الأخبار

لا سياسة في الرياضة

60

 

كما أن أسبانيا تقترن في كثير من الأذهان بفريقي ريال مدريد وبرشلونة، فإن الأهلي والزمالك علامة دالة على مصر في كثير من الأذهان على مستوى العالم الذي يبدو الآن مهموما باستعادة الثقافة الأصيلة للساحرة المستديرة، ومن بينها ذلك المبدأ الأساسي: «لا سياسة في الرياضة.» ولا رياضة في السياسة

وها هو كتاب جديد يصدر بالانجليزية بعنوان: «خوف وبغض في الليجا: برشلونة في مواجهة ريال مدريد»، والمؤلف سيد لوي يتناول في هذا الكتاب قصة الصراعات التاريخية بين الفريقين الكبيرين في دوري كرة القدم الأسباني .

وعلى عكس ما قد يوحي به عنوان الكتاب من «خوف وبغض أو كراهية»، فلولا هذا الصراع التاريخي والمستمر بين برشلونة وريال مدريد لفقدت الكرة الأسبانية مذاقها المميز ونكهتها التي تحمل دوما عبق الفريقين أو “قطبي الليجا”، حتى ان الكتاب ذاته يبرهن على أنه لا حياة لأحد القطبين إلا بحياة الآخر .

وكما هو الحال في ارتباط فريقي الأهلي والزمالك باسم مصر، فإن هذا الكتاب الجديد يؤكد على مفهوم ارتباط برشلونة وريال مدريد بالأمة الأسبانية وفتوة اسبانيا وعزم رجالها، رغم أن برشلونة ينتمي لإقليم كاتالونيا الذي لا يخلو من نزعة استقلالية وشطحات انفصالية.

وإذا كانت الساحرة المستديرة لا تحب هيمنة القطب الواحد ولا تحلو في أي بلد إلا بوجود قطبين كرويين، فهذا العام وهذا الشهر شهد انتصارين كبيرين لقطبي الكرة المصرية بما ينعش كرة القدم في مصر كلها ويعيد الروح للمستطيل الأخضر

فالأهلي فاز بكأس بطولة دوري أبطال أفريقيا ليصنع كعادته أحلى ابتسامة على وجه مصر والجماهير العريضة الوفية وليصعد من جديد لبطولة كأس العالم للأندية، كما أن الزمالك أسعد جماهيره الغفيرة بفوزه هذا العام ببطولة كأس مصر بعد أن عزت انتصاراته على مدى خمس سنوات .

ورغم فرحة الفوز وانتعاش الآمال بصحوة كروية جديدة، فثمة حالة من الغضب الشعبي جراء محاولات مرفوضة من جماهير الساحرة المستديرة وعشاقها الحقيقيين لإقحام السياسة في الرياضة

ونظرة على الصحف ووسائل الإعلام، ناهيك عن جدل الشارع وغضب المواطن، تكشف عن حالة رفض قاطع لإقحام السياسة في الرياضة أو الخلط بين الرياضة والسياسة حتى لا تتحول الرياضة وخاصة كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية الأولى في مصر إلى فائض وجع بدلا من متعة بريئة في مشهد حياة  فيه ما يكفي من الأوجاع والمنغصات ويبدو أن الوقت قد حان بالفعل في مصر لتفعيل المبدأ الأساسي في عالم الرياضة والمعمول به في كل أنحاء العالم وهو :« لا رياضة في السياسة ولا سياسة في الرياضة»، بعد أن تبين أن الخلط بين الرياضة والسياسة كاد يفسد الرياضة والسياسة معا .

فالملاعب فضاء للتنافس الشريف وبناء قدرات الشباب وليست ولا ينبغي أن تكون منابر سياسة أو أرض الاحتراب والتحزب والمكايدات السياسية أو رفع الشعارات لصالح هذا الفصيل أو ذاك، تماما كما أنه ينبغي للجميع ادراك أن التنافس في أي مباراة أو بطولة دولية تحت علم مصر هو شرف ما بعده شرف لأي لاعب ورياضي مصري .

ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال المصادرة على حق أي لاعب في اعتناق ما يشاء من آراء وتبني ما يهواه ويستهويه من مواقف سياسية ولكن مكان ذلك كله ليس داخل المستطيل الأخضر أو الحلبة وانما هناك في الأحزاب السياسية التي يمكن أن ينضم لها هذا اللاعب أو ذاك كمواطن وناخب .

اما أندية مصر فلا مكان فيها للمكايدات السياسية وانما هي قلاع للوطنية المصرية كما يشهد على ذلك التاريخ وقراءة الذاكرة لناد مثل النادي الأهلي الذي أسس عام 1907 توضح وتجسد مقولة «قلعة الوطنية المصرية»، فهو النادي الذي أسس بدعوة وطنية أطلقها الزعيم مصطفى كامل، كما انتمى له سعد زغلول زعيم ثورة 1919 وجمع كل أطياف الجماعة الوطنية المصرية وعبر عن نبض الوطن الأسمى فوق كل الأحزاب والأكبر من أي تصنيفات سياسية .

وبقدر ما اهتم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بالنادي الأهلي وكان يشعر بالقلق عند كبواته وكذلك المشير عبد الحكيم عامر الذي عرف بانتمائه الكروي لنادي الزمالك، فإن هذا النادي تولى رئاسته يوما ما أحد أكبر رموز الرأسمالية الوطنية المصرية وهو أحمد عبود باشا، ومن قبل توالت على رئاسته أسماء شهيرة في الفضاء المصري العام مثل عبد الخالق ثروت وأحمد حسنين .

كما تولى رئاسته في مرحلة فاصلة وحافلة بالتحديات بمنتتصف ستينيات القرن العشرين بقرار من جمال عبد الناصر أحد الرموز المضيئة للجيش الوطني المصري وهو الفريق أول عبد المحسن مرتجي الذي رحل مؤخرا ..

ولن ينسى التاريخ دور الراحل الجليل عبد المحسن مرتجي في اقالة النادي الأهلي من عثراته ليدفع به ثانية نحو المقدمة والانتصارات التي ترسم ابتسامة واسعة على وجه مصر والملايين والملايين من جماهير النادي صاحب الشعبية الطاغية حتى في العالم العربي.

والأهلي الذي رسم ابتسامة عريضة مؤخرا على وجه مصر بفوزه لم يصنعه نجم وانما هو صانع النجوم وصاحب الأفضال على الجميع ممن تشرفوا بالفانلة الحمراء، ثم ان السؤال البديهي في سياق كهذا :ما العمل إن اتى لاعب آخر في الفريق ذاته أو في الفريق المنافس بإشارة أو ايماءة تعبر عن رأي سياسي في الاتجاه المضاد؟

وهل تتحول المباراة الرياضية بلاعبيها ومتفرجيها الى معركة رموز سياسية؟! إنه التحريف الخطير لتاريخ الساحرة المستديرة والانحراف الفادح عن ثقافتها الأصيلة والعدوان السخيف على براءة متعة الرياضة والمبدد لشمل بهجتها ..

وسواء كان ما ذهب اليه البعض في عناوين صحفية – من أن هذا اللاعب أو ذاك: «فوق الحساب»- هو أمر من قبيل التحريض الممجوج ضد لاعب بعينه أو بدافع الاستياء الحقيقي والغضب المبرر، فينبغي التأكيد على أنه لا يوجد أحد في الأهلي أو غير الأهلي فوق الحساب بل إن الثورة الشعبية المصرية بموجتيها انطلقت يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 حتى لا يكون هناك أحد أيا كان في هذا البلد فوق الحساب والقانون .

وقراءة ذاكرة الأهلي حافلة بوقائع لها مغزاها التاريخي المنتصر لثقافة الانضباط ومن بينها ما حدث في منتصف ثمانينيات القرن العشرين عندما قرر حسن حمدي المشرف حينئذ على كرة القدم وبدعم كامل من رئيس النادي «المايسترو صالح سليم» الرد على مابدا وأنه تمرد للاعبي الفريق الأول قبيل مباراة مع الزمالك بدفع تشكيل كامل من الناشئين في هذه المباراة ذات الأهمية الخاصة والتي انتهت بفوز الأهلي .

بل إن أحد أعظم لاعبي كرة القدم في تاريخ مصر والأهلي وهو حسين حجازي تعرض لعقوبة الايقاف لمدة ثلاثة أشهر عام 1928 وهو كابتن فريق الأهلي أيامئذ لما بدا منه من سلوك معيب أثناء تسلم الميداليات بعد أن جاء الأهلي بالمركز الثاني في بطولة كأس مصر ولم يسمح لحجازي وهو من هو في عالم الساحرة المستديرة بالمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية .

وكان خالد مرتجي عضو مجلس ادارة النادي الأهلي قد أكد في هذا السياق على أن مباديء النادي لا تتجزأ ولا فرق بين لاعب وآخر فيما يخص هذه المباديء، معيدا للأذهان أن حسن حمدي رئيس مجلس ادارة النادي الأهلي يشدد على أن الرياضة لاعلاقة لها بالدين أو السياسة .

وإذا كان الكتاب الجديد لسيد لوي يؤكد على أن قطبي الكرة الأسبانية، اي فريقي ريال مدريد وبرشلونة، هما تاريخيا أكبر من أي لاعبين بالفريقين على الرغم من كم الأسماء التي يعرفها القاصي والداني في العالم للاعبين النجوم وأشهر مشاهير الكرة الذين لعبوا أو يلعبون ضمن هذين الفريقين، فلعل تلك الحقيقة تنطبق أيضا على قطبي الكرة المصرية الأهلي والزمالك.

نعم هناك حاجة لإعادة صياغة المجتمع الرياضي المصري بثقافة جديدة هي ثقافة متعة الإبداع التي تتضمن الفوز وتتجاوزه نحو تحقيق غاية الرياضة ومبتغاها الأصيل أي المتعة البريئة والسجال الباسل بعيدا عن النزعة التجارية التسليعية البغيضة أو الغرور الشعبوي الذي كاد يطيح بعقول بعض اللاعبين بأوهام نجومية لا تدوم .

متعة نريدها وسجال شريف نتطلع له في المباراة المرتقبة باياب المرحلة الأخيرة للتصفيات الأفريقية المؤهلة لكأس العالم بين الفراعنة ونجوم غانا السوداء بغض النظر عن النتيجة، فيما لا تخفى دلالة نفاد تذاكر المباراة بالكامل قبل 48 ساعة من اقامتها.

نريد “بلاغة الساحرة المستديرة” على المستطيل الأخضر في لقاء مع ضيوف أعزاء هم بين أهلهم وفي وطنهم الثاني.. مجرد ابتسامة على وجه مصر التي منحتكم الكثير ولا تريد منكم الكثير!

غدا نريدها سيمفونية في حب مصر ومشاعر مفعمة بالود الصادق لأفريقيا وأبناء غانا الصديقة.. غدا سيحمل المستطيل الأخضر ابداعات أبناء أوفياء لمصر بمفردات المتعة وستتراقص الساحرة المستديرة بارتعاشات الفرحة.. أليست غايتها هي المتعة البريئة؟! هذه غايتها وتلك ثقافتها الأصيلة .

 

التحرير

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى