أليس هناك رجل رشيد فى جماعة الرئيس؟

dr

 

ليست الأزمة السورية هى القضية الأولى التى حدث تحول دراماتيكى فى توجهات الرئيس محمد مرسى ومواقفه بشأنها. ولكن التحول فى هذه القضية يتجاوز حدود العقل ويجدد السؤال الذى يحير الكثيرين وهو: أليس هناك رجل رشيد فى جماعة «الإخوان» وأتباعها، يحسن تقدير الأوضاع ويساعد فى تحسين الأداء أو حتى وضع حد لمساوئه؟

فقد كان المشهد فى الصالة المغطاة فى استاد القاهرة مساء السبت الماضى أقرب إلى الخيال، حين أعلن الرئيس مرسى وبعض أتباع جماعته «الجهاد» ضد النظام السورى، بعد أن كان حريصا حتى أسابيع قليلة خلت على حل سياسى يكون هذا النظام جزءا منه، عبر مبادرة رباعية تبناها بالاتفاق مع إيران وروسيا.

واقترن هذا التحول بجملة من المواقف التى تنطوى على أخطار كبرى تهدد مصر وسوريا معا، وأمتيهما العربية والإسلامية على حد سواء. فقد اقترن هذا التحول بشحن مذهبى رهيب سعيا إلى تحويل الأنظار عن الغضب الشعبى المتنامى فى مصر، ومحاولة إقحام الإسلام فى الخلاف السياسى مجددا، وإعادة إنتاج الاستقطاب المصنوع الذى أضعفه إدراك حزب النور والدعوة السلفية أن جماعة «الإخوان» تستخدمه للهيمنة على الدولة، وإقصاء كل من لا يقبل الالتحاق الذيلى بها.

وكان مؤتمر استاد القاهرة ذروة تصعيد بدأ قبله بيومين فى خطاب الشحن المذهبى، الذى يزداد خطره حين يرتبط بميراث طويل من الاتجار بالدين على نحو يسّوغ استخدام مفهوم «الجهاد» فى غير محله بطريقة تسىء إلى الإسلام. ولم يكن تحريف أحاديث نبوية عمدا، عبر تجاهل أن الشام المذكورة فى بعضها لا تعنى سوريا الحالية بل المشرق العربى كله وفى القلب منه بيت المقدس، إلا مثالا واحدا على هذه الإساءة.

وإمعانا فى سياسة خلط الأوراق، التى تتبعها سلطة «الإخوان»، فقد شهدنا مزيجا فريدا من الشحن المذهبى الذى يهدد بفتنة كبرى جديدة والتحريض ضد المصريين الغاضبين على أداء مرسى، وليس فقط المعارضين له، واستدعاء «احتياطى الإرهاب» فى مواجهتهم.

وهكذا، ففى الوقت الذى تدعو فيه سلطة «الإخوان» وأتباعها إلى «الجهاد» ضد نظام الأسد، تلوح بما معناه أنها يمكن أن تفعل مثل ما يفعله عبر تهديد المحتجين على سياساتها بالويل والثبور وعظائم الأمور.

ولا تحفل هذه السلطة، وهى تسابق الزمن للإفلات من استحقاق شعبى ينتظرها بعد أيام، بخطورة تزامن التحول فى موقفها تجاه نظام الأسد مع إعلان القرار الأمريكى بتزويد المعارضة السورية بالسلاح بعد طول تمنع، ولا بحفاوة إسرائيل بهذا التحول واحتفالها به. ولم يكن هذا التزامن مجرد مصادفة غير سعيدة، بخلاف ما ذهب إليه بعض أنصار «الإخوان» الذين لم يستوعبوا الصدمة. فقد سقطت أوراق التوت إلى حد أنه لم يعد هناك ما يستر الإسراف فى إرضاء أمريكا وإسرائيل لضمان مساندتهما فى مواجهة الاستياء الشعبى المتنامى فى مصر.

غير أن هذا الإسراف بلغ مبلغا شديد الخطر ولا سابق له عندما طالب مرسى بفرض منطقة حظر جوى فى سوريا. وربما يكون هذا هو أخطر ما تضمنه خطابه على الإطلاق، رغم أنه لم يلفت الانتباه خلال الأيام الماضية ربما بسبب ما حفل به المؤتمر الذى أُلقى فيه هذا الخطاب من مشاهد وكلمات وأدعية خطفت الأضواء عن الدعوة إلى فرض منطقة حظر جوى فى سوريا.

ورغم أن هذه الدعوة ليست جديدة، فهى تنطوى على مغزى خاص عندما تصدر عن مصر، الأمر الذى قد يشجع الولايات المتحدة على تفعيلها بعد طول تردد، مثلما قررت تزويد المعارضة السورية بالسلاح بعد أن ظل هذا القرار مؤجلا لأكثر من عام.

وإذا حدث ذلك، وهو لم يعد مستبعدا، سيكون رئيس مصرى- للأسف- قد فتح الباب أمام إسرائيل لاستباحة سوريا، فلن تخاطر أمريكا وأوروبا بطياريهما وطائراتهما لفرض هذا الحظر فى دولة تمتلك قواتها الرسمية دفاعات جوية قوية حتى الآن.

ولا سبيل لتجنب هذه المخاطرة إلا بالاعتماد على القوات الجوية الإسرائيلية بعد أن أثبتت قدرتها على اختراق الدفاعات السورية فى غارات عدة وصلت إحداها إلى مكان قريب من قصر بعبدا فى بداية الشهر الماضى.

فهل يصبح تمكين إسرائيل من سوريا أحد الأثمان الفادحة لتمكين جماعة «الإخوان» من مصر، وألا من رجل رشيد فى جماعة أفقدها النهم للتمكين عقلها فصارت سياسات سلطتها خطرا على الأمة كلها؟.

 

المصرى اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى