الأخبار

القرضاوى “يتطاول” على الجميع فى استقالته

38

كتبت هبة الشافعى

أعلن الدكتور يوسف القرضاوى استقالته من هيئة كبار العلماء، مؤكّدا أن الشعب هو صاحب الأزهر وليس شيخ الأزهر.

وزعم القرضاوى أن منصب شيخ الأزهر والمناصب القريبة منه الآن، مغتصبة بقوة السلاح.

وننشر نص الاستقالة التى نشرها عبر موقع التواصل الاجتماعى:

“الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اتّبع هداه، وبعد.. فقد كان الأزهر الشريف فى القرون الماضية هو قائد الأمة فى دينها وثقافتها وتعليمها وإصلاحها، وعندما كان يقول كلمته، يعلنها كبار علمائه، وأعلام دعاته، فتهتزّ لها القلوب، وتدين لها الجوارح، ويخضع لها الكبار والصغار، ويمضى الشعب بهذه الكلمات خلف زعمائه، معلين كلمة الله، رافعين راية الإسلام”.

وأضاف البيان: “كان الأزهر يستقبل فى أروقته العلمية أبناء العالم الإسلامى، من الشرق والغرب، والشمال والجنوب، من مذاهب أهل السنة المعروفة: من حنفية، ومالكية، وشافعية، وحنابلة، ويخرجهم علماء للأمة، يدعون للإسلام على بصيرة، ويفقهون الناس عن بيّنة، ويقولون للأمراء والحكام: اتقوا الله واحفظوا دينه.. وقد ظل الأزهر قائما برسالته، محافظا على عهده، ناصحا لله ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم، فى عهد المماليك والأتراك، والخديوية والملوك، وقاد الأزهر الثورة ضد الفرنسيين، وضد الإنجليز، وظل صامدا فى قيادة الشعب، إلى أن جاءت الثورة، لتغير ما به”.

واستكمل: “فلما ابتلينا بأزهر غير الأزهر يسير فى الركاب، ويمسح الأعتاب، لكل فاجر كذاب، كان لا بد للعلماء الأحرار أن يكون لهم موقف، لا ينبع إلا من القرآن والسنة.. لذا أتقدّم أنا يوسف عبد الله القرضاوى باستقالتى من هيئة كبار العلماء، إلى الشعب المصرى العظيم، فهو صاحب الأزهر، وليس لشيخ الأزهر، حيث إنى أعدّ منصب شيخ الأزهر والمناصب القريبة منه الآن، مغتصبة بقوة السلاح، لحساب الانقلاب العسكرى المغتصب المشؤوم، كمنصب الرئيس المصرى سواء بسواء، ويوم تعود للشعب حريته، ويرد الأمر إلى أهله، فإن على علمائه أن يختاروا شيخهم، وهيئة كبار علمائهم، بإرادتهم الحرّة المستقلّة، ليعبِّر وليعبروا عنهم، وليس ليعبِّر عن نفسه دونهم”.

وأتبع: “أحبّ أن أقول للشعب المصرى: إننى والحمد لله فى الثامنة والثمانين من عمرى، ولست فى حاجة إلى أى منصب من المناصب، وقد أكرمنى الله عز وجل بالرضا والقبول من الشعوب والحكام فى العالم الإسلامى كله، ولا أريد إلا أن تسترد أمتى مكانتها العليا التى كانت لها، وسلبت منها. وهى جديرة أن تستعيدها، وعلى الأزهر الحر أن يكون أحد أعمدتها الرئيسة.. لقد وضعت يدى فى يد شيخ الأزهر منذ سلم المشيخة، لأكون سندا له مع إخوانى المخلصين، ناسيا أو متناسيا ما كان منه قبل ذلك، حين كان مديرا لجامعة الأزهر، واتهم طلبته بما هم برآء منه، لحساب حكومة مبارك، ونسينا أو تناسينا أنه كان عضوا فى حزب الدولة، وفى لجنة السياسات، وقلنا: عفا الله عما سلف، ولنبدأ صفحة جديدة، ولكنا مع الأسف لم نجد إلا الارتماء فى أحضان الاتجاه الانقلابى الذى قوض ثورة 25 يناير، وكل ما قدمته للبلاد من الحرية والكرامة، والديمقراطية والشورى، والدستور والنظام المدنى الجديد، ودولة المؤسسات، التى هدمها الانقلاب كلها. وليس هذا ما أسس له الأزهر، وما أنشئت له هيئة كبار العلماء”.

وأضاف كما جاء فى نص الاستقالة: “لقد كنت فى مصر، ودعانى بعض الإخوة لألقى كلمة على منصة رابعة، إثر مهلة اليومين لوزير الدفاع، ولكنى آثرت أن أوجِّه كلمتى لكل الشعب المصرى من منبر محايد، عبر الفضائيات، أدعو فيها للمّ الشمل، ومقاومة الطغيان، ومعالجة الأخطاء من رحم إرادة الشعب، وليس عن طريق الانقلاب العسكرى، الذى طغى فى البلاد، فأكثر فيها الفساد، والذى جرّبه الشعب المصرى، واكتوى بويلاته من قبل.. ثم فجعنا وفُجع الشعب المصرى بمشاركة شيخ الأزهر فى مشهد الانقلاب، وإلقائه لبيانه المخزى الذى أعلن أنه ارتكب فيه أخف الضررين، وأى ضرر أكبر وأثقل من إلغاء الديمقراطية المنتخبة، وتحكيم العسكر فى الشعب؟! ورغم أن شيخ الأزهر كان قد أعلن فور توليه للمشيخة فى كل حواراته حينها: أن تراجع الأزهر بدأ من حقبة عبد الناصر، منذ أفقدت السلطةُ الأزهرَ استقلاليته بتدخلها فى شئونه، وكان المنتظر منه مع هذا الرأى أن يُبقى الأزهر نصيرا للشعب، بعيدا عن السلطة وتقلباتها، ولكنه لم يفعل”.. وقد انتظرت وأنا فى مصر قبل إعلان رأيى منفردا أياما، لعل شيخ الأزهر يدعو لاجتماع لهيئة كبار العلماء، لترى رأيها فى الأحداث الجسام التى تمر بها مصر، فلم يدع له، فما كان منى إلا أن أصدرت فتوى مستقلة، أعلنت فيها رأيى، ونصرت الحق الذى أعتقده، وكذلك فعل الدكتور حسن الشافعى ممثل شيخ الأزهر، ورئيس المجمع اللغوى، والدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامى الحر، وهما معنا: عضوا هيئة كبار العلماء”.

وأضاف البيان: “كان على شيخ الأزهر بعد أن ظهرت عدة آراء من أعضاء هيئة كبار العلماء، أن يجمع الهيئة لترى رأيها، وتصدر عن قول واحد بالإجماع أو الأغلبية، وتعلنه للشعب المصرى، تحق فيه الحق، وتبطل الباطل، ولو كره المجرمون.. ومتى تجتمع هيئة توصف بأنها هيئة كبار العلماء إذا لم تجتمع عقب المذابح والأحداث الجسام، التى روعت الشعب المصرى: فى الحرس الجمهورى، والمنصة، وفى المنصورة والإسكندرية والمحافظات، وفض اعتصامات رابعة والنهضة التى حصدت فيها آلاف الرقاب، وسالت الدماء، وسيق الشرفاء من رجال أتقياء أنقياء، ونساء صالحات قانتات، إلى المعتقلات والسجون، واقتحمت الشرطة المسلحة، ومعهم البلطجية ورجال الجيش: مساجد القائد إبراهيم والفتح وغيرهما، وتم اقتحام الجامعات المصرية، وعلى رأسها جامعة الأزهر، وصدرت الأحكام التعسفية ضد شباب الأزهر، بالحكم على كل منهم بسبع عشرة سنة، وعلى فتيات الإسكندرية، على كل منهن بإحدى عشرة سنة، وهو ما لم يحدث قط فى تاريخ مصر، وفصل سبعمائة وعشرة (710) من طلاب الأزهر، واعتقال العلماء، ومطاردة الأحرار، والتضييق عليهم، وإغلاق القنوات الدينية، ومصادرة الحريات، وسد الشوارع على الناس بالدبابات والعربات المصفحة، وضرب الناس بالقنابل المسيلة للدموع، والخراطيش، وغيرها من المواد الضارة.. لقد انتظرنا شيخ الأزهر أن يرجع إلى الحق، وأن يعلن براءته من هذا النظام التعسفى الجائر، الذى صنع فى أيام وأسابيع: ما لم يصنعه عبد الناصر والسادات ومبارك فى ستين عاما، من قطع الرؤوس بالآلاف، وجرح وسجن أضعافهم. أو يدعو شيخ الأزهر لاجتماع الهيئة، ونصحناه فى أكثر من موضع أن يراجع الحق، فالرجوع للحق خير من التمادى فى الباطل ووسّطنا الوسطاء، ورددنا عليه ردًّا علميًّا نشرناه، لنقيم الحجة عليه وعلى غيره،، ولكن يبدو أن الرجل يفضل الجلوس بين لواءات المشيخة، على الجلوس إلى إخوانه العلماء”.

“على أننى باستقالتى هذه أجُنِّب أتباع شيخ الأزهر، وأتباع الحكومة الطاغية: عناء تقديم طلبات لإقالتى من الهيئة، فهيئة هذا مسلكها: لا خير ينتظر من ورائها، ولا فائدة تُرجى من البقاء فيها، ولا تصلح هيئة لمثلى. وإنى لأدعو كل الأحرار المخلصين من العلماء وأبناء الأزهر: أن يعلنوا رفضهم لما يجرى فى مصر بكلِّ شجاعة، وأن يستقيلوا من هذه الهيئة التى ماتت وأمست جثة هامدة، ليتركوها كما تركتها لشيخ الأزهر وأتباعه، كما قال القائل:
خلا لكِ الجو فبيضى واصفرى * ونقِّرى ما شئتِ أن تنقِّرى.. لا بد للأزهر من هيئة علمائية حرة، يختارها أبناؤه، لا يختارها شيخه، فتكون له المنة عليهم. ولا يخفى على ما ستجرُّه هذه الاستقالة من تصاعد الحملات ضدى، التى تسخر لها وسائل إعلام يقوم على الافتراء المحض، ولا يستحى من الله ولا من الناس، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل: 105] كما يستأجر ويسخر لها شخصيات عامَّة دينية وسياسية، وما قد يحيق بشخصى وأسرتى من مؤامرات، غير أننا نضع نصب أعيننا قول الله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39]، {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51] وهو حسبنا ونعم الوكيل.

“وإنى لأنتظر سقوط هؤلاء المتجبرين الظالمين المفترين بعد قليل، وقد قال تعالى: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم: 15] {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: 111] {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61] لقد سقط هؤلاء الظالمون المظلمون من عين الله تعالى، ثم سقطوا من أعين الشعب، ثم سقطوا من أعين العرب والمسلمين، وكل يوم يمر تزداد البلاد فيه فسادا وتقهقرا، فى شتى المناحى المادية والمعنوية، ينزلون بالبلد من حسن إلى سيئ، ومن سيئ إلى أسوأ، ومن أسوأ إلى الأشد سوءا، لا يبنون حجرا، ولا يسدون ثغرة، ولا يسترون عورة، ولا يطعمون جائعا، وكل يوم يزداد الناس تبرما وشكوى. وعندما يزداد الضغط: لا بد أن يتولد الانفجار. وهذه نهاية الظالمين. {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل: 52]. {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِى ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَى مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]، {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74].

وأضافت الاستقالة كما جاء فيها: “إن الله تعالى يبقى الدول بإقامة العدل، وإن كانت كافرة، ويزيل الدول بالظلم، وإن كانت مسلمة، ولن يظل عرب الخليج يمدون مصر التى جمعت بين الطغيان والفساد، أبد الدهر، فسينفضون أيديهم من هؤلاء الذين كذبوا عليهم، وقالوا لهم: إنما هى أسابيع معدودة، وسيتغير كل شىء، وسيزول الإخوان والإسلاميون وأتباعهم. وأبى الله إلا أن يكذبهم، بكل ما يجرى من وقائع تخرسهم وترد عليهم”.. لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا فالظلم ترجع عقباه إلى الندم.. تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم.. إن سنة الله التى لا تتبدل: أن ينتصر الحق على الباطل، وينتصر العدل على الظلم، وينتصر الشعب على الطاغوت، وأن يمن سبحانه على الذين استضعفوا فى الأرض، ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين، ويمكن لهم فى الأرض، ويرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون.. اللهم يا حى يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، نسألك أن ترحم شهداء أمتنا فى مصر، وفى سوريا، وفى العراق، وفى فلسطين، وفى الصومال، وفى سائر أرض الإسلام، اللهم اشف جرحانا ومصابينا فى كل مكان.. اللهم فك أسر المسجونين والمعتقلين، وفرج كرب المكروبين، واجمع كلمة المؤمنين، وخذ الظالمين أخذا أليما شديدا، وأنزل عليهم بأسك الذى لا يرد عن القوم المجرمين، وانصر أمتنا نصرا عزيزا، وافتح لها فتحا مبينا، واهدها صراطا مستقيما، إنك نعم المولى ونعم النصير.. والله من وراء القصد، وهو الهادى إلى سواء السبيل”.

 

 

اليوم السابع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى