طاعون فى العقل والروح

■ كثيرون جدًّا من الناس انزعجوا واهتزت أبدانهم غضبًا ووجلًا وقرفًا من هلفطات قادة وأتباع جماعة الشر الفاشية السرية بعدما أخذهم الجنان الرسمى واستبدت بهم الوقاحة الإجرامية لدرجة تشبيه المناضل الإنسانى الكبير الراحل نيلسون مانديلا بـ«ذراع» الجماعة الشريرة التافه محمد مرسى. ذلك الذى نزعه الشعب المصرى مع العصابة كلها من بدن دولته ومجتمعه وألقى بهما فى صفيحة زبالة تاريخه. وقد اعتبر أغلب هؤلاء المنزعجين أن مجرد عبور اسم مانديلا على ألسنة هذه الكائنات الشوهاء، فضلًا عن جرأة ووقاحة مقارنة مرسيهم بذلك الرمز العظيم من رموز كفاح البشر من أجل أسمى وأرقى قيم ومبادئ ومعانى الحرية والانعتاق والمساواة والتسامح وإعلاء كرامة الإنسان فى أى مكان، إنما هو إجرام نقى وتشهير شنيع بسيرة رجل يتربع على عرش القلوب فى مشارق الأرض ومغاربها، كما أنه ينطوى على إهانة وحط من قدر الإنسانية جمعاء.
والحق أننى ما كنت أكتب هذه السطور لولا ما سمعته من صديق أبدى إلىَّ خوفه وخشيته من أن يغرى هذا الجنان الرسمى الإجرامى مساجين آخرين مدانين فى قضايا نشل وسرقة وقتل واغتصاب وخلافه أن يعتبروا أنفسهم أشاوس ومناضلين كبارًا هم أيضا، وربما يقلدون أعضاء عصابة الشر ويتطاولون على سيرة نيلسون مانديلا ويقارنون وضعهم وحالهم المزرى بوضع وحال الراحل العظيم، فقط لأنهم دخلوا السجن وأقاموا فى الزنانين كما أقام وعاش هو لمدة 27 عاما من دون أن يهتز أو تتشوه روحه أو يتراجع عن إيمانه بحق شعبه وسائر البشر فى كسر أغلال القهر والظلم والعبودية!
غير أننى أطمئن صديقى المذكور أعلاه وكل من يشاركونه هذا الخوف من اتساع نطاق السفالة والوقاحة، أن النشالين والحرامية الغلابة أغلبهم طيبون جدا وأكثر شرفًا وأقل إجرامًا وأضعف شرًّا من إخوان الشياطين.. أنا واثق ومتأكد جدا.
■ طلبة الإخوان فى الجامعات، هذه القطعان من الفتية والفتيات الصغار الذين تنقل لنا العدسات يوميا صورهم الصادمة المروعة وهم يمارسون أبشع أنشطة التخريب والعربدة الهوجاء ويجترحون آيات معجزات من السفالة والبذاءة وقلة الأدب، كنت أظن وأعيش على أمل أن نسبة كبيرة أو قليلة منهم قد تستجيب لبرامج علاج وإصلاح وتثقيف وتهذيب مدروسة وممنهجة، لكنى أعترف بأن هذا الأمل بدأ يتآكل ويتبدد بسرعة، وأخذ يتسرب إلى وجدانى شىء يشبه اليقين بأن التشويه والتدمير العقلى والنفسى والروحى والأخلاقى الذى تعرض له هؤلاء الفتية الأغرار فى كهوف الجماعة المظلمة كان من القوة والقسوة والعمق بحيث لم يعد ممكنًا ولا مجديًا أىُّ علاج أو تقويم.. لقد صرت أقرب الآن إلى الاقتناع بحقيقة مُرة ومحزنة، خلاصتها أننا أمام حالة شاذة وكارثية وميؤوس منها تماما وتحرض الإنسان على الشفقة والتعاطف أكثر كثيرًا مما قد تثيره فى النفس من مشاعر الغضب والقرف.
طيب، ما الحل؟ وماذا نفعل أمام هذه المأساة وتلك الكارثة الإنسانية الثقيلة؟! هل نضعهم مثلا، فى «مصحات» مخصصة لأصحاب العاهات العقلية الخطرة؟ أم نعزلهم فى معسكرات جماعية تشبه معازل الجربانين والمجذومين والمصابين بداء الطاعون؟! والله العظيم ما اعرف، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الدستور الاصلى