الأخبار

المؤهل: «كلية قمة».. المهنة: «عامل نظافة»

118

«محمد.. زكريا.. سامى.. أحمد.. محمود» خمسة شباب جاءوا إلى العاصمة من صعيد مصر، تركوا عائلاتهم فى المنيا لاستكمال دراستهم فى كليات مختلفة، لكل منهم حلم وطريق وهدف، لكنهم تشابهوا جميعاً فى حالهم البسيط، ومهنتهم التى قرروا العمل بها بصورة مؤقتة، لرعاية أنفسهم، والإنفاق على دراستهم، وسداد إيجار الشقة التى يقيمون فيها معاً، والتكفل باحتياجاتهم فى الغربة دون الاعتماد على آباء وأمهات على كاهلهم أحمال ثقيلة. دارسو كليات «الطب والتجارة والهندسة والألسن والآداب» قرروا العمل فى «جمع القمامة» وغيرها من المخلفات العديدة التى يريد أصحابها التخلص منها، يقومون هم بهذا الدور مقابل جنيهات قليلة يتحصلون عليها من كل أسرة يتعاملون معها، لا يشعرون بخجل أو نقص، بل يفتخرون بما يقومون به، «الشغل مش عيب» الشعار الذى رفعوه جميعاً، ليخوضوا رحلة الكد والكفاح فى ميدانى الدراسة والعمل.

5 شباب جاءوا من المنيا إلى العاصمة لاستكمال دراستهم الجامعية.. فاضطروا للعمل «جامعى قمامة»

ببشرته السمراء وابتسامة لا تفارق وجهه، يستيقظ «محمد عبدالحكيم»، وزملاؤه مع أذان الفجر، يبدأون فى مطالعة بعض كتبهم ومحاضراتهم، ثم ينطلقون صباحاً بحثاً عن الرزق، حلم «البالطو الأبيض» لم يمنعه من العمل بجد فى المهنة التى اختارها خلال سنوات دراسته: «بقالنا سنتين بنشتغل نفس الشغلانة، وبندرس فى الجامعة فى نفس الوقت، ننزل من البيت كل يوم الساعة 10 الصبح عشان نلحق المحاضرات وماتفُوتناش بعد ما نخلص الشغل، ويوم الجمعة الوحيد بالأسبوع اللى بننزل الشغل فيه بعد الصلاة عشان بيبقى اليوم الإجازة لينا كلنا من الجامعة، فبيبقى براحتنا ومش مستعجلين، وعدد ساعات شغلنا فيه بيبقى أكتر»، لا يخجل من العمل المؤقت فى جمع القمامة، بل يفتخر به، قائلاً: «حاولنا نشوف أى شغل من أول ما جينا القاهرة مالقناش، لأننا لسه فى تانية جامعة والوحيد فينا محمود اللى فى 3 هندسة، فأى شغل مش سهل إننا نشتغله ولو لاقينا المواعيد مش مناسبة مع دراستنا ومواعيد محاضراتنا، فقررت فى الأول أنزل أنا أشتغل عامل نظافة للجيران من أهل الحتة بشكل مؤقت، لحد ما أخلص الدراسة وآخد الشهادة وألاقى شغل مناسب، وأصحابى بعدها انضموا ليّا»، طالب كلية الطب الذى كان صاحب المبادرة الأولى فى المهنة التى اجتمع عليها الأصدقاء الخمسة، يضيف: «اسمى عامل نظافة مش زبال. ووظيفتى أشيل الزبالة، وبرفض أى حد يقول عليّا زبال».

يقيمون فى مسكن واحد منذ وصولهم إلى القاهرة قبل عامين.. ويتمسكون بأحلام المستقبل رغم مهنتهم الحالية.. وشعارهم: «الشغل مش عيب».. واللى جاي أحسن

الشجاعة والتحدى والقوة والفخر، معانٍ تظهر فى حديث الطالب بكلية الطب البشرى بجامعة القاهرة، إلا أنه قبل البدء فى تنفيذ قراره ظل يشعر بالتوتر والقلق والخجل، لكنه مع الوقت تغلب على كل ذلك: «فى الأول كان صعبان عليّا إنى أكون فى كلية طب، والمفروض بعد ما أتخرج أطلع دكتور، وأبقى بشتغل عامل نظافة وأشيل الزبالة، يعنى من البالطو الأبيض لعامل نظافة، فى بداية قرارى ونزولى الشارع كنت بتكسف من الناس اللى تعرفنى واللى ما تعرفنيش، وكانت صعبانة عليّا نفسى، لحد ما الشغلانة بقت مصدر فخر ليّا، لأنى فى النهاية بساعد أهلى وبصرف على نفسى بالحلال، والشغلانة مؤقتة مش دايمة معايا، النهارده بلم زبالة بكرة هبقى دكتور قد الدنيا إن شاء الله».

بعيداً عن «البالطو الأبيض»، أحلام أخرى تراود الآخرين، الهندسة بكافة فروعها ومجالاتها كانت حلم «محمود» منذ صغره، حتى تمكن من الالتحاق بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، لكنه لم يكن يدرك من قبل ذلك أن مهنة جمع القمامة فى انتظاره، برغم إيمانه بعمله المؤقت إلا أنه يخشى أن يقابله أحد من أصدقائه أو معارفه أثناء العمل، يتساءل: «لو حد شافنى ويعرفنى أقول له إيه؟ إزاى أقنعه أنى بشتغل الشغلانة دى بشكل مؤقت؟ شكلى قدام اللى يعرفنى هيكون إزاى؟»، أسئلة كثيرة دارت فى خلده، قرر أن يعمل عليها مبكراً، ليشعر وزملاء الطريق الواحد أن وظيفة عامل النظافة لا تؤثر على علاقتهم بالمعارف: «قرارى فى البداية إنى أنزل مع محمد وأجمع الزبالة كان صعب عليّا جداً، قرار ماكنش سهل بالنسبة ليّا لأن كنت خايف أقابل حد أعرفه، لحد فترة قريبة كان الموضوع بالنسبة ليّا كله استحياء وخجل، ومفيش مرة أنزل فيها الشارع إلا وأنا خايف حد يشوفنى يكون عرفنى خصوصاً لو من الجامعة»، الخجل الذى شعر به الشاب العشرينى من وظيفته البعيدة عن مجال الدراسة، ظل يراوده حتى وقع ما توقع، وقابل ذات يوم الصديق الذى يجاوره نفس المدرج بالجامعة: «ماكنتش قايل لأصحابى فى الجامعة أى حاجة، وكنت بصحى الصبح أنزل مع صحابى اللى عايش معاهم فى نفس البيت نجمع الزبالة ونروح على جامعتنا عادى، لحد ما قابلت زميلى اللى بنحضر كل المحاضرات مع بعض فى الشارع، وشافنى وأنا شايل الزبالة ومن يومها مابقاش عندى خجل من حد، وكسر فيّا كل الخوف اللى كان جوايا»، تغيرت العلاقة بعد هذا الموقف، يتذكر: «تقريباً مابقناس نتكلم زى الأول، مع أنى فهمته أنها مجرد شغلانة على الماشى لحد ما أتخرج، عشان بساعد أبويا فى المصاريف والشغل مش عيب، لكن تقريباً ماتقبلش الفكرة ومن يومها وهو مش فارق معايا، اللى يعرف زى اللى مايعرفش، وأنا فخور باللى بعمله».

«محمد» صاحب حلم «البالطو الأبيض»: «شغلانة مؤقتة.. والنهارده عامل نظافة.. بكرة هكون دكتور قد الدنيا»

جيرانهم يعرفون أنهم فى «كليات قمة»، بعضهم يحترمونهم على ما يقومون به، لكن البعض الآخر يتعاملون معهم بطريقة غير مقبولة بحسبهم، يقول طالب الهندسة: «إحنا بنقول عادى إننا طلاب فى جامعة، وعارفين إننا فى كليات محترمة، بس محدش بيعايرنا ولا بيعاملونا وحش لأننا بنشتغل بعرقنا عشان نساعد أهالينا، لكن فيه ناس بنقابلهم بتكون نظراتهم واضحة لينا ومش مقبولة وكلها تجريح فينا ومن الشغلانة اللى بنشتغلها، بعد ما يعرفوا أننا فى جامعة»، بإرادة قوية يرى «محمود»، المهندس وعامل النظافة، أن الأمل موجود: «مش معنى أننا شغالين عمال نظافة أننا هنفضل على الشغلانة دى، مجرد ما نخلص الجامعة إن شاء الله هنشتغل فى نفس مجالنا، وعن نفسى حلمى أنى أكون مهندس مشهور، ومش هستعيب أن أحكى لعيالى فى يوم لما ييجوا الدنيا، إن أبوهم اشتغل وهو طالب عامل نظافة ولميت الزبالة عشان أساعد أهلى».

«مفيش حلاوة من غير نار»، هكذا يؤمن ثالثهم، «زكريا» الطالب بكلية الآداب، أكثرهم إيماناً بالمهنة وطبيعة العمل المؤقت، لا يرى أى عيب ولا يعنيه سوى رضاه عن نفسه وما يقوم به، يمسك بكل قوته «حاوية القمامة» التى يجمعون فيها، لا يعينه فى أداء مهمته سوى أدوات بسيطة، حرصه على نظافته الشخصية لا يمنعه من إنهاء عمله وقد اتسخت ملابسه وطالته بعض الإصابات: «عارف أن الشغلانة صعبة بس مالقتش غيرها، بس المشكلة أن مفيش أكل عيش بالساهل، والشغلانة دى كل مشكلتى فيها أنى ببقى على طول تعبان بسبب العدوى اللى باخدها من الزبالة، ده غير أنه بيبقى فيه ناس راميين الإزاز بشكل عشوائى ومواد خطرة ممكن تصيبنى بمرض أو تؤذينى»، إجراءات أمان وحماية قرر مراعاتها «زكريا» وأخذ يشدد عليها بين زملائه، وينصح بها الأهالى كذلك للحد من المواد التى تعرضهم للخطر: «الناس اللى بتتعامل معانا بقينا نوعّيهم أن أى حاجة فى الزبالة تعور أو تؤذى يفصلوها فى كيس محكم الأول ويبلغونا بأنه كيس الأدوات الخطرة، والشخص اللى مش بيتبع التعليمات مش بنعدى عليه ولا بناخد منه الزبالة، ده غير إننا مش بنشيل أكياس القمامة زى ما بناخدها من الناس، إحنا مخصصين أشولة بيضاء أقوى من كيس الزبالة عشان مفيش حاجة تقع مننا»، خطورة مستمرة تعرض لها الشاب وزملاؤه، تسببت فى إصابة أحدهم بفيروس «سى»، بحسب «زكريا»: «أوقات الامتحانات السنة اللى فاتت فضلنا فترة مانفوتش على البيوت، كان فى ناس سايبة الزبالة بتاعتها بكميات كبيرة لحد ما عفنت، وإحنا اللى شلناها وكانت ريحتها وشكلها صعب جداً، وجابت لينا كلنا وقتها الأمراض، من حساسية شديدة فى جلدنا لحد الجروح اللى عورتنا، لكن أخطر إصابة كانت من نصيب زميلنا أحمد، طالب الألسن، اللى عرف بعد فترة إصابته بفيروس سى بسبب التعرض لمواد غير نظيفة، ودلوقتى بيتعالج منه»، مضيفاً: «عشان كده مابقناش نشيل الزبالة إلا فى شوال، عشان اللى جواها يبقى محكوم، بنؤكد على الأهالى فى التعليات دايماً»، تدريجياً بدأت تتسع دائرة العمل، فلم يتوقف الأمر عند جمع القمامة فقط: «وسعنا دايرة الشغل، ومابقناش نقصر عملنا على جمع الزبالة بس، لكن بقينا ناخد من الناس الهدوم القديمة اللى مش محتاجينها، وممكن نوزعها على غلابة أو نبيعها أو نتخلص منها إذا كانت لا تصلح للاستعمال نهائياً، وأى مخلفات قديمة عند الأهالى ممكن ناخدها».

«محمود» طالب هندسة: القرار كان صعب لكن دلوقتى عادى.. وصاحبى أنهى علاقتنا بعد معرفته بطبيعة عملى

طالب الألسن الذى أشار إليه «زكريا»، لم يصب هو وحده نتيجة عمله هذا، لكن والده أيضاً تعرض للإصابة بجلطة عقب معرفته بمهنة ابنه الذى ساعده على السفر من المنيا إلى القاهرة ليصبح فى مكانة مرموقة، يقول «أحمد» الطالب بكلية الألسن بجامعة عين شمس، الذى يعالج حالياً من إصابته بفيروس سى، يحكى بحسرة: «أبويا لما عرف إنى بشتغل فى الزبالة جات له جلطة، وكان هيموت، لأنه مقدرش يتحمل الخبر ولا يفهم وجهة نظرى»، إصابتان، واحدة له، والأخرى لوالده، إلا أن «أحمد» لا يزال متمسكاً بما يقوم به: «مفيش حاجة بتيجى بالساهل، هدفى كنت أساعد أهلى بأى طريقة لأننا ناس على قد حالنا، ومصاريف الجامعة والدروس كتير جداً على أبويا، ومش كل شوية أمدّ إيدى وأبعت لهم أطلب فلوس، فقررت أنزل مع صحابى وأشتغل معاهم، وكنت حريص جداً أعرف الأيام اللى أبويا بييجى يزورنى فيها وما أنزلش، لحد ما جالى فى يوم صدفة وشافنى ووقع من طوله وقتها، وكان هيموت منى وأنا السبب، ماكنتش هسامح نفسى أبداً لو كان مات، بس الحمد لله عدّت على خير وقدرت أفهّمه أنها شغلانة وهتروح لحالها، بس المهم أقدر أستمر فى الدراسة وما أخرجش من الجامعة عشان أكون حاجة كبيرة وأشرّفه»، أصبح والده بخير الآن، لكن «أحمد» ما زال مصاباً، يعمل ويدرس ويدعو ربه: «إصابتى بالفيروس أعتبرها اختبار من عند ربنا، والدكتور طمّنى بأنه فى البداية وبتحسن وحالتى أحسن بكتير من غيرى، أنا مكمل فى شغلى وفى دراستى، وبدعى ربنا يوفقنا ويشفينا»، عنده من المبررات الكثير الذى يجعله لا يتراجع عن مهنة قد ينظر لها قطاع كبير من المجتمع نظرة دونية: «لسه بنزل وبشتغل لأن مفيش شغلانة غيرها، أنا بيدخل ليّا فى اليوم أكتر من 200 جنيه، بعد ما بنقسم الفلوس بينا حصاد الساعات اللى بنشتغلها فى اليوم قبل الجامعة، بحوش منها مصاريف الجامعة والدروس وبشترى منها أكلى فى اليوم ومصاريف علاجى، والدكتور قال ليّا شهور بسيطة وأرجع لحالتى الصحية من تانى وأكون خفيت بنسبة كبيرة من المرض بإذن الله».

لا يخجل «أحمد» وزملاؤه فى نفس المهنة المؤقتة من قرارهم، لكنهم يتمنون تغيير الأفكار السلبية للمجتمع حول عامل النظافة، أفكار ربما ظلوا هم يؤمنون بها كغيرهم، حتى خاضوا الطريق ليعرفوا مدى القيمة التى يقوم بها كل العاملين فى هذا القطاع: «عامل النظافة هو اللى بينضف وساخة المجتمع»، يقول طالب الألسن، متمنياً أن يغير الجميع نظرته لهذه المهنة التى قرروا أن يتخذوا منها محطة فى طريقهم نحو المستقبل: «إحنا واخدينها مجرد محطة، عشان كده بنحاول نتحمل كلام الناس السخيف اللى بنقابلهم وبيعرفوا أننا طلبة فى جامعة، لأن فى النهاية ده أكل عشنا دلوقتى ومهما اتكلمنا ووصّلنا ليهم أن الشغل مش عيب، كلامهم بيكون جارح جداً لمشاعرنا، ومابقناش نرد وقررنا أنه بعد ما نخلص دراستنا وكل واحد فينا يشتغل فى مجاله، هيبقى ده أكبر رد وعبرة لكل اللى اتريق علينا أو جرحنا بنظرة أو كلمة»، يقترح «أحمد» على الدولة تطبيق نظام عادل يحمى عامل النظافة من مخاطر المهنة التى لا حصر لها: «لازم يكون فيه نظام حماية لعمال النظافة عشان مايصابوش بأمراض صعب الشفاء منها، ربنا كرمنى واكتشفت المرض فى البداية وعلاجى قادر أجيبه، لكن غيرى بيبقى وراه التزامات وأسرة ومش عارف يجيب حق العلاج وحالته بتتدهور»، مضيفاً: «المفروض يطبقوا نظام يحميهم ويخلوا الناس تحترمهم زى ما بلاد برة بتشوف عامل النظافة ليه أهمية كبيرة فى المجتمع، ويكون فيه وعى بدورهم، عشان الناس تقدر تبص لينا بنظرة أفضل من كده، ونصيحتى لكل الشباب أنه ينزل يشتغل ويعتمد على نفسه والشغل مش عيب».

خامسهم يبدو أكثر تحفظاً، لا يريد «سامى» الطالب بكلية التجارة، الحديث أو الظهور أو سرد رحلته من المنيا إلى القاهرة، يحرص جيداً على ألا يقابله أحد من دائرة معارفه وأقاربه، يريد أن ينهى عمله المؤقت فى أقرب فرصة، هو الابن الأكبر لأسرة بسيطة، ارتباطه بوالديه، وحرصه الشديد على مشاعرهما، يدفعانه لعدم البوح، يقول: «تحفظى من الشغلانة عشان أبويا وأمى مش أكتر، لأنهم كبار فى السن ولو عرفوا أنى بلمّ الزبالة ممكن يموتوا فيها، لكن مجبر أنى أشتغلها لأن معنديش بديل، وهى الوحيدة اللى فلوسها أقدر منها أصرف على دراستى»، يرى الشاب نفسه فى المستقبل صاحب شركة، لا يخرج حلمه عن امتلاك مشروعه الخاص وإدارته بنفسه من داخل مكتب صغير تتراص عليه الأوراق: «من صغرى وأنا شاطر فى الحساب، وأبويا نفسه يشوفنى صاحب شركة كبيرة، عشان كده دخلت تجارة عشان أحقق حلمى وحلم أبويا، لأن أنا ابنه الكبير، وولد وحيد على 3 إخوات بنات»، شقيقاته الثلاث سبب آخر يدفع «سامى» ليكون أكثرهم تحفظاً ورغبة فى التخلص من تلك المهنة: «عادتنا كمجتمع مصرى، وفى الصعيد خاصة، بتحكم كل حاجة، ماحدش بيبص إن ده عمل شريف على قد ما هو بيبص على طبيعة ومكانة العمل. مش حابب أحرج حد من أفراد أسرتى سواء أبويا وأمى، أو أخواتى البنات اللى لسة فى المدرسة»، لم يشغل الشاب العشرينى باله يوماً بشكله أمام أصدقائه فى الجامعة أو بالمنطقة التى يعيش فيها، لكن أكثر ما يثيره غضباً هو نظرات الشفقة التى يرصدها فى عيون البعض أحياناً، خاصة كبار السن، شفقة تصيبه بالإهانة: «بضايق جداً لما أقابل ناس تبص لينا بنظرة عطف أو شفقة من المهنة اللى بنشتغلها وإحنا فى جامعة، بس هعمل إيه؟ أكل العيش مر ومعنديش بديل عشان أقدر أكفّى مصاريف الجامعة وأشترى الكتب، وبحاول مارفعش عينى فى عين الناس كتير وقت الشغل تجنباً للنوع ده من النظرات».

العمل فى المهنة التى اختارها خلال سنوات دراسته، لم تمنع حلمه فى أن يكون مالكاً لشركة كبرى، «دى مهنة مؤقتة، وكلنا الخمسة عارفين كده كويس، وكل واحد عنده حلمه اللى متمسك بيه»، فى اتصال مع أهله، أبلغهم بعمله فى محل ملابس جاهزة، يتقاضى منه أجراً يكفيه عن أى مساعدة شهرية اعتاد أن يرسلها الأهل من قبل: «أبويا وأمى عارفين أنى بشتغل فى محل ملابس لحد ما أخلص دراسة عشان أساعدهم، ومقولتش ليهم أنى بشتغل عامل نظافة، عشان أحافظ على مشاعرهم وخوفاً عليهم»، ظروف أسرته البسيطة، دفعته أن يعتمد على نفسه دون اللجوء إلى الأهل فى أى مصاريف تخص دراسته وحياة الغربة، «بقالى 3 سنين فى القاهرة، بنزل فى الأجازات البلد لأهلى، ومن يوم ما جيت هنا وأنا معتمد على نفسى، اشتغلت فى الأول بمحل موبايلات وفى ورشة نجارة، بس مواعيد الشغل كانت مش ماشية مع جامعتى، ولما محمد زميلى بدأ ينزل ويلم الزبالة من الشارع ماكنش فى دماغى أنى أنزل معاه فى يوم، لكن مع الوقت وافقت وشاركت معاهم»، سببان دفعا «سامى» لاتخاذ قراره: «الأول لأن الوقت مناسب وبننزل فى الوقت اللى بحدده ومش متحكم بميعاد، والتانى عشان فلوسها معقولة، اللى بيطلع ليّا فى اليوم بحوّش منه مصاريف السنة وباكل وادفع منه إيجار الشقة الشهرى كمان، عشان مخليش أبويا يشيل همى»، يبدو أنه أولهم فى مفارقة عمل اجتمعوا عليه، يؤكد هو ذلك: «مش هستمر كتير مع صحابى، لأنى بدوّر على شغل تانى أفضل ومناسب ليّا، وأول ما ألاقى شغل كويس غير جمع الزبالة مش هنزل تانى، هنفضل أصحاب ومع بعض فى نفس الشقة، بس أنا مش ناوى أكمّل».

الأصدقاء الخمسة

ولدوا ونشأوا فى عدة قرى بسيطة بمحافظة المنيا، وجاءوا إلى القاهرة، يقيمون فى مسكن بالإيجار قبل عامين، مع بداية العام الدراسى الجامعى 2013.

لديهم أحلام كبيرة حول مستقبلهم، ولا يزالون متمسكين بهذه الأحلام ويعتبرون مهنتهم الحالية مجرد محطة مؤقتة لإعانتهم على احتياجات الحياة دون استمرار الاعتماد على الأهل.

كليات القمة التى ينتمون لها، هى: الطب، الألسن، الهندسة، الآداب، التجارة. ثلاثة منهم فى جامعة القاهرة واثنان فى جامعة عين شمس.

أكبرهم سناً «محمد»، الطالب بكلية الطب، بالفرقة الثالثة بالكلية، فيما لا يزال زملاؤه الأربعة الآخرون «محمود، أحمد، زكريا، وسامى»، فى الفرقة الثانية من كلياتهم.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى