الأخبار

هذه هى الحقيقة.. للأسف

 

155

 

الخبر الجيِّد أن الجيش لا يحكم مصر الآن.

الخبر السيِّئ أنه لا أحد يحكمها.

نحن فى فوضى لا يعلم بها إلا ربنا.

أحسد هؤلاء الصِّبية الذين يتأنتخون أمام الكيبورد ويقررون أنه لا طير يطير من فوق الشجرة إلا بأوامر العسكر، فهؤلاء يحملون نظرة شديدة الإيجابية عن قدرة العسكر فى التحكم، ونظرة حالمة عن أن البلد محكومة أصلًا.

المؤسف فعلًا أننا أسرى تنميط بليد، ننظر من خلاله فنحكم على أى شىء، خبر يتمّ نشره على شبكة الإنترنت وبعدها بدقيقة تجد ألف تعليق دون أن يتروَّى أى واحد فيهم فى التحقُّق من الخبر ومن استكمال معلوماته ومن معرفة زواياه، بل ينطلق أبو العرّيف فى التعليق اليقينى الأهبل بلا ذرة من تردد. الأنيل من هذا أن التعليقات كلها قطيعية تمامًا، فبمجرد إذاعة معلومة بصرف النظر عن صحتها إطلاقًا، فإن عشرة تعليقات سريعة تتحكم فى توجيه التعليقات التالية، فالكل يمشى كالقطيع يقول نفس الكلام ويضيف عليه مزيدًا من القباحة أو الاستظراف حسب جهده وقدرته على العطاء.

هذا يحدث من ناس متعلمة وعاملة نفسها بتفهم، لأ وكمان نشطاء ونخبة، وكلهم لا يترددون فى الدَّلْدقة فى الكذب والتسرُّع فى الحكم واليقينية البلهاء. الأنكد من هذا كله أنه من المستحيل أن تظهر الحقيقة بعدها، فلا أحد يتراجع عن كذبه وعن رأيه بعدما تَوَرَّط فيه حتى ذقنه، ولم يعد أحد مستعدًّا لمناقشة أنه أهبل وقع فى فخّ فيحدث أسود من ذلك، وهو التنكيل بالحقيقة، سواء بتجاهلها أو بإنكارها أو بالاستخفاف بها.

لهذا فمن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إقناعُ مجانين بأنهم مجانين.

ليس مهمًّا إقناعُ أحد، المهم أن تقول الحقيقة، والحقيقة بالمناسَبة هى معلومات ثبت لديك بالدليل صحتها، والصحيح فى مصر الآن أنها بلد مفكوكة، الجيش يتصرف بمنتهى الحساسية والأرتيكاريا من تجربة طنطاوى وعنان فيبعد عن أى صناعة لأى قرار حتى ما يجب أن يقول فيه رأيه، حساسية مفرطة رغم أنه لا يوجد بنى آدم على الساحة السياسية سيصدق هذا، رغم أنها الحقيقة، حتى فى لجنة الدستور، فالجيش لا يتكلم إلا فى المواد التى تخصُّه، وفيها فقط، ويبدو غيرَ عابئٍ عمدًا بما لا يخصه، حتى اجتماعات اللجنة مع عدد من المسؤولين لم يسمعوا فيها من الجيش إلا كلامًا عن موادّ المؤسسة العسكرية فقط.

ثم هناك رئيس الجمهورية، وهو يردد هكذا بوضوح رغبة تكاد تكون يومية بالعودة إلى المحكمة الدستورية، ويعدّ الأيام لتنتهى هذه المهمة، يفوض كل ما يملك قراره لحازم الببلاوى ويكتفى بما تقتضيه الأوضاع دون أن يرفع سماعة التليفون ليسأل وزيرًا أو ينبه مسؤولا أو يستدعى رئيس مخابرات أو رئيس جهاز رقابى. وأتحدى أن يكون قد عاتب أو هاجم أو استفسر أو استنكر أى شىء لأى وزير مثلًا، ثم الحكومة، وهى عدة جُزر، وفيها فريقان: فريق يعمل وفريق يثرثر، فريق يخشى أن تقع البلد، وفريق يخشى أن يوقّع ورقة، فريق يريد ترشح السيسى للرئاسة وفريق يعمل على أن لا يترشح السيسى للرئاسة، فريق يخشى من تفكك البلد وفريق يخشى من تعليقات «تويتر»، فريق يعمل وفريق يعمل على أن لا يعمل الفريق الآخر.

ثم هناك مؤسسات القضاء مثلًا، وهى مستقلة تمامًا وكليةً فى قراراتها (وهو ما يوضح لماذا هى متناحرة)، وجهاز مركزى للمحاسبات، ورقابة إدارية، وهى حرةٌ حرية رائد فضاء متروك وحيدًا فى الفضاء، وإعلام حكومى يتصرف أفراده من دماغهم، وإعلام  خاص يتصرف كما يحلو له وكما يخلو له.

البلد مفكوكة جدًّا.

لكن ما يجعلها تبدو متماسكة هو خطر الإخوان الداهم،

ولا شىء آخر!

 

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى