدستورى للرئيس مرسى، تم سؤال كل المساعدين والمستشارين، والجميعُ بلا استثناء إما أنكر معرفته به كلياً أو جزئياً أو تحفظ على صياغة مواد، ورفض أغلب المواد، والبعض قدموا استقالاتهم، ويبقى السؤال إذا كان الأمر كذلك، لا المساعدون شاركوا ولا المستشارون ولا القوى السياسية التى من المفروض أنها شريكة أو معنية، فمن يشارك فى إجراءات اتخاذ القرار؟ حتى نضيف هذا للعلم الجديد.
ثم أطلعنا الرئيس مرسى فى خطابه أمام «الاتحادية» عن مؤامرات تحاك بمصر، وهو يعرفها ويعرف من يقوم بها، وفى علم السياسة الكلاسيكى كانت المؤامرات تحاك دائماً فى السرية، ولكن فى مصر فإن ما يقال عنه المؤامرات يتم فى وضح النهار وفى مقرات لأحزاب علنية، ومن شخصيات وطنية معروفة، وهنا ربما يختلط الأمر فى هذه العلنية المبهرة، أىٌّ من الأطراف يقوم بالمؤامرة؟ وأيهم يحاول إنقاذ مصر؟
أيضاً فى علم السياسة الكلاسيكى يوجد مساعدون للرئيس يقومون بعمل ترتيبات للقاءات صحفية، لاسيما مع الصحف العالمية وترتيب محاور اللقاء مع الرئيس، لأن كل كلمة تحسب بميزان الذهب، حيث تحللها كل أجهزة المخابرات ودوائر صنع القرار فى العالم قبل أن يقرأها القارئ المهتم، أما عن مصر فقد نشرت جريدة «واشنطن بوست» حواراً للرئيس محمد مرسى يعكس تحولاً جديداً فى مناقشة العلاقات المصرية- الأمريكية، حيث انصب الحوار على فيلم «كوكب القرود»، وبالتأكيد لدى الرئيس مغزى وهدف من هذا النقاش، رغم أن الجريدة نشرت مقدمة تبدو مهينة، حيث قالت «هذا حوار لرئيس أكبر دولة فى العالم العربى»، وكأنها تتهجم على الرئيس، لكنها فى الحقيقة لم تدرك أننا ننحت علم سياسة جديدة، لكن ربما اختلط عليهم الأمر، ولم يفهموا أياً من الشعبين المقصود بالقرود.
أيضاً يبدو أننا البلد الوحيد الذى يدرس للعالم كيف يسير فى خطوات مستقبلية معروفة تماماً نتائجها، حتى لو كانت مدمرة، ومع ذلك نسير فيها كأننا نتبع خطوات كتالوج دليل تشغيل ماكينة، فمع دعوة القوى الثورية إلى مليونية سلمية الثلاثاء والجمعة فى ميدان التحرير، دعت قوى السلطة إلى مليونية فى ميدان التحرير أيضاً السبت رغم علمهم أن المليونيات لدى القوى الثورية لا تنتهى عند أذان المغرب مع تحرك الأتوبيسات، وإنما تستمر وتمتد إلى اعتصامات، لذا فدعوة مليونية السبت فى نفس المكان ربما تؤدى إلى موقعة جمل أعنف، لكننا لا بد أن ننحت النظرية السياسية الجديدة، حتى لو على جثة الوطن.
الوطن