تحقيق – زواجي رهن عذريّتي!

 

226

 

دامت خطوبتهما لعامين لم يعكّر صفوها سوى بعض المشكلات البسيطة العابرة، الى أن لعب شيطان التقاليد والأعراف في عقل ذلك الشاب الثلاثيني وجعل مفهومه الشرقي المتحجّر للرجولة المربوطة زوراً بالفحولة، ينسيه حبه الكبير والعميق لخطيبته. فقبل الزفاف بأيام، دعاها الى شقتهما التي يضفيان عليها اللمسات الأخيرة، وكان أن أقنعها بأن تسمح له أن يمارس معها الجنس في شكل كامل وأن تمنحه بكارتها كونهما سيتزوجان بعد أيام. وبعدما كان ما كان، فتركها مبرراً بأنه لن يتزوج من تسمح له بأن ينتهك لها عذريتها قبل الزواج!

لا تزال المجتمعات الشرقية تعتبر عذرية الفتاة مقياساً لأخلاقها وتربيتها، وبالتالي أهليتها كزوجة وأم، وتفرض عقوبات قاسية على الفتاة التي تفقد عذريتها تتدرج من التشهير والنبذ الإجتماعي إلى الحرمان من الزواج لتصل إلى القتل الذي يحميه القانون تحت مسمّى جريمة الشرف! ولو بحثنا قليلاً عن الركائز التي بنى عليها المجتمع قوانينه تلك، لوجدنا أنها خليط من الفهم المغلوط لبعض التعاليم الدينية والأعراف السائدة التي لا يُعرف أساسها.
ينظر المجتمع الى غشاء البكارة على أنه وُجد لكي يكون رقيباً على الحياة الجنسية للمرأة بحيث يشكل غيابه دليلاً على أنها قد مارست الجنس. وبغض النظر عن منشأ هذا التفسير يبدو واضحاً تماماً أنه تفسير ذكوري أولاً وذو طابع أخلاقي ثانياً باعتبار الربط الغريب السائد بين الأخلاق والجنس عند المرأة فقط!
وفي هذا يقول الإختصاصي في علم النفس الإجتماعي الدكتور كمال بطرس، “في كلا الأمرين لا ذنب للطبيعة لأنها لا تفضل الذكور على الإناث ولا تكترث بالأخلاق، فقانونها هو البقاء للأقوى سواء كان ذكراً أو أنثى. وفي الحقيقة، ليس ثمة تفسير علمي قاطع لسبب وجود غشاء البكارة، فهو عديم النفع من الناحية الحيوية، مثله مثل بعض الأعضاء البشرية التي لم تعرف لها وظيفة محددة كالزائدة الدودية مثلاً، وغيابه لا يؤثر على أي وظيفة لدى الإنسان. رغم ذلك، يقدم ديزموند موريس في كتابه “القرد العاري” تفسيراً متطوراً قد يكون مقنعاً، يفترض أن الطبيعة بإيجادها هذا الغشاء تجعل الاتصال الجنسي الأول للأنثى صعباً وحتى مؤلماً، وهي تؤكد بذلك أن هذا الاتصال لا يجب أن يؤخذ بخفة واستهتار كي لا تجد الأنثى الشابة نفسها حاملاً وعلى وشك أن تصبح أماً من دون وجود شريك مناسب يشاركها تلك المسؤولية الضخمة، لذلك هي بحاجة الى إنشاء رابطة ثنائية ذات شحنة عاطفية عميقة قادرة على التغلب على الألم الجسدي الذي يسبّبه تمزق الغشاء قبل أن تخطو تلك الخطوة”. لكن هذه النظرية تعرضت لانتقاد قوي يستند إلى الحقيقة القائلة إن غشاء البكارة ليس حكراً على البشر، فهو موجود لدى بعض الحيوانات الثديية، وإناث هذه الحيوانات لا تحتاج الى التروي في اختيار شريكها، على الأقل لأن إنجاب الأطفال لا يعد مسؤولية ضخمة لديها.
إذاً حتى هذه اللحظة، ما نستطيع أن نقرره بيقين تام وفق بطرس، “هو أن غشاء البكارة عضو زائد عن الحاجة من الناحية العلمية، ولا أهمية لوجوده أو عدم وجوده، لذلك ليس هناك سبب طبيعي لتفضيل العذراوات على غيرهن. وحتى لو أخذنا بنظرية موريس، فإن الإستنتاج الذي يمكن أن نخرج به منها “هو أن الطبيعة وهبت الأنثى هذه الميزة التطورية لتساعدها في اختيار الذكر الأكثر ملاءمة، وليس لتساعد الذكر في اختيار الأنثى الأكثر عفافاً. فالأنثى هي المسؤولة أمام الطبيعة عن بقاء النوع وتطوره وهي صاحبة الحق بالإختيار، وهي التي يحق لها أن تصنّف الذكور إلى ما يصلح وما لا يصلح، ولعل هذه الحقيقة واضحة للعيان في جميع أنواع الكائنات الحيّة، بما فيها البشر رغم محاولات الذكور المستمرة لتغيير هذا الواقع”.
ولما كانت مجتمعاتنا الشرقية غالباً ما تحدد شرف الفتاة “بعذريتها”، فعلى هذا المبدأ المتوارث والذي يشكل جزءاً من ثقافة مجتمعاتنا المتوارثة، تبنى النظرة الذكورية نحو المرأة. وخوفاً من العار لجأت بعض المجتمعات الى عملية ختان الفتاة لقتل غريزتها الجنسية كما يظنون. فماذا عن مجتمعنا اللبناني؟ وماذا تعني له البكارة؟

 

النهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى