إليها و عتها …لــ رويدا سامى

قررت أن تخلع الحجاب..لم تتصور يوم لبسته أنها قد تخلعه يومًا..تذكرت استنكار أسرتها لأنهم كانوا يرونها غير مستعدة لارتدائه..تذكرت كم كانت واثقة أنها ترتديه لترضى الله وحده و تؤدى فرضًا من فروضه..كم كانت تتعجب من الفتيات اللاتى يخلعنه و تراهن قد ارتكبن فعلاً شنيعًا..كم كان كل شئ حولها يدفعها إلى ارتداء الحجاب..تذكرت كل هذا و استعادت كل ما مرت به خلال هذه الفترة.
الحجاب بالنسبة لأى فتاة هو تنازل عن متعة فى سبيل إرضاء الله عز و جل..أو إرضاء أسرتها..أو المجتمع..متعة تسلل نسمات الهواء إلى شعرها..متعة ارتداء ما تتمنى أن ترتديه.حين ارتدت الحجاب كانت تدرك ذلك و على أتم استعداد له ، و الكثيرون أشادوا بشكلها بعد ارتداء الحجاب و أنه زادها جمالاً على جمال ، حاولت أن تعتاد الحجاب و تحبه و تلتزم به كما ينبغى و لم تستطع..لم تتوقف المعاكسات رغم أنها لم تكن ترتد شيئًا -فى نظرها- ملفتًا! استمرت فترة طويلة من حياتها تغالب نفسها و تدعو الله أن يثبتها..لكن الزمن يمر..و تفكير الإنسان يتغير..و ما كان مقتنعًا به يومًا ما يتبدل كلما طال به العمر، نحن أجيال تتعلم الدين بالوراثة..هى تعرف أن الحجاب فرض لأنهم قالوا لها أنه فرض..و لم تبحث هى فى الأمر ، قررت أن تبحث و جابت الإنترنت ذهابًا و إيابًا تقرأ و تسمع كل الآراء..لا تنكر أنها كانت من داخلها تميل إلى الآراء التى تجزم أنه ليس فرضًا من الله ،مع الوقت بدأت تفكر فى خلعه جديًا..البعض أيد قرارها أو على الأقل نصحها بفعل ما هى مقتنعة به..و البعض الآخر خوفها من عقاب الله و من كلام الناس و نميمتهم و نظرتهم لمن تخلع الحجاب على أنها أجرمت فى حق نفسها و دينها..كأنها تحمل أوزار المجتمع كله و ليس وزرها وحدها!
خلعت الحجاب..نزلت إلى الشارع لأول مرة منذ فترة طويلة بشعرها مكشوفًا..غيرت صورتها على مواقع التواصل الاجتماعى إلى صورة لها دون الحجاب.و بالطبع لم يفاجئها السؤال العبقرى الذى ينم عن قوة ملاحظة”أنتى قلعتى الحجاب؟” و هذا السؤال إذا ردت عليه بالإيجاب يحدثها البعض عن سوء ما ارتكبته..و يكتفى البعض بنظرة مستنكرة أو “براحتك” و جمل من هذا القبيل ، تقرأ الاستنكار فى بعض الوجوه..و التعجب فى البعض الآخر.المضحك أن تلك النظرات كانت من المحجبات و غير المحجبات..و من الشباب المنحرف أخلاقيًا قبل الملتزم !كلنا بشر و كلنا نتأثر بما يقول الناس و لو أنكرنا..لكنها لم ترتد الحجاب يوما من أجل الناس..بل من أجل رب الناس..رب الناس الرحيم الغفور الودود الذى هو أرحم عليها من الناس..و أحن عليها من سهام نظراتهم..و طعنات كلماتهم ،رب الناس الذى يحب عباده و أنعم عليهم بنعمة العقل و حثهم على التفكير و البحث و التأمل..فإذا كانت هى قد بحثت و فكرت و وصلت إلى ما وصلت إليه سواء أصابت أو أخطأت..لماذا الخوف؟
“مش حتلبسيه تانى؟”سؤال يطرحه عليها الكثير و ينتظرون منها إجابة واثقة..كأنها تعرف الغيب أو قادرة على التنبؤ بما سيهتدى إليه عقلها فى الغد ،كل يوم يطرح عقلها تساؤلات جديدة..و تقرأ أفكارا لم تخطر ببالها ، كل يوم تتبدل آراء البشر و معتقداتهم و اتجاهاتهم و هذا ليس عيبًا ،المهم أن تفعل ما هى مقتنعة به و ستخرس ألسنة الناس عاجلاً أم آجلاً..و سيجدون شيئًا آخر يتحدثون عنه ليشعروا أنفسهم أنهم خير ممن حولهم!
هذا المقال إهداء إلى صديقة من أقرب الناس إلى قلبى..و ليس تأكيدًا أو نفيًا لكون الحجاب فرضًا أو لا..و ليس دعوة إلى خلع الحجاب على الإطلاق..هذا المقال دعوة إلى سعة الأفق و تقبل الآخر بأفكاره و معتقداته كما هى..و التوقف عن إصدار الأحكام كأننا آلهة..و دعوة إلى التحرر من قيود المجتمع و الناس إذا كانت لا ترضى العقل..المهم أن تكون قرارات الإنسان تشعره بالرضا..و الفرح.
ملحوظة: كنت سأكتب نفس المقال-مع بعض الاختلافات-إذا كانت إحدى صديقاتى تفكر فى ارتداء الحجاب أو النقاب.