«مؤامرة» الدولار

سعر صرف الدولار الأمريكى مقابل الجنيه المصرى يرتفع كل يوم، إن لم يكن كل ساعة.
هذه حقيقة لا جدال فيها.
لكن ما هو السبب؟
التفسير الذى تقدمه جريدة «الحرية والعدالة»، لسان حال الحزب الحاكم، هو «الإعلام»!!
وإذا لم تكن تصدق ذلك فإننى أحيلك إلى عددها الصادر أمس الأول، والذى جاء فيه بالنص ما يلى:
«إن إعلام رجال الأعمال بصحفه وفضائياته يخوض حربا قذرة بترويج فزاعات انهيار الاقتصاد وإفلاس مصر فى إطار حملة ممنهجة تعقب كل حالة نجاح واستقرار وإقرار الاستفتاء على الدستور». وتنسب الجريدة إلى من تسميهم «خبراء» قولهم إن: «ما يروجه إعلام رجال الأعمال الذين كانوا متحالفين مع نظام الرئيس المخلوع مبارك يعد سببا رئيسيا فى ارتفاع أسعار الدولار وتفزيع المستثمرين والسياحة».
ويلتقط أحد كبار كتاب الأعمدة بالجريدة ذاتها الخيط ليتساءل: «تدهور الجنيه بعد الدستور.. صدفة دى !
فجأة يقفز الدولار لأعلى «صدفة»، وتتعالى صيحات إعلام الثورة المضادة «صدفة أيضا» محذرة من وصول الدولار إلى سبعة جنيهات ونصف،
ويسأل قراءه : «شفتوا الصدف دى»؟
ولا يعطيهم فرصة للتفكير فى إجابة بل يقفز إلى القول القاطع «إن هذه الصدف هى جزء من المؤامرة الواضحة والمكشوفة التى تتداخل فيها قوى داخلية وخارجية لإضعاف مركز مصر المالى وإثارة الأقاويل حوله كى ينهار وتصفير الأرصدة وحرق الأرض..» !
إذن هى المؤامرة. ورأس الرمح فيها هو «الإعلام»!!!
إلى هذه الدرجة يصل تضليل المصريين وحشو أدمغتهم بخزعبلات لا أصل لها ولا فصل وشحنهم ضد أعداء وهميين.
فالقاصى والدانى يعرف أن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه جزء لا يتجزأ من اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولى. وأن «تحرير» سعر صرف الجنيه ليس هو البند الوحيد فى هذا التفاق، بل توجد بنود أخرى كثيرة.
وهذا الاتفاق ليس سريا، بل معلن ومعروف للكافة، ويستطيع أى مواطن الاطلاع عليه بضغطة زر على أى جهاز كمبيوتر.
وليس فى الأمر «صدفة»، وسعر الدولار لم يرتفع لأن «إعلام رجال الأعمال» تحدثوا بالسوء عنه أو عن حكومة الرئيس محمد مرسى، بل إن ذلك حدث ببساطة يوم قام فاروق العقدة محافظ البنك المركزى، بتطبيق الآلية الجديدة لتحديد سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه، والتى هى باختصار الخطوة الأولى لتحرير سعر صرف الجنيه تنفيذا للاتفاق مع الصندوق.
والارتفاع فى سعر الدولار الذى أعقب البدء فى تطبيق هذه الآلية ليس مفاجئا بدوره وليس «صدفة»، بل هو رد فعل متوقع، و«مطلوب»، فى إطار التفاهمات مع الصندوق.
ومن حق حكومة الدكتور مرسى، وأدواته الإعلامية، أن تدافع عن سياستها الاقتصادية وعن تفاهماتها مع الصندوق، لكن ليس من حقها خداع الناس والإيعاز لهم بأن هناك مؤامرة أو أن الإعلام هو سبب ارتفاع سعر الدولار (الذى استفادت منه صرافات أغلبها مملوك للإخوان).
فهذا ببساطة كذب وتضليل، بينما الحقيقة العارية هى أن الإخوان يعيدون إنتاج سياسات مبارك، وبالتالى يعيدون إنتاج أسباب الثورة.
الصباح