يفتح الله يا عم الحاج

بالرغم من أن المصريين يعلمون فى قرارة أنفسهم أنهم من أغنى شعوب الأرض بحجم الآثار التى تركها لهم أجدادهم.. ويستدعون هذه المعلومة كلما احتاجوا لها للتباهى بها على أى شعب آخر.. ويعلمون أنهم مقصرون فى الاهتمام بهذه الآثار، حيث لم يتعلموا منذ الصغر كيف يهتمون بها ويقدرونها لخضوعهم لسياسة تعليمية تبث الجهل أكثر من العلم وتجردهم من هذه الهوية.. وبالتالى يشعرون بأنها مهدرة.. وبأنها تعانى من الإهمال الشديد منذ زمن طويل، رغم بعض الترميمات التى تعتبر طفيفة بالقياس بالقدر المطلوب.. لأنهم يشاهدون بعيون رؤوسهم كم العجز الحكومى على صيانتها والجهل بقيمتها وضيق ذات اليد بجانب القذارة التى تحيط بها وكم البلطجية الذين يتعيشون من سرقة السواح ويقطعون عيش الطبقة الشريفة العاملة بهذا القطاع.. ويتألمون ويثورون عندما يعرفون أنها يتم تهريب المتحرك القابل للنقل منها وأنها جُرّفت بشكل كبير على مدى سنوات طويلة سابقة.. وهم عندما يسافرون للخارج يحرصون على التصوير بجانب مسلاتهم المسروقة ويتفاخرون بما هو موجود من آثارهم فى المتاحف العالمية.. ويرددون طوال الوقت أنهم أبناء حضارة عظيمة.. وقد تزايدت هذه المعرفة وتنامى الانتماء إليها رغم العجز عن التعبير عندما دخلنا فى عصر الظلام الحالى.. ورأوا كيف يتربص أعضاؤه بها ويتنكرون لها وينوون بها شراً ويكفرون من يمجدها..
■ وبالرغم من أنهم كانوا يتمنون طوال الوقت أن تُراعى هذه الآثار الرعاية المناسبة.. وأن تكون هناك منظمات دولية تحفظها وتنفق عليها وتروج لها عالمياً، كما فعلت فى المبادرة العالمية لإنقاذ معبد أبوسمبل، الذى كان نقله من مكانه حدثاً كونياً تابعه كل سكان المجرة.. وكما يحدث كل فترة عندما يقف العالم عاجزاً عن فك طلاسم الهرم الأكبر ويجمع علماءه للحضور فى حدث عظيم يصور محاولاتهم التى تبوء بالفشل فى كل مرة لتبرهن على الإعجاز الدائم لهذه الحضارة.. ويتمنون أن ينالهم من خير بلادهم جانباً، حيث ستنتعش حياتهم إذا انتعشت هذه الآثار وحصلت على الاهتمام الذى تستحقه، لأنهم يعلمون أن السياحة الخاصة بهذه الآثار، إذا تم استثمارها على الوجه الأمثل تستطيع أن تنتشلهم من الفقر والجهل وتجعلهم من الشعوب الطافية على وجه الأرض فى هذا العالم.. وتعيد لهم بهاء وجههم الذى ذهب..
■ إلا أنهم ثاروا ثورة عارمة عندما تناقلت الأخبار نبأ العرض الذى تقدم به «مواطن ما» يعرض على وزارة المالية تأجيرها لمدة خمسين عاماً لـ«جهة ما» أو «دولة ما» «خليجية كانت أو ما».. بمبلغ مائتى مليار دولار.. ففرحت وزارة المالية بهذا العرض وحولته على هيئة الآثار لتعرضه عليها.. وكأن العرض احتوى بين سطوره على هذا المعنى «إيه رأيكوا يا جماعة فيما عرضه هذا المواطن الشريف اللى مش مزقوق من حد ولا حاجة.. ولا منتمى لفصيل حاكم ولا حاجة.. ولا واجهة لدولة ما ولا حاجة.. حاشا وماشا يعنى.. بيقولك نأجر البلاوى الفرعونى والعياذ بالله المترّبة اللى قارفانا دى ونقفش من وراها مبلغ كله حنية يسد بق الجعانين الهبيانين ويحنن النونة ويروشنا حبة حلوين ويلهى ولاد الكلب المعارضة عننا لحد ما نوصل للانتخابات ونترستأ ونتملك منهم نوهائى ونطلّع بظاظى عينيهم؟؟.. عجبكوا العرض باركوا وكبّروا.. ماعجبكوش أدينا نبقى عملنا بالونة اختبار جديدة وفرقعت فى وشنا زى غيرها وكان الله بالسر عليم.. ساعتها ترفضوا إنتوا العرض وتتشضضوا وتسمعونا بُقين حمضانين من بتوع وطنى وطنى دول.. وإحنا ننكر إنه اتعرض أصلاً أو نلزقها فى المواطن اللى محدش عارفه ده ويمكن نحاكمه كمان وننفخه وبس خلاص.. تخلص الهليلة»..
■ ولكن.. لماذا ثرنا ورفضنا هذا العرض السخى من وجهة نظر اللى عرضه؟؟.. مجانين مثلاً؟؟.. مابيعجبناش العجب؟؟.. نعم مابيعجبناش العجب.. فأنتم العجب نفسه.. ولسنا مجانين قطعاً.. بدليل أننا لم ندخل معكم فى نقاش وفصال.. يعنى أبسط حاجة ماسألناكوش.. والمبلغ ده حانقبضه على بعضه والا مقطع؟؟.. يعنى حناخد أربعة مليارات دولار كل سنة من الخمسين.. مقطوع كده؟؟.. ماقلنالكوش مثلاً إن مثل هذا المؤجر الذى سيقوم بتأجير الآثار المفروض لو خدّم عليها صح وعملّها الدعاية والتسويق المطلوب وأمنها وروقها ونضفها.. المفروض على أقل تقدير أن يصل عدد زوارها وحدها لحد أدنى عشرة ملايين سائح، بعيداً عن سياحة الشواطئ والسياحة العلاجية والدينية والذى منه.. عشرة مليون سائح يعنى عشرة مليار دولار فى السنة.. تبقى بيعة بايظة وحانتقلّب فيها..
■ ماسألناكوش إشمعنى الآثار الفرعونية؟؟.. هل لإنكم قرفانين منها وعايزين ترموا ذنب التعامل عليها على ناس تانية عشان ماتاخدوش ذنوب.. هل مدكنين مؤجرين تانيين مثلاً للعتبات الإسلامية، زى التراكوة أو الإيرانيين أو سلطان بروناى؟؟.. طيب وهل حاتستحوذوا على ريع إيجار الآثار الإسلامية لوحدكوا بصفتكم وكلاء الإسلام فى الأرض وبقية الشعب زناديق؟؟.. طيب والكنائس حاتدوها للفاتيكان هى والسفير الجديد اللى ناويين تبعتوه هناك؟؟.. والمعابد اليهودية بقى فيفتى فيفتى مع الحبايب؟؟..
■ ما سألناكوش هو المواطن ده سعّر الآثار بالمبلغ ده إزاى.. يعنى طلع الكيلو بكام معاه؟؟.. إيجار قديم والا جديد يعنى؟؟.. قدم دراسة مثلاً مبنية على عروض سابقة.. يعنى جابلنا ملف برج بيزا مثلاً أو سور الصين العظيم واقف عليهم اليوم بكام فى حالة التأجير؟؟.. طب عمل جرد للمنقولات اللى حاتتأجر؟؟.. طب معبد الكرنك لوحده بكام؟؟.. يمكن نحتاج نأجر حتة وحتة لأ.. أو نرمى بياضنا بمعبد زؤنن كده ونشوف الزبون ريالته حاتنزل والا إيه..
■ ثرنا بدون نقاش.. مما أثار بالتأكيد عجبكم.. وتساؤلكم.. لما إنتوا معترضين على القرض.. إزاى ماتقبلوش صفقة زى دى تنقذنا من الخراب اللى إحنا فيه؟؟.. والرد..
■ لأننا يا سادة ليس لدينا حتى استعداد لمناقشة الأمر معكم.. لم نعد نثق بكم من هنا لحد آخر صباعنا.. لم نعد نصدق حرفاً واحداً مما تقولونه أو تسربونه أو تشيعونه أو أى أونَه..
■ لأننا رأينا معدومية خبرتكم فى إدارة الشؤون البسيطة لهذا البلد.. لأننا تأكدنا من مشاهداتنا أن خبرتكم الاقتصادية تنحصر فى تجارة العملة.. وتجارة الأغذية المدعومة أو شرائها جملة وبيعها قطاعى.. أو تجارة الملابس.. بكل رجالاتكم الذين تصدرونهم لنا على أنهم فلتات الزمان فى الاقتصاد، وهما مش عارفين يعملوا مصنع واحد من الصناعات الثقيلة ولا حتى الخفيفة خُف الريشة.. مش عارفين يشغلوا المصانع الموجودة فعلا واللى جابت ضُلفها..
مش عارفين يخترعوا أى حل من أى نوع لمشاكل هذا البلد الاقتصادية، اللهم إلا الطلوع علينا بهذه البالونات التى إن دلت فإنما تدل على خيبة بالويبة.. عاملين زى الست الخايبة اللى لما تلوص تنده بتاع الروبابيكيا وتشيله حتة من عفش البيت الأنتيك برخص التراب وتجيب بالفلوس جوز فراخ والا دكر بط.. يتاكلوا ويتهضموا ويتسربوا عالصرف الصحى..
■ لأننا لا نثق فى كيفية تصرفكم فى هذه الأموال لو تمت صفقة من هذا النوع.. إيش درانا حاتصرفوها على البلد والا على الانتخابات والزيت والسكر والدعاية.. لأن أحداً منكم لا يخاطبنا بما يدور فى مالية هذا البلد.. وإن خاطبنا لا يصدق..
■ خلاصته.. لا نثق بكم.. ونعتبركم مرحلة مؤقتة لا يمكن استمرارها تحت أى ظرف.. وبالتالى لا نأمن على تاريخنا معكم.. يفتح الله يا عم الحاج.. شوفلك شعب أهبل تانى غيرنا..
المصرى اليوم