عملية «تطعيم الأطفال» التى قتلت بن لادن

الإثارة والمتعة واللذة حالات تشكل وجدان وجوهر الإعلام المصرى، ولكنها فى الحقيقة أمور ليس لها علاقة إطلاقا لا بمهنة الإعلام ولا بمهنة الصحافة ككل. المسألة لا تقتصر على ترويج المعلومات الخاطئة، بل تنسحب أيضا على الاعتداد بترويج الوثائق «المضروبة» ومحاولة تسويقها إما بقصد أو بدون قصد. الفكرة أيضا، تتمحور حول أن كل الصحف ومواقع النت المصرية والعربية، بل وبعض الفضائيات والقنوات الأرضية، تستسهل التعامل مع ونشر الأخبار عن الوكالات والفضائيات الأجنبية، وبالذات الغربية، كمصادر موثوق بها، وسبب للوثوق بها هى نفسها، أقصد وسائل الإعلام العربية! هناك كوارث أخرى ليس بالضبط فى وسائل الإعلام المصرية والعربية، بل فى العقليات القائمة عليها والعاملة بها فى آن واحد، وأخطر هذه الكوارث هى تأويل المصدر، بمعنى أن المصدر «لم يقل إنه ضد، إذن فهو مع»!! أو إبراز رفض وتجاهل قبول، أو التركيز على قبول وتهميش رفض! وهكذا نكتشف أن المصدر قال كل ما يريده المحرر ورئيس التحرير دون أن ينطق بكلمة واحدة، مما هو مكتوب بالفعل.
وبالتالى، نرى وسائل الإعلام المصرية والعربية تطرح علينا روح الحوار مع المصدر، أو ما وراء تصريحات المصدر، على اعتبار أن هذا ما قيل وليس ما مجرد تعليق على كلامه. وعلينا نحن القراء أن نصدق أن هذا هو ما نطق به هذا المسؤول أو ذاك، أو كتبته هذه الصحيفة أو تلك. يوم الجمعة ٣٠ أغسطس نشرت «واشنطن بوست» وثيقة سربها إدوارد سنودن عن المصروفات السرية (السوداء) للاستخبارات الأمريكية، وتحضيرات وجهود الاستخبارات الأمريكية لتصفية أسامة بن لادن. ولكن متى أعلن سنودن عن هذه الوثيقة؟ ومتى حصلت عليها «واشنطن بوست»؟ كل المعلومات المؤكدة تشير إلى أن سنودن لم يعلن عن أى وثائق طوال الشهرين الأخيرين. وإذا كانت الوثيقة قديمة، فلماذا سربتها الصحيفة الأمريكية الآن، بينما سنودن فى روسيا يعيش كلاجئ بعد التزامه بعدم تسريب أى وثائق؟ فهل المقصود بدء حملة ضد روسيا باستخدام وثائق منسوبة إلى سنودن؟
هل تستخدم الولايات المتحدة ورقة سنودن على خلفية الملف السورى الملتهب فى محاولة للابتزاز من جهة، وإظهار قوتها وجبروتها من جهة أخرى؟ هناك موضوع آخر فى غاية الأهمية والخطورة، وهو من الموضوعات التى ظهرت فجأة، وما لبثت أن اختفت فى لمح البصر، وكأنها لم تكن. لقد تم التعتيم على «عناصر الاستخبارات الأمريكية!!» التى ذهبت تحت غطاء جمعيات ومنظمات إنسانية وطبية من الولايات المتحدة والأمم المتحدة قبل تصفية بن لادن إلى باكستان وقامت بحملة تطعيم للأطفال فى منطقة «أبوت آباد»، لأنها كانت تشك فى وجود بن لادن وأولاده فى هذه المنطقة أو إحدى المناطق المجاورة. وبالفعل نفذت عمليات التطعيم التى كان الهدف منها أصلا هو الحصول على عينات من الحمض النووى لأطفال المنطقة، لكى تقارنه بالحمض النووى لبن لادن وأسرته؟ المثير أن لا أحد اهتم بهذه الجريمة ولا بممارسات عناصر الاستخبارات الأمريكية التى اتخذت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والطبية غطاء لعمليات ضد حقوق الإنسان، وضد حقوق الأطفال، وضد كل مواثيق منظمة الصحة العالمية!
لم يعرف أحد نوع التطعيمات، وهل كانت لازمة للأطفال؟! ولم يتحدث أحد عن كيفية التعامل معها ومع آثارها فى ما بعد! لقد تم التكتم على هذا الموضوع، وتجاهلته ليس فقط الأمم المتحدة، بل وكل الجمعيات والمنظمات الأهلية والطبية والإنسانية المحلية والدولية! وبالتالى، لم تعلم عنه وسائل الإعلام المصرية والعربية أى شىء، ولم يأتها مترجما جاهزا عن طريق وكالة من الوكالات الغربية.
فى كل الأحوال، وبعد أن صالت وجالت وسائل الإعلام العربية بالذات فى ما يتعلق بخبر «واشنطن بوست» ونقلته مترجما عن صحف ووكالات أخرى، اختفى الموضوع أيضا، وكأنه لم يكن.
بينما الواقع يؤكد أن الإدارة الأمريكية تواصل انتهاكات القانون والأعراف الدولية والإنسانية، ليس فقط خارج أراضى الولايات المتحدة، بل وفى داخلها أيضا وضد مواطنيها. وربما يكون سنودن هو القشة التى قصمت ظهير البعير.
الدستور الاصلى