إبراهيم عيسى يكتب: لا وقت للكراهية

94

 

 

لا وقت للكراهية.

لا وقت لتضيِّعه مصر فى الكراهية.

لا وقت لدينا لنبدده فى الشماتة والحقد.

هى مشاعر سلبية كريهة، فضلًا عن أنها معطِّلة معوِّقة.

لا وقت لدى مصر فى استنزاف نفسها مرة أخرى فى التشتُّت والتفرُّق والتمزُّق.

لن نحتمل حاملى أختام الوطنية والدين مرة أخرى، يصنفون الناس.. هذا ثورىٌّ عذْبٌ فُراتٌ، وهذا إخوانىٌّ مِلْح أُجاجٌ، وهذا فلولٌ، وذلك عاصرُ ليمونٍ، وآخَرُ مُوَالٍ للإخوان، وهذا باعَ، وهذا خانَ، وذلك نافقَ، وهذا هادَن!

ارحموا أمَّ مصر.

ارحموا أهل اللى خلفونا.

لا وقت للكراهية.

نعم، نرفض التكفير والتخوين ونحاسب ونعاقب مَن تورَّط فى جرائم تحريض وكراهية وقتل وسفك دماء وعمالة للخارج، سواء لدول وحكومات، أو تنظيمات أجنبية.

لكن لا بد من أن نفصل فورًا بين بضع عشرات، وقاعدة واسعة من أعضاء جماعة الإخوان، ومن المنتمين إلى الجماعات الإسلامية أو محبى وأنصار التيار السلفى، فهؤلاء جميعا أبناء هذا البلد، ومن صُلب هذا الوطن، وهم جيراننا وإخوتنا وأهالينا وزملاؤنا، نختلف فى الأفكار لكن لا يعنى هذا كراهية ولا عدوانا ولا عدوانية. نتباين فى الرؤى من الجذر حتى الفرع لكن لا يزرع هذا بيننا بغضاء أو شحناء.

لا وقت للكراهية، بل للحب وللبناء وللنماء وللهناء وللكفاح وللفلاح وللنجاح.

لا وقت لنبدده فى كلام فارغ عن فلول، فلا فلول بعد اليوم، بل لم يكونوا يومًا، لقد عملَت آلة حمقاء على تقسيم الناس ووضعهم تحت ضغط عصبى وإلصاق وصمة بهم، وزالت تمامًا الفواصل بين مَن تورطوا فى استبداد أو فساد، وهم كذلك بضع عشرات، وبين ملايين من المصريين لم يكونوا أكثر من طيبين أعمَتْهم نياتهم الحسنة عن أخطائهم السيئة، فلما رفعت الثورة الغشاوة فرأوا، إذا بالبعض يدينهم ويَصِمُهم ويلفظهم دون ذنب إلا الرغبة فى امتلاك بعضنا أختام الوطنية وصكوك الثورة!

لا وقت للكراهية، فلا تجعلوا من أنفسكم ثوارا تملكون حق منح نياشين الثورة والشجاعة والولاء للثورة لأحد وتنزعونها عن أحد.

لا أحد ثورى ولا توجد على الإطلاق الآن قوى ثورية، وكل من ينسب إلى نفسه هذه الصفة منتحِلُ صفةٍ مزوِّر، فالمصريون كلهم فى «تلاتين يونيو» وما بعده قاموا بالثورة، فكل مصرى ثورى، وكل ثورى مصرى، ولا فضل لعيِّل على عيِّل، ولا لرجل على رجل، ولا لامرأة على امرأة (لكن فضل ستات مصر فوق الكل).

لا وقت للكراهية ضد الشرطة، فقد أثبتت أنها استوعبت الدرس العميق وتصرفت بمنتهى الوطنية والمسؤولية. نعم نحاسب المخطئ ونعاقب من أجرم، ومن تَورَّط ومَن عَذّب أو قتل، لكن فى إطار العدل، لا الكراهية، لا يمكن أن نستمر فى وَصْم جهازٍ بصفاتٍ تَخلَّى عنها، ونحاسبه على ماضٍ اعتذر عنه. لا جريمة تعذيب أو قتل ستسقط بالتقادم، لكن ستكون موجهة ضد فرد من الشرطة أو أفراد، لا ضد جهاز أو مؤسسة بالكامل. لا يمكن، كى يثبت بعضُنا لنفسه أنه شديد وقوى وثورى أن يكرر كراهية للشرطة كجهاز، كأنه مهووس بالكراهية.

الشرطة فى خدمة الشعب، ومن شيخطئ يحاسَب بالقانون حسابًا صارمًا حاسمًا، لكن القاعدة أن الشرطة صارت فى خدمة الشعب، والشعب أعاد ثقته بالشرطة.

لا وقت للكراهية.

لا وقت لكراهية الحكومات التى مالَأَت الإخوان وقَوَّتْهم واستقوَت بهم، لا بد من أن نفرِّق ونميز بين الشعب القطرى الشقيق والصديق والطيب والمحب لمصر وعبد الناصر، وحكومة اتخذت سياسة فى توقيت معيَّن، يمكن أن تتراجع عنها، ولدى قطر أمير جديد من المؤكَّد أنه سيغيِّر ويتغيَّر، ولا وقت لنوزعه على كراهية محطة فضائية كـ«الجزيرة»، فلا يمكن لشعب بهذه الحضارة وهذا المجد وتلك القوة أن يُعِير اهتمامًا لقناة تليفزيونية مهما كان حجم انحيازها الإخوانى السافر المثير للشفقة، فهى مجرد قناة يمكن أن تدير عنها الريموت.

ولا وقت لكراهية أردوغان ولا السؤال عنه، فالشعب التركى أهمّ لدينا وأغلى، وأردوغان رئيس منتخَب حقيقى لا بد من احترام دوره ودور حكومته دون الوقوع فى فخ الكراهية أبدًا.

ولا وقت لكراهية السفيرة الأمريكية الدنيئة صاحبة الصفقة والمؤامرة، فهى مجرد سفيرة سوف تترك بلدنا ووظيفتها غير مأسوفٍ عليها، تاركة أسوأ سِجلّ لفشلِ سفيرة أمريكية فى العالم، وتتفرغ لمشاهدة مباريات البيسبول. ولا وقت لكراهية أوباما، فهى فرصة لنعلِّمه مع مَن يتعامل، مع الشعب والحضارة التى كان يتمنى أن ينتسب إليها، وكان يتمسح بنا فى طفولته عندما كانوا يسألونه: من أين أنت؟ فيشعر بحرج اعترافه بأن والده كينى الجنسية، فيدَّعى أنه من مصر.

أوباما.. لن تكون مصريًّا أبدًا إلا إذا تعلمت كيف يكون المصرى يا رجل.

الموجز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى