الأخبار

فورين بولسي: المعارضة تخاطر بدفع البلاد لأتون الحرب الأهلية

 

كتب – محمد الصفتي:

نشرت الفورين بوليسي تحليلاً مطوّلاً للكاتب وأستاذ القانون الدولي الأمريكي الذي يشغل منصب المقرر الأممي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ”ريتشارد فولك” تناول فيه تقّلبات الأوضاع في مصر واختلافاتها بين زياراته الثلاث منذ ثورة يناير 2011.

وكان أولى زيارات ”فولك”بعد أسابيع من تنحي مبارك والثانية في فبراير 2012 والثالثة كانت خلال الأيام العشرة الماضية.

ويصف فولك كيف اختلف المزاج العام والتوقعات والمخاوف والآمال بصورة درامية من زيارة لأخرى ولماذا من المتوقّع ان تستمر في التقلّب خلال الفترات القادمة.

”انبهار ودهشة”

القسم الأول من المقال وصف فيه فولك إسقاط مبارك والروح الغالبة في ميدان التحرير من الانبهار والدهشة بنتائج الربيع العربي كظاهرة أسطورية ملحميّة قامت وسائل التواصل الاجتماعي فيها بدورٍ هو الأبرز في عمليات التعبئة الشعبيّة.

ويشير إلى أن الإلهام انتقل من الربيع العربي لحركات ”احتلّوا” التي انتشرت في أنحاء العالم في الشهور التالية على ثورة مصر وظهرت ”احتلوا وول ستريت” كمركز لها.

ويقول فولك ”نظر الجميع لثورة مصر كلحظة انفجار شعبي تلقائية ولكن المراقبون الأكثر علماً يعرفون أنّ لها جذور وتراكمات أجّجتها انتهاكات شرطة نظام مبارك وبدأت إرهاصاتها بإضرابات احتجاجية عمالية”.

”تخوفات”

ويضيف المقرر الأممي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية أنه كانت هناك تخوّفات مما هو قادم وكيف ستعالج مشكلات الفقر والظلم الاجتماعي دون عملية انتقال سياسي طموحة تحلّ وتتحدّى البنية المؤسسية للنظام القديم.

ويلفت إلى أن المصريين عبروا عن مخاوفهم من دور للولايات المتحدة وإسرائيل في دفع ودعم الجيش للارتداد عن الثورة حفاظاً على استقرار النظام الإقليمي المستقر الذي يخدم مصالح الدولتين. ويقول ”كان هناك اتفاقاً واسعاً على أنّ مصر الديمقراطية عليها أن تحجّم من النفوذ الأمريكي مستقبلاً”.

ويوضح أن الجدل كان يدور في تلك الفترة حول ثلاث نقاط:

1- هل سيدعم الجيش أم سيعوق عملية الانتقال الديمقراطي؟
2- كيف يسمح للإخوان بالمشاركة السياسية مع احتواء الاعتقاد السائد بأن وصولهم للحكم سيكون كارثياً وسيستولون على العملية الديمقراطية.
3- من سيحمل الشعلة الرئاسية في النهاية؟

شكوك حول توجهات الإخوان

كما يضيف أنه ”كان هناك تشكك كبير في توجّهات قادة الإخوان وحقيقة رغبتهم في الوصول للحكم والسيطرة على الاقتصاد”.

وتطرق ريتشارد فولك إلى اختلاف التقديرات التي تحدثت عن حصول الإخوان على 25% في البرلمان وصولاً إلى 40%، غير أنّ شعوراً عاماً بعدم الارتياح من القوى المدنية كان سائداً ولم يتم التعامل مع تلك المخاوف بجدّية حينها، على حد قوله.

وزاد فولك إلى أنه كان هناك شعورا آخرا بأهمية دور الجيش في مرحلة الانتقال الديمقراطي خوفاً من الفوضى والانهيار الاقتصادي.

دور الجيش

ويرى فولك أن الآراء انقسمت حول دور الجيش في الثورة ما بين استحسان القادة للثورة نتيجة رفضهم سيناريو التوريث وعدم رغبتهم في القيام بانقلاب في ذات الوقت بأنفسهم.

وأوضح أن هذه الآراء تحدثت عن أن الجيش يرغب في سرعة إعادة استقرار المجتمع حفاظاً على امتيازاته ومصالحه وهو مالم يأتِ على هوى ثوار التحرير.

وكان هناك رأي آخر أنّ الجيش يرغب فعلاً في الانسحاب من المشهد ويشاطر الشعب رغباته الإصلاحية، بحسب المقرر الأممي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.

الإسلاميون وبقايا النظام

وانتقل ريتشارد فولك إلى الحديث عن رؤية بعض من وصفهم بالليبراليين التقليديين في أن الثورة بشكلها المفتقد لقائد ورؤية موحّدة لن تصمد في الحلبة الانتخابية أمام قوتين منظمتين هما الإخوان ومن يؤيدهم من الإسلاميين وبقايا النظام السابق ممثلين في حلف غير مقدس يضم معهم أصحاب المصالح التجارية والأقباط الذين ينتابهم قلق عميق من توجه الإخوان لـ ”أسلمة الدولة”.

ويقول فولك أن هذا المشهد بلغ ذروته في الإعادة بين ”مرسي” و”شفيق”، مشيرا إلى أن الثوار فضلوا التحرك نحو تحقيق العدالة للمهمّشين والمستقبل المستقل لمصر دون أن يقدّموا برنامج عمل ولا قيادة قادرة على تحقيق ذلك.

الثوار واكتمال الثورة

ويرى فولك أن الثوار آمنوا بتكتيكات المواجهة واستمرار الفوضى ولو لسنوات حتى تكتمل الثورة ولا تتحدّد بمشروع إصلاحي أو تنقلب إلى ثورة مضادة.

ويشير إلى أن هؤلاء يستمدون قناعاتهم من نموذج السياسة الانتقالية الجديد لميدان التحرير الذي يعتمد على الإصرار وعدم المهادنة، حتى الوصول إلى سلامة وكرامة المصريين التي – بحسب وجهة نظرهم – لن تحققها لا الانتخابات ولا الأحزاب ولا الحكومات.

ويقول إنه كان هناك نوع من التقبل في الأوساط الليبرالية المصرية لعمرو موسى الذي قفز من سفينة مبارك الغارقة مبكراً ويحظى بقبول داخلي وخارجي وعلاقات متوازنة مع الجميع، وكذلك البرادعي المتوّج بنوبل نظيف اليد اللامع دولياً والمعارض ”لمبارك” صراحةً.

ويضيف: ”لكن جاءت الأصوات الأكثر ثورية لترفض كل هذا وتحلم بنظام سياسي جديد تماماً يبتعد عن المفاهيم التقليدية كالأحزاب والانتخابات والمؤسسات البيروقراطية والحكومات، وكانوا يسعون لنظام أمن إنساني لم يوجد من قبل”.

الزيارة الثانية

انتقل فولك لزيارته الثانية التي قال إنه شهد فيها انقسامات أكثر وتراجع لهالة النصر التي أحاطت بثورة 25 يناير.

ويوضح أنه ”كانت هناك حالة من نفاد الصبر خاصّةً من أولئك الذين يبغون استقراراً اقتصادياً يحفظ أرزاقهم”.

ويقول ”قابلت منهم مرشدين سياحيين وبائعين تفاءلوا عندما سقط نظام مبارك ولكنهم على استعداد الآن لدعم أي قائد يستعيد الاستقرار”.

تغير المشهد

ويوضح ”كانت قوة الإخوان غير المتوقعة في الانتخابات البرلمانية وتخليهم عن وعدهم السابق بعدم الترشح للرئاسة وكذلك الظهور القوي المفاجئ للسلفيين قد غيرت المشهد الانتخابي بشكل ملحوظ”.

ويلفت فولك إلى أن ”القاهريين بدا وكأنهم لم يكونوا على معرفة كافية بالمشاعر المتجذّرة لمجتمع مصر المحافظ المتشرب للهوية الإسلامية”.

وكانت تلك التقديرات – بحسب فولك – مستبعدة من قبل المحللين الليبراليين الذين اعتبروا سيطرة الإخوان مجرد خدعة وقللوا من شأن قدراتهم التنظيمية وكذلك الحال مع السلفيين إذ اعتبروا ظهورهم مجرد تدفق للأموال القطرية والسعودية وكذلك وضع الليبراليون في اعتبارهم نفور السلفيين في الماضي من تكوين الأحزاب والمشاركة السياسية.

كما أشار أيضا إلى تخوف عام من أسلمة الدولة وقمع الحريات والديمقراطية المؤسسية والحركات العمالية.

المجلس العسكري

ورأى أن الجديد في ذلك الحين كان تحكّم المجلس العسكري في المشهد وتواصله مع الأساليب القديمة ورغم تأكيدات قادته على إدراتهم للمرحلة الانتقالية فحسب إلا أنّ إدارتهم الشمولية وتكرار أحداث التعذيب والعنف وتباطؤهم في محاكمة نظام مبارك عمّق الشكوك حول نيتهم في السيطرة على مستقبل البلاد.

واشار ايضا إلى انسحاب البرادعي من الترشح لانتخابات الرئاسة وتضاؤل فرص عمرو موسى، مشيرا مضيفا أنه كان يتداول في ذلك الحين أنّ صفقة بين الإخوان والمجلس العسكري للتحكم في مصير البلاد ودفعها لمستقبل سياسي غير مقبول، على حد قوله.

الزيارة الثالثة

وتطرق فولك إلى زيارته الثالثة للقاهرة والتي جاءت نهاية نوفمبر الماضي، مشيرا إلى أن المجلس العسكري بدا متردداً قبل إعلان فوز مرسي بفارق ضئيل ثمّ بدا مصرّاً على تحجيم سلطاته الرئاسية.

وتابع في مقاله بمجلة فورين بولسي: ”لكن مرسي رد الضربة وأحال قياداته للتقاعد وأكّد سلطاته الرئاسية أكثر”، مضيفا أن الرئيس عهد كتابة الدستور للجنة منتخبة من البرلمان ذي الأغلبية الإسلامية.

وأوضح أنه الرئيس مرسي فجر ”قنبلة” بإعلان دستوري يحصّن قراراته من المراجعة القانونية ولكنه تراجع عنه كرد فعل للاحتجاجات المستمرة وإن كان قد احتفظ بالسلطات الكاسحة للتحكم في التظاهرات المستقبلية وحماية الاستفتاء على الدستور.

المعارضة والدستور

ويقول فولك إن ”المعارضة لم تهدأ وترفض العملية التي تم بها مشروع الدستور وجوهر كثير من النصوص ذات الصبغة الإسلامية وكذلك فشل المشروع في التأكيد على مساواة المرأة وحقوق العمال وعدم التزامه بالمعاهدات الحقوقية الدولية”.

ويضيف أن القوى المضادة لمرسي تجمعت بهدف الرجوع عن كل تلك التطورات التي تلقي بالبلاد إلى أزمة عميقة أو المضي قدماً في طريق دستور مليء بالعيوب بتبنيه للشريعة كأساس لعلاقات الدولة والمجتمع وكذلك انصياعه لمطالب العسكريين المضادة للديمقراطية، على حد قوله.

ويوضح أن المواجهات الدامية مستمرة في التحرير وأماكن أخرى، مشيرا إلى أن البعض يعتقد أن الإخوان يريدون فرض نظام شمولي يعتمد على الشريعة ويتحالف مع الجيش وجماعات المصالح الرأسمالية.

ويلفت إلى ان المعارضة تقول إنها ”تقاتل لأجل نظام سياسي ديمقراطي تعددي شامل”.

وتحدث فولك عن المرأة وقال إنها تبدوا كعنصر فاعل في تظاهرات المعارضة، وكذا العمال ربما مدفوعين بالشكوى الشائعة: ”لم يتغير شيء على الإطلاق”.

استنتاجات

ويختم ”فولك” تحليله المطول بخلاصة استنتاجاته:

– هناك انقسام حادّ في تحديد الشرعية السياسية حيث يستند الإسلاميين إلى ادعائهم بامتلاك إرادة الأغلبية.

ويقول إن ذلك الأمر كان يشار إليه بسخرية في أمريكا خلال القرن 18 بـ”استبداد الأغلبية”، مضيفا أن المعارضة تصر على ديمقراطية المشاركة التي ستحمي الدوائر المتمايزة والمتخوّفة من بعضها البعض.

ووفق هذه الرؤية فإن الطرفين، من وجهة نظر فولك، بعيدين عن التقارب ويبنون مواجهتهم على رؤيتين متناقضتين للشرعية الديمقراطية.

– الخوف من نموذج إيران 1979 واختطاف الإخوان للثورة ومن ثمّ رفض توليهم للسلطة حتى لو جاءت بهم الانتخابات المتعاقبة.

ويقول إنه تم التعبير عن ذلك الرفض بالاتهامات للإخوان بعقد صفقة مع المجلس العسكري والقوى الرأسمالية والقوتان من ملامح ماضي مبارك.

ويؤكد أنه وقف هذه الرؤية فلا تفاهمات في الأفق طالما بقي مرسي رئيساً وستستمر الاضطرابات.

– قلائل من ذوي النفوس الشجاعة في مصر ينتقدون بشدة ويزعجهم ذلك الاستقطاب ويصرون على وجود أرضية مشتركة بين القوى المتناحرة يجب استغلالها لمنع كارثة قومية.

ويقول إن حجة هؤلاء هي أن مرسي استجاب بحساسية أكثر للمطالب التعدّدية مما تدّعيه المعارضة رغم أنّه قد ارتكب ”أخطاء” خطيرة بالضغط على زرّ الفزع الذي أيقظ المعارضين.

ويضيف أنه ”على الجانب العملي فالدستور ليس به كل هذه العيوب المثارة وإنّ إدارة ”مرسي” قدّمت إشارات لرغبتها في التفهم والاستجابة لوضع التعديلات في حالة إقرار الدستور في الاستفتاء، وبالمثل فالمعارضة بالغت في ردود فعلها ورفضت التفويض الديمقراطي للعملية الانتخابية وتخاطر بدفع البلاد لأتون الحرب الأهلية”.

 

مصراوى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى