الأخبار

غرام المصالح بين الإخوان وآشتون

 

 

94

 

أوروبا تخلت عن أى صفقة للإفراج عن مرسى وقيادات الإخوان مقابل إتمام «تطبيع سياسى» بين التنظيم والسلطة المؤقتة

المسؤولة الأوروبية لم تطرح أى صفقات واضحة، والأمر لا يتعدى مجرد عرض بالتطبيع بين الإخوان والسلطة المؤقتة.. تلك هى قناعة مصادر دبلوماسية غربية عاملة فى مصر، تعليقًا على الزيارة الثالثة للممثل الأعلى للشؤون السياسية والأمن بالاتحاد الأوروبى، كاثرين آشتون، إلى القاهرة منذ 30 يونيو.

بينما شددت المصادر التى فضلت عدم الكشف عن هويتها، على أن الاتحاد الأوروبى أيقن خلال الشهرين الماضيين استحالة، تجاوز الغضب الشعبى والرسمى تجاه الإخوان فى مصر، وعليه ووفقًا لمنطق المصلحة، تغيرت استراتيجيته من الإصرار على إطلاق سراح الرئيس المعزول، وقيادات الإخوان، وعدم إجراء تعديلات واسعة فى الدستور المعطل، إلى الحفاظ على الوجود السياسى للجماعة فى الساحة السياسية فقط، وذلك نظرًا لارتباط الأخيرة بعد وصول مرسى إلى قصر الاتحادية، بترتيبات أمنية بالمنطقة، لا يبدو أن هناك فرصة لتغييرها فى الوقت الراهن.

المصادر القريبة من دوائر صنع القرار فى عاصمتين أوروبيتين مؤثرتين، أزاحت بعضًا من الغموض حول ماهية تلك الترتيبات الأمنية المرتبطة بالإخوان، لافتة إلى أن تحييد حماس من معادلة الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، والنأى بها عن دعم حليفها السابق، الرئيس السورى بشار الأسد، فى الصراع الدموى الدائر فى بلاده حاليًا، يعد فى مقدمة تلك الترتيبات، خصوصًا أن الإخوان فى مصر، نجحوا من وجهة النظر الأمريكية والأوروبية، خلال عام من حكم مرسى، من نزع الحمساويين من التحالف الإيرانى السورى المدعوم من حزب الله، بل وجذبهم إلى معسكر «مصر الإخوان» وقطر وتركيا. ما تجلى بوضوح فى عدم مجاراة حماس، بضغط من مرسى ومكتب إرشاد جماعته، لتحرشات إسرائيل ضد غزة منتصف نوفمبر 2012، فضلًا عن عدم رد حماس على اغتيال تل أبيب لرئيس أركان الحركة، نائب القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الذراع المسلح لها، أحمد الجعبرى. بل إن حماس نفسها لم تتردد، فى اغتيال أحد قادة سرايا القدس، الجناح العسكرى لحركة الجهاد فى غزة، وهو رائد جندية، فى ديسمبر الماضى، على إثر تحركات للأخير كشفت عبث حماس بسلاح المقاومة وسرقته، فضلًا عن وقوفه خلف عملية إطلاق صاروخين غير مؤثرين على إسرائيل، وهو ما اعتبرته حماس خرقًا لهدنتها غير المعلنة مع إسرائيل بوساطة إخوان مصر وواشنطن، فقررت التخلص منه إرضاءً لحلفائها الجدد.

غير أن أكبر ترتيب أمنى فى المنطقة شارك فيه إخوان مصر لتغيير موقف حماس تجاه تل أبيب، كان دخول خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى للحركة، إلى غزة احتفالًا بذكرى تأسيس حماس، وذلك للمرة الأولى بالنسبة له بعد أربعين عامًا قضاها بعيدًا عن القطاع، وهو ما يعد اعترافًا صريحًا من زعيم أكبر فصيل مقاوم فى فلسطين، يفترض أنه يعارض أى سلام مع تل أبيب، ويرفض كل المفاوضات والاتفاقات التى تمت فى هذا الشأن، باتفاقية وأسلو ومحادثات مدريد، وغيرها من المناسبات التى تمكن عبرها الفلسطينيون من نيل جزء من أراضيهم المسلوبة.

لكن المصلحة الكبرى للغرب خصوصًا الاتحاد الأوروبى فى حتمية وجود الإخوان على الساحة السياسية المصرية، حسب ما تكشفه رؤى وأطروحات بحثية أجنبية، تتعلق باستمرار اعتبار التنظيم الإخوانى قبلة لجماعات وحركات الجهاد المسلح والفكر التكفيرى والإرهابى. فمرسى لم يكن ليصعد إلى سدة حكم مصر بأى حال من الأحوال، دون منحه تسهيلات ضخمة تتيح للإسلاميين المسلحين المصريين وغير المصريين، العودة أو دخول البلاد والإقامة بها دون أى مشكلات أو ملاحقات أو قيود، سواء فى القاهرة أو فى سيناء، ومن ثم يبتعد خطر الإرهاب ولو مؤقتًا عن القارة العجوز وعن أمريكا. وبالتالى فإن سقوط المعزول ونظامه ضرب ذلك الهدف فى مقتل، ولم يعد هناك مفر أمام الحكومات الغربية، سوى دعم افتعال الإخوان لمعارك مع السلطة المؤقتة ومع الجيش، لضمان بقاء تلك الحركات المسلحة والإرهابية فى مصر لمساندة التنظيم ضد الدولة.

ووفق المصادر الدبلوماسية الغربية، فإن آشتون هذه المرة جاءت بخطاب مغاير، عن زيارتيها السابقتين. المسؤولة الأوروبية الرفيعة، لم تتردد لحظة فى الرد على لوم شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، حول تخلى الأمريكان والأوروبيين عن إرادة الشعب المصرى فى 30 يونيو، وأن مواقفهم فى هذا الشأن تحتاج إلى مراجعة، بأنها لم تصف ما حدث أبدًا بأنه انقلاب. بينما كانت الرسالة الأبرز لها فى كل اللقاءات مع المسؤولين والنشطاء السياسيين والرموز الدينية خلال اليومين الماضيين، أنها لم تطرح أى طلب بخصوص الإفراج عن مرسى، وأنها تدعو لعدم حظر أو إقصاء الإخوان، ومحاولة إدماجهم فى الحياة السياسية المصرية من جديد.

ولا يبدو أن المفاوضين الإخوانيين مع حكومة الدكتور حازم الببلاوى ومع الغرب، الدكتور محمد على بشر والدكتور عمرو دراج، قد استغرقا وقتًا طويلًا لالتقاط التحول فى الموقف الأوروبى، ومن ثم تبنى الأخير، وفق مبدأ المصلحة أيضًا، وربما للمرة الأولى، فى تصريحاته عقب لقاء آشتون، فرضية أن الإخوان يحترمون الإرادة الشعبية للمصريين فى 30 يونيو، وهو ما جاء متسقًا مع رسالة المرشد العام للإخوان، محمد بديع، ليلة وصول آشتون للقاهرة مساء الثلاثاء الماضى. غير أن دراج وبديع حاولا تجنب صدمة قواعد التنظيم، إذا ما اعترفا بوضوح بعجز الإخوان عن مواجهة الدولة، خصوصًا فى ظل الغضب الشعبى تجاههم، وحكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بحظر نشاط الجماعة ومصادرة أموالها، وعليه ذيلا عبارات التقدير لرغبة الملايين التى خرجت فى 30 يونيو، بأنهما يرفضان ما تم فى 3 يوليو، فى إشارة لعزل مرسى.

القاصى والدانى فى تنظيم الإخوان يدرك حاليًا أن بشر ودراج، يتعاملان ببرجماتية مع وضع الجماعة الجديد، فى حين يبقى رهانهم كبيرًا على نجاح الأوروبيين، ومن خلفهم الأمريكان، لكن فى الكواليس، على منح التنظيم قبلة الحياة مجددًا فى الساحة المصرية. وفى سبيل ذلك تبدو تحركات الرجلين بغير تنسيق كبير مع القيادات الهاربة مثل محمود عزت، أو مع قيادات التنظيم العالمى، والتى تصر على المواجهة مع الدولة إلى آخر نفس، وإن كان من اللافت أيضًا أن المفاوضين الإخوانيين يستخدمان الغباء السياسى لتلك القيادات كثيرًا للضغط على الحكومة بطريقة أو بأخرى.

 

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى