أبو المجد والجبالي والمصالحة مع الإخوان

المشكلة التي تحول دون المصالحة مع الإخوان المسلمين ومن انجروا وراءهم لا تنحصر في الأعمال الجنائية التي تتهمهم بها المستشارة تهاني الجبالي وينفيها عنهم الوزير والمحامي كمال أبو المجد.
المشكلة تمتد لتشمل مفهوم الشرعية عند الإخوان فهم الناس الذين نحروا الحركة الدستورية المصرية وهزوا أسس الشرعية القانونية والدستورية عندما قالوا «القرآن دستورنا» متجاهلين ما قاله علي ابن أبي طالب قبل قرون طويلة: «القرآن حمّال أوجه». وهم الذين حاصروا الحركة الوطنية وهزوا أسس الشرعية الوطنية بشعارهم «الإسلام وطن» متجاهلين الفارق بين الحرص على حرية الضمير وبين تجاهل واجبات الوطنية. هؤلاء الناس هم الذين نشروا بين المسلمين في كل بقاع الأرض ثقافة العنف المخاصمة للحداثة منذ كشف سيد قطب في 1965 عن الوجه الحقيقي لـ«الدعوة»، ذلك الوجه الفوضوي الذي أخفاه حسن البنا منذ بداية «الدعوة» عن كثيرين ممن انطلى عليهم الخداع الباطني المراوغ.
وما هي «الدعوة»؟ تقرأ في تواريخ القرون الوسطى عن «الدعوة» لبني العباس و«الدعوة» للعبيديين. وبعد ذلك لم يعرف العالم المسلم «دعوة» إلا مع هؤلاء. الدعوة ليست دعوة إلى الله بل دعوة إلى حسن البنا باعتباره الباب أو باعتباره بهاء الله على نحو لا يختلف إلا لفظيا عن ادعاءات البهائية. لكن الإخوان يقولون إنهم يدعون إلى «الدولة الإسلامية» وهذا مجهول بقيت دلالاته غامضة حتى افتعل آية الله الخميني أمورا طوع بها ولاية الفقيه لتوجهاته السياسية فظهرت للعالم أول «دولة إسلامية» في التاريخ وهي في حقيقتها صياغة جديدة للسلطة الفارسية القديمة حيث كانت فارس قبل الإسلام يحكمها ملوك متألهون مثل خميني وخامنئي، وهذا الحكم بتفويض إلهي لاعلاقة له بالدولة الجنينية شبه الأثينية عند الحكام المسلمين الأربعة الأوائل.
وبالمثل فالموروث السياسي لهؤلاء الحكماء المحاربين الأربعة ليس هو أساس توجهات الإخوان الذين لا ينتسبون حتى للخوارج بقدر ما ينتسبون إلى توليفات وتلفيقات قامت على أساس توجهات عامة لحسن البنا الذي أثرت فيه الضجة التي أحدثها صعود الفاشية والستالينية وهو يمضي – تحت توجيه مجموعة نعرف منها عبد الرحمن عزام باشا وشكيب أرسلان وصالح حرب باشا ومحب الدين الخطيب وطنطاوي الجوهري وبتمويل وتسليح من أمين الحسيني صديق هتلر – في أثر محمد رشيد رضا، الذي انحرف بتوجهات الأفغاني ومحمد عبده إلى مسارات تناسب السياسة البريطانية (يعني نازي على حلفاء كله ماشي). ولا زال أتباع حسن البنا يعيدون إنتاج هذه التوليفات والتلفيقات المناهضة للحداثة، لا من جانبها المادي الاستعمالي ولكن عداءهم هو للحداثة بما هي رؤية للجماعة الوطنية وللنوع البشري.
لا أتحدث إذن عن انتهازية الإخوان،من لحظة ميلادهم في 1928 لخدمة شركة قناة السويس ولخدمة مشروع فؤاد الأول عندما أراد أن يكون «خليفة»، حتى لحظة خروجهم الأخير بعد أن أرادوا الزج بجيشنا لينقذ المغامرة القطرية في سوريا. هؤلاء الناس شعارهم الذي رفعوه في مصر وفلسطين وأفغانستان وسوريا هو «خدامك يا بيه». ولحسن الحظ أن الجيش الذي لم يتركهم يورطوه في الحبشة، كما فعل الأمريكيون بجيشنا في القرن التاسع عشر، رفض التورط في سوريا لإنقاذ الشيخ القطري ووزيره. ولكن الإخوان نجحوا نجاحا باهرا، من السبعينيات وحتى اليوم، في تبرير الحرب الأمريكية على الإرهاب، وقبل ذلك كانوا أنصار الحلفاء ضد الشيوعية العالمية وإن اتهمهم فاروق بالعمالة لموسكو. لا أتحدث عن انتهازيتهم، فالانتهازية مرض شائع بين السياسيين. لكني أتحدث عن المرض العقلي الذي يمثل جوهر هذه «الدعوة» وهو تلفيق مفهوم لا تاريخي للشرعية، مفهوم يجيز الخروج على الدولة ويحتقر القوانين والأعراف ويخلق جماعة باطنية متعالية على الواقع المحيط بها حتى وإن كانت تستمد منه الحياة، محتقرة له.
وقد لخصت امرأة منقبة في اعتصام رابعة العدوية موقف هذه الجماعة من زمنها ومحيطها عندما قالت، بعد عزل محمد مرسي «لم نكن نؤمن بالديمقراطية لكننا جاريناكم فيها وها أنتم تنقلبون عليها». الديمقراطية مقبولة عندما تصعد بهم للسلطة وتتيح لهم أن يعبثوا بمصائرنا على النحو الذي يتلخص في الإعلان الستوري المشئوم وتابعه المعدل، ولكنها تصبح لعبة ممجوجة عندما يخرج الملايين رافضين عبث الحاكم ومستجيرين بالمؤسسة الوطنية الوحيدة التي لم يطلها بعبثه.
فهل يعيدهم وسيط شديد التعاطف معهم مثل الدكتور أبو المجد للحياة؟ وهل تكفي البراءة من اتهامات المستشارة تهاني الجبالي ليسمح المجتمع والدولة لهم بالعودة؟ الجماعة التي ولدت في ظل سيفين متقاطعين وضعوا فوقهما المصحف ليضفوا القداسة على وحشيتهم هي جماعة لا مكان لها بيننا . صحيح أن كل من لم يتلوث بدم بريء من أعضاء هذه الجماعة يحق له أن يعيش حياة طبيعية بيننا بعد أن يعلن أنه بريء من كل دعاوى العنف. لكن الأمر لا يتعلق باتهام أفراد بالعنف أو بالعمالة، وهو اتهام قد تثبته المحاكمات أو تنفيه. الأمر أخطر من ذلك لأنه يتصل بسموم يبثونها في عروق الثقافة السياسية المصرية ويقفون بوجه النمو الروحي والخلقي للأمة المصرية، ويؤسسون لثقافة رجعية فاشية مفارقة للتاريخ. وهذا يجعل من الضروري معاقبة الجماعة بالعزل السياسي. أما العنف والتهديد به فمتروكان للمحاكم .
الوفد