هل الشريعة الإسلامية مطبقة فى مصر؟

يتضح بيقين لمن يقرأ مواد دستور مرسي والغرياني الإخواني المعطل أن هذا الدستور يقنن أساساً الدولة الإخوانية الملتزمة بـ «ولاية الفقيه» كما تجيز نشوء ونشاط جماعات «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»،
ويعتبر الإخوان وحلفاؤهم المتأسلمون، خاصة حزب النور أن هذه المبادئ الأساسية التي قررتها مواد الدستور المذكور تعد أهم مواده، لأنها تقرر كما يزعم الإخوان هوية الدولة والمجتمع المصري، تبريراً للنشاط الإرهابي الذي يمارسونه بإصرار وفظاعة ووحشية ضد الشعب المصري منذ 30 يونية عام 2012، لأنهم لا يقبلون التعديل ولا التبديل في هذا الدستور، ولأنهم يمارسون الإرهاب والقتل وأعمال العنف والتخريب، دفاعاً عن «الشريعة الإسلامية» أو «عن الإسلام»!
ويتهم الإخوان كل من يعارضونهم في مزاعمهم تلك بأنهم علمانيون وجاهليون، وملحدون، وكفرة، ويقتضي ذلك التحليل الموضوعي لهذه المزاعم وبيان مدي وجود أساس شرعي ومنطقي وقانوني لها، وتوضيحاً وتحقيقاً لذلك فإن نص المادة 2 من الدستور الإخواني المعطل علي أن «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»!، كما تنص المادة 3 علي «أن الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة، ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية.. إلخ».
وتقرر هذه المواد صراحة وصاية الأزهر الشريف ممثلاً في هيئة كبار العلماء علي القوانين والتشريعات المصرية!، وذلك بالإلزام الدستوري علي أخذ رأي هذه الهيئة في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، وما دامت المادة الثانية تجعل هذه الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، وقد نصت المادة 219 من ذات الدستور علي أن «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصلحتها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة»، فإن المواد السابق ذكرها تقرر بالتأكيد بصفة أساسية «مبدأ ولاية الفقية» وذلك بالتناقض مع المبادئ الدستورية العامة والأساسية السائدة في دساتير الدول الديمقراطية، وكذلك تتناقض مع المادة 5 من ذات الدستور المعطل التي تنص علي «أن السيادة للشعب يمارسها ويصون وحدته الوطنية وهو مصدر السلطات وذلك علي النحو المبين بالدستور».
ولابد من إدراك أن مصادر الدين الإسلامي هي القرآن والسنة والإجماع والقياس.. إلخ! وأن هذا الدين ينقسم إلي قسمين أساسيين هما «العقيدة» و«الشريعة» وتعني العقيدة أركان الإسلام الخمسة، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة والزكاة والصوم، والحج!.. أما القسم الثاني من الإسلام فهو القواعد الإسلامية الحاكمة للمعاملات بكل أنواعها، وليس ثمة مزاعم أو اعتراضات علي التزام المصريين المسلمين بالعقيدة الإسلامية، وممارسة شعائرها في عشرات الآلاف من المساجد والجوامع والزوايا، منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام!، ومن المعلوم أن آيات القرآن الكريم حوالي 6643 آية وأن الآيات الخاصة بالشريعة، التي تحتوي علي القواعد الخاصة بالمعاملات لا تزيد علي 275 آية، ويبلغ عدد الأحاديث الصحيحة في صحيح البخاري ومسلم، نحو 5000 حديث، وقد ترتب علي أنّ هذه الآيات والأحاديث ليست «قطعية الدلالة» علي الأحكام الواردة به، فإنه قد تم نشوء المذاهب الإسلامية المختلفة، التي قامت بتفسير هذه النصوص، سواء في المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة، وهي المذهب الحنفي والشافعي والحنبلي والمالكي، وفي مذاهب الشيعة الأكثر عدداً وبينها مذهب الظاهرية والاثني عشرية.. إلخ، ولإيضاح الحقيقة فيما يختص بكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع فإنه علي سبيل المثال نص القرآن الكريم علي أنه «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما» ولا تتضمن هذه الآية تحديد من هو السارق أو السارقة أو المسروق، ولا كيف تثبت الجريمة علي أيهما، ولا تحدد كيفية تطبيق وتنفيذ العقوبة، وهل يتم قطع اليد اليمني أم اليسري وهل يتم ذلك بقطع الكف فقط، وهل ينفذ «الحد» دون تخدير أو بواسطة جراح.. إلخ، وكل هذه الأسئلة قد قام بالرد عليها أئمة وشيوخ المذاهب الشرعية المختلفة، سواء من مذاهب السنة أو من مذاهب الشيعة!
وبالطبع ليس التفسير للآية في هذه المسائل جميعاً متطابقاً في جميع هذه المذاهب، وبالتالي فإنه يتعين لتقنين الشريعة أن يتم الاختيار لتفسير محدد من أي من هذه المذاهب الفقهية يتفق مع دلالة النص الشرعي ومع روح العصر، والمصالح القومية للمصريين، مع صياغة هذا التفسير في قانون، يجب أن يقره نواب البرلمان أي أنه ليس مشروعاً دستورياً، أن يتم تطبيق وتنفيذ أحكام الشريعة ومبادئها بالنقل مباشرة من كتب الفقه الإسلامي المعتبرة، ولكن ذلك يتحقق بعد تقنين الحكم الشرعي وصياغته، في مواد بقانون يصدر من البرلمان!
وغني عن البيان أن تفسيرات الفقهاء المسلمين في المذاهب المختلفة هي اجتهادات بشرية وفقهية طبقاً لأصول الفقه، وهي ليست ذاتها أحكام الإسلام الإلهية الواردة في القرآن والسنة التي تم تفسيرها بواسطة أئمة وفقهاء ومجتهدين استدل كل منهم علي صحة رأيه بالأدلة المختلفة!
الوفد