2013 عام غضـب الشعوب والطبيعة والقاهرة

115

أحداث ساخنة رسمت ملامح اثنى عشر شهرًا كونت فى مجملها عامًا ميلاديا حمل نسخته رقم 2013 فى التقويم الميلادى, عام حملت شهوره فى طياتها الكثير من المعاناة والمآسى والكوارث الطبيعية والإنسانية والمالية, والقليل من الرفاهية والرخاء لشعوب العالم, عام الإطاحة بالكثير من الأحلام وإجبارها على أن تكون أحلاما مؤجلة للعام القادم.

قراءة فى شهور 2013 المقبل على الرحيل تؤكد أنه كان عامًا دراماتيكى صعبًا على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والبيئية, كبيسا فى واقعه وليس حسابيًا حاسمًا فى مصر والعالم إذ ازدحمت صفحاته بسلسلة طويلة من الأحداث المتلاحقة, وكان النصيب الأكبر فيها للأحداث السياسية وكالمعتاد عجزت كل الأحداث عن إعاقة تقدم عجلة الزمن العام نحو المساهمة فى صنع المستقبل ولكنها ذيلته بدعوات الجميع له بسرعة الرحيل على أمل أن يكون القادم أفضل وأوفر حظا .
2013 بطول أيامه شهد الكثير من الأزمات وتسابق خطير بين القوى المختلفة على التسليح وصراعات وحروب مستمرة منذ سنوات, مناورات وتحالفات سياسية, وشتاء غاضب فى دول الربيع العربي, وتسارع بين القوى المختلفة, وتأجيج الصراعات العرقية والاثنية والطائفية حول العالم مع تجاهل المجتمع الدولى بانتهاكات ضد المسلمين, كإبادة مسلمى بورما وحرق المصاحف والمساجد .
كما حملت شهوره فى طياتها الكثير من المآسى والكوارث الطبيعية والإنسانية التى تسببت فى مزيد من الأزمات, زلازل وفيضانات سيطرت على المشهد الطبيعى للكرة الأرضية, وأوبئة وأمراض غريبة جديدة الظهور سريعة العدوى والانتشار, فرضها هذا العام على البشر نتيجة للتصعيد المستمر لغضب الطبيعة, وإنذارها بأن الأعوام المقبلة ستكون أشد حرارة وغضبا .
اقتصاديا حمل العام محاولات لانعاش الاقتصاد العالمى الذى أكملت أزمته عامها الخامس وألقت بظلالها على الاقتصاديات المتقدمة والمنفتحة تجاريًا, فيما كافح الاقتصاد الأمريكى للتعافى من أزمة اقتصادية مؤجلة وضعته على حافة الافلاس, وكادت تطيح بالنظام الإمبريالى لأكبر دولة رأسمالية فى العالم, وأزمات اقتصادية متلاحقة فى منطقة اليورو أغرقت بعض دولها فى المستنقع المالى .
وسياسيا عانت الشعوب من الكثير من تداعيات التغيير, من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب, وشهد العام تفوق بوتين على أوباما فى الحرب الباردة الجديدة فى الشرق الأوسط, حيث تقوم روسيا بدعم سوريا وتقاوم كل الضغوط الهادفة إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد الذى يضيق الخناق على المعارضة المدعومة من واشنطن, وتقاوم عملية تكثيف الضغوط والعقوبات على إيران, وتعزز علاقاتها مع إسرائيل بالإضافة إلى دخول الأسطول الروسى لأول مرة مياه البحر المتوسط منذ عقود فى مايو الماضي, وتدشين صفحة جديدة من العلاقات المصرية الروسية على أساس استقلال الإرادة السياسية لمصر, وتواصلت خلال العام الجهود الدولية لحل الأزمة السورية وتنفيذ قرارات مؤتمر جنيف 1.
فيما مايزال الإعداد لمؤتمر جنيف 2 يمر بمخاض عسير. رياح التغيير وصلت إلى إيران باعتلاء روحانى سدة الحكم وانتهاجه الدبلوماسية الناعمة مع الغرب فأسفرت عن إبرام تاريخى اتفاق أمريكى إيرانى يضع نووى إيران تحت عيون الغرب, وطفت المصالح على السطح خلال لقاء أوباما وروحانى معلنة عن ميلاد تحالفات أمريكية جديدة فى الشرق الأوسط .
واحتلت مصر محور الأحداث السياسية وحجر زاويتها على المستوى العالمى فى عام 2013 الذى شهد تصادمًا مع الثوابت المصرية, واتسمت سنة ثالثة ثورة بغليان أدى إلى مد ثورى انفجر فى 30 يونيو, ففى النصف الأول من العام تحولت أحلام المصريين السياسة إلى كوابيس فكانت بدايته فترة الخلافات على اتساعها, الطعون والتشكيك فى كل شيء , والارتباك والاضطراب والانفلات الاعلامي, وبات العام فى مجمله تربة خصبة لنمو الشائعات بشكل لافت حتى أنها لم تترك جانبا من جوانب الحياه إلا وطرقته, وتنوعت الشائعات بين قتل وهروب واغتيال وبراءة, وشائعات أخرجت الواقع السياسى عن مساره.
اتفاقيات سرية بين الإخوان وحماس وقطر وتركيا وأمريكا تضرب بالأمن القومى المصرى وتحصين مرسى بزعم أن السلطة القضائية تغتصب صلاحيات الرئيس واختراق القضاء, وغليان فى الأمن الوطنى من الاختراق الإرهابي, وانفلات وجشع ونار الأسعار تكوى جيوب المصريين, فأصبحت مبادئ ثورة 25 يناير فى مفترق الطرق ما بين شعب مستهدف وفوضى الإخوان وإرهاب التكفيرين ومزايدة اليساريين وحدود الوطن ترسمها دماء الشهداء .
وبين يناير ويونيو قاد الشارع نفسه والسلطة فى غيبوبة من الأهل والعشيرة وغاب الستر الشعبى عن النظام الحاكم رغم شرعيته, وتهيأ المشهد للاحتقان والانفجار بمد ثورى جديد, تجمعت إرادة الشعب وانضمت القاعدة الشعبية للطبيعة الثورية, وتغير مجرى الأحداث فكان الانتحار السياسى للجماعة قدرها المحتوم الذى كتبه عليها عام 2013, وأعلنت خارطة الطريق فى 3 يوليو الماضي.
وتعمدت أمريكا إساءة قراءة المشهد السياسى, وقررت قطع المساعدات العسكرية وإلغاء المناورات, واصطدمت بالإرادة الشعبية, غير مصدقة أن تلك الإرادة أفسدت مشروعها الكبير, فمنحت مصر فرصة فريدة للندية فى العلاقات الخارجى بشكل عام والانحياز التلقائى للمصلحة المصرية فحسب .
وشهد الشارع المصرى تناحرًا وعنفًا لم يسبق لهما مثيل امتد من الميادين إلى الشارع ومن المدرسة إلى الجامعة, رسائل ربعاوية وتعليمات سرية, وعلامة النصر تواجه أصابع رابعة الأربعة, وقبل أن يلملم العام أيامه الأخيرة استعدادا للرحيل نجحت مصر فى إنجاز أول استحقاق من خارطة الطريق بوضع دستور توافقى يراعى حقوق جميع المصريين وتم دعوة الشعب للاستفتاء على الدستور الجديد منتصف الشهر الأول من العام الجديد .. ليستحق عام 2013 فى مجمله لقب عام “العقاب الشعبي” لأن الشعب هو القائد الذى لا يُجبر على شيء لا يقبله.

الوفد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى