الأخبار

«أولاد حمزة».. حكاية 3 أشقاء على خط النار

155

 

 

كان من الصعب أن يخلو بيت من القلق، فما من عائلة إلا وقدمت أحد أبنائها ليدفع ضريبة الدم فى صفوف القوات المسلحة.. القلق على الأبناء فى ظل الظروف العصيبة التى كانت تمر بها البلاد، كان أمرًا عسيرًا على نفوس المصريين، خاصة أسر المرابضين على خط النار، إلا أن الأمر فى بيت عبدالرحمن حمزة، كان أشد وطأة.

اقرأ ايضا:

«الشروق» تقلِّب فى أوراق عبدالقادر حاتم.. مهندس «المفاجأة الاستراتيجية» في 6 أكتوبر

«عبدالرحمن» لم يكن له أبن في المعركة، وإنما ثلاثة من الأبناء، بدأ انخراطهم في الجيش، أبتداء من حرب الاستنزاف، ليجد الوالد نفسه نهبًا للقلق الدائم، والذي كان يواجهه بالصبر والدعاء.. نصحه المقربون بالتمسك بنصوص القانون، إلا أنه كان يلجأ إلى نصوص القرأن.. طالبه الأقارب بالإلتماس للقوات المسلحة ليعود أحد أبنائه، إعمالا للقانون 55 لسنة 1955، والتي تنص على عدم السماح بتجنيد أكثر من اثنين من أبناء العائلة الواحدة، لكن «عبدالرحمن» كان يفضل الثبات والصبر والدعاء، مكتفيبا بترديد الأية الكريمة ــ من يوسف: «عسى الله أن يأتينى بهم جميعا».

بتلك العقيدة، تمسك «عبدالرحمن»، ومثله كان غالبية المصريون، متسلحين بالقرآن والإنجيل فى مواجهة الصعب، لتكون النتيجة، جيل من الأبطال، انتزعوا النصر من بين الصعاب.

أول هؤلاء الأبناء الرائد (احتياط) موسى عبدالرحمن ،الذي امتدت خدمته بالقوات المسلحة 14 عاما، عمل خلالها كضابط مجند بالقوات المسلحة فى سلاح الإمداد والتموين.

وشارك «موسى» فور التحاقه بالجيش فى حرب الاستنزاف «كنت مسئولا عن إمداد وتموين العديد من الفرق العربية التى شاركت مصر فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، فقد كانت هناك وحدات تابعة لدول الجزائر والكويت والسودان، وكانت إحدى هذه المهمات، تأمين دخول إحدى الفرق السودانية إلى مصر، وإحضارها إلى الكلية الحربية بالقاهرة لإجراء اختبارات الكفاءة القتالية، تمهيدًا لمشاركتها لقوات الجيش المصرى القتال.

وعن توقيت الحرب يقول الرائد موسى: «لم نخطر مطلقا بتوقيت الحرب ووقت اندلاعها.. كنت فى منطقة الزعفرانة على خليج السويس بالناحية الغربية، وفوجئنا بطائراتنا تتحرك لتضرب أهداف خلف خطوط العدو، وعلى الفور جاءت لنا تعليمات سريعة بتجهيز مواد تموينية لقوات عبرت خط بارليف.

تعرض الرائد موسى، لإصابة بشظية أسفل العين، يقول عنها «أطلقت علينا زوارق يهودية النار أثناء محاولاتنا العبور للضفة الشرقية، فردت عليها المدفعية المصرية الساحلية وأصابت زورق لهم، وخلال تبادل إطلاق النار، أصابتنى شظية أسفل العين».

الأخ الثانى هو الملازم أول (احتياط) مصطفى عبدالرحمن، مهندس المكيانيكا، كان التحق فور تخرجه فى القوات الجوية، وخاض فى صفوفها حرب أكتوبر: «كنت مع زملائى مسئولين عن إعادة تموين الطائرات وإمدادها بالذخيرة.. أتذكر أن الطائرات حينها كانت تهبط على طريق للسيارات بعدما تم استهداف مدرجها.. وقبل اندلاع المعارك، كانت هناك مشاهد كثيرة تدل على اقتراب الحرب منها عمليات الحشد واستدعاء بعض الاحتياط».

الأخ الثالث فهو المجند مختار عبدالرحمن، كان قائدا لدبابة قتالية، والتحق بالجيش سنة 1971، وانضم إلى سلاح المدرعات؛ يقول مختار: «التجهيزات التى سبقت الحرب كانت عبارة عن تدريب مستمر، وعمليات عبور وهمية تتم على ترعة الإسماعيلية، وتجارب ومناورات بالذخيرة الحية، بمنطقة عجرود على طريق السويس القاهرة، ومناطق أخرى».

ويضيف: «كنت ضمن أول عن دفعة مؤهلات التحقت بالقوات المسلحة كمجندين،وكانت نقلة نوعية مهمة؛ نظرا لتسليح الجيش وقتها بأسلحة تكنولجية حديثة، استلزمت مستوى معين من التعليم».

وعن العبور يقول: «كان كحفل الزفاف.. لكن سرعان ما توقف ذلك الفرح بعد العبور وتفرقت بعض الكتائب والقوات، وكان القتال على الأرض فى منتهى القسوة».

روعة المقاتل المصرى

قال المشير أحمد إسماعيل، القائد العام للقوات المسلحة فى حرب أكتوبر فى مقابلة صحفية مع الأستاذ محمد حسنين هيكل، عن اللحظات الأولى من العبور: «أمامنا فى ميدان القتال أحسست بأن المفاجأة بالنسبة لهم كانت كاملة. لقد كانت لهجة التبليغات من المواقع الإسرائيلية المتقدمة إلى قياداتها توحى كلها بالمفاجأة الكاملة».

كانت هذه التبليغات تحمل عصبية لا تصنعها غير المفاجأة. وفى الحقيقة فإن المنظر الذى رأوه أمامهم بعد المفاجأة الأولى كان منظرا مخيفا من وجهة نظرهم، عظيما من وجهة نظرنا.

وقد بدأوا يضربون ضربات طائشة، ثم بدأت هجماتهم المضادة مرتبكة، ثم أخذوا يتمالكون أعصابهم ويردون. لكن قواتنا كانت تتدفق من الغرب على الشرق. وفى الساعات الأولى من القتال لم تكن الدبابات قد دخلت، وإن كانت قد دخلت عناصر مضادة للدبابات انتظارا لهجمات العدو المضادة على قواتنا التى لم تكن دروعها قد لحقت بها بعد. لكن كل شىء كان يسير وفق ما قدرناه، وربما أحسن مما قدرنا.

كنا على استعداد لخسائر فى العبور كبيرة، لأنه كان علينا أن نقتحم طريقنا مهما كان الثمن، ولقد ضحينا ولكن تضحياتنا كانت أقل مما قدرناه لأن الإنسان المصرى كان فى هذه الساعات الحاسمة على مستوى إحساسه بتاريخه وعلى مستوى أمله فى مستقبله».


الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى