الأخبار

رسائل السيسي الخطيرة بين السطور

34

 

لم يترك الفريق عبد الفتاح السيسي أي فرصة للحديث مع الجمهور العام إلا وأرسل رسائل ضمنية بين السطور لم يتوقف عندها كثير من الناس الحالمين بمستقبل أفضل للبلد ، والحقيقة أن أحداث الستة أشهر التي سبقت الإطاحة بمرسي ولقاءات قائد الجيش مع مثقفين أو فنانين أو سياسيين ، كشفت عن دهاء لافت للسيسي في توصيل رسائل بين السطور ، فهمها من فهمها وغفل عنها من غفل ، وفي الآونة الأخيرة ومع ازدياد المطالبات له بالترشح لرئاسة الجمهورية والتي وصل الهوس فيها والجنون إلى حد الدعوة لتنصيبه رئيسا بدون انتخابات ولا ترشيحات ، قال الفريق السيسي أن هذا الموقف له ضريبة ، هل تتحملونها ، أشار إلى ما تعانيه البلاد في اقتصادها وأنها قد تحتاج لشرب الدواء المر ، فهل أنتم مستعدون ، وقال أنها ستحتاج إلى أن نقتسم اللقمة من أجل أن نوجد مأوى للمشردين ، فهل أنتم مستعدون ، الرسائل شديدة الخطورة وعميقة الدلالة ، ويمكن أن تعطي اختزالا كاملا للبرنامج السياسي الذي سيعمل وفقه الفريق السيسي إذا أتى رئيسا للبلاد ، وهو الأمر الذي أصبح مرجحا الآن ، وأستطيع أن أحدد معالم خطوات السيسي في عامه الأول بثلاثة محاور ، على سبيل القطع ، المحور الأول هو فرض حالة تقشف اقتصادي حادة مع رفع الدعم عن الوقود بصورة متسارعة لردم الهوة السحيقة في ميزان المدفوعات ، وقد يفاجأ الناس خلال عام واحد بأن سعر لتر البنزين 92 وصل إلى ستة جنيهات ، وسعر لتر السولار وصل إلى ثلاثة جنيهات ، بكل ما يترتب على ذلك من تداعيات في ارتفاع الأسعار على جميع السلع ، المحور الثاني وهو محور تقليدي للنظم العسكرية أو شبه العسكرية عندما تدشن عهدها ، وهو شن حملة ملاحقات واسعة النطاق على منظومة الفساد في الدولة والاقتصاد وعالم رجال الأعمال ، هو هنا لا يحتاج كثير جهد ، فالخريطة واضحة لديه وضوح الشمس خاصة بعد الخضات التي أحدثتها ثورة يناير وكشفت بها المستور ، إضافة إلى أنه كان يرى أحشاء الدولة وخريطة فسادها على مدار عدة سنوات من أعلى نقطة ملاحظة في أعلى مؤسسة أمنية في الدولة وأكثرها نفوذا وخطرا ، المخابرات الحربية ، وهذه الحملة ستكون مدفوعة بأمرين ، صناعة شعبية سياسية جديدة بوصفه مطاردا للفساد ، والاستفادة من ملاحقة الفساد في تصحيح جوانب من الخلل في اقتصاد الدولة وأموالها ، والمحور الثالث وهو التوسع في النظام الضريبي الحالي ورفضه بصرامة مع تغليظ العقوبات ، لأن الهدر في هذا القطاع يعادل عشرة أضعاف ما يتم تحصيله بالفعل ، ويكفي أن شخصا بحجم المهندس نجيب ساويرس ظل متهربا من الضرائب سنوات طويلة دون أن يمسه أحد ، حتى حاصره نظام مرسي وأجبره على تسوية موقفه الضريبي مقابل سبعة مليارات جنيه دفع منها نصف مليار ، ثم توقف تماما بعد سقوط مرسي . المعضلة الاقتصادية التي سيواجهها السيسي سيضاف إليها تجفيف في موارد الدعم الخليجي تدريجيا ، والتضييق عليها وخنقها بشروط ومراقبات صارمة ، لأن هناك في الخليج من لا يريد له أن يستمر ، وسيتوقف الأمر على البدائل الإقليمية أو الدولية التي يمكنه التواصل معها لتغطية تقلص هذا المدد الخطير والضروري في المرحلة الأولى من حكمه ، وهي بدائل محدودة وليست بهذا السخاء، أيضا سيكون عليه مواجهة حقيقة صادمة ، وهي أن صنبور السياحة سيظل مغلقا لعدة سنوات ، إذا استمر الوضع الحالي بعنفه وانقسامه ، لأن الانسداد السياسي يوسع دائرة العنف ويخصب البيئة الحاضنة للإرهاب فيكثر تفريخها ، ولا يخفي أن هذا الإرهاب الأسود لا يكتفي بضرب السياحة ، بل إن عينه على شرايين أخرى شديدة الخطورة والحيوية بالنسبة للاقتصاد المصري لن يتورع عن استهدافها مثل قناة السويس التي تم تكثيف وتشديد الحماية الأمنية لها مؤخرا بعد التهديدات الإرهابية ، ولأن أي خطأ أو سهو يصعب إصلاح عواقبه ، ولذلك ستكون هناك حاجة لمنظومة أمنية خاصة وعالية الكفاءة ومستدامة لضمان الحماية الكاملة . سيكون هناك أيضا تحدي للعنف الصامت ، أو غير الدموي ، لأن ملايين المصريين الذين يشعرون بالتهميش والقهر والإحباط والقسوة الأمنية ، ويعجزون عن مواجهة ذلك كله أو لا ينزلون للشوارع والتظاهرات ، سيفرغون شحنات الكراهية والغضب في تعاملهم مع الدولة ومؤسساتها ومصالحها ، وهذه الملايين التي تنتشر في جميع شرايين الوطن ومصالحه وأجهزته ومؤسساته ووزاراته ومنظومته البيروقراطية يمكن أن يربكوا أي جهد تنموي مهما كانت عبقريته النظرية ومهما كان حجم الإنفاق عليه ، لأنهم في النهاية هم الذين يحققونه واقعا أو يدفنونه ، ولن يصلح في هذا المقام توصيف ذلك باختراق الدولة ، وإنما بعواقب الانقسام الوطني والشعبي ، فأنت لست أمام مئات أو آلاف تخترق جهازا أو وزارة ، بل أمام ملايين يمثلون نسيج الشعب نفسه وخلاياه المتناهية الصغر . لا أعرف ، هل هذه الصورة حاضرة بشكل كاف عند الفريق السيسي ومجموعته ، وهل هي حاضرة بشكل كاف عند من يحرضونه على مسار القطيعة والإقصاء والسياسة الأمنية والقضائية الباطشة ، لا أعرف  ولكني على يقين من أن مستقبل مصر القريب مفتوح على تحديات أكثر خطورة مما يقدر كثيرون ، ومفتوح أيضا على مفاجآت كثيرة  لن يكون بعضها سارا للفريق السيسي والحالمين بعصاه السحرية لتدشين دولة الأمن والرفاه والاستقرار .

 

المصريون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى