الأخبار

العودة إلى الفطرة

59

 

 

على مقهى بلدى قرب ميدان السيدة زينب كان هناك حوالى خمسين مصريا فى الاسبوع الماضى يشاهدون مباراة الجزائر مع روسيا فى نهاية مباريات المجموعة فى نهائيات كأس العالم المقامة الآن فى البرازيل.

التعادل بأى نتيجة كان يكفى الفريق الجزائرى للصعود إلى الدور التالى، والبرهنة على أن الفريق العربى الوحيد المشارك يستحق فعلا الصعود إلى النهائيات.

كل الجماهير التى كانت تشاهد المباراة شجعت الجزائر باستثناء اثنين فقط.

الجمهور كان عينة عشوائية حقيقية.. عمال فى مطاعم ومحلات ملابس مختلفة وباعة جائلون وموظفون وسكان ينتمى غالبيتهم إلى الطبقة المتوسطة.

أحد العمال فى المقهى كان متعاطفا مع ألمانيا واشتبك معه المتفرجون كلاميا فى أكثر من مرة وأحدهم قال له: «يا أخى حرام عليك دول عرب ومسلمين زينا».

انتهت المباراة وتعادل الفريقان وصعد الجزائر إلى دور الستة عشر. وسط فرحة حقيقية بين الحاضرين وكأنهم كانوا يشجعون الفريق المصرى.

مساء الاحد الماضى وفى نفس المقهى كان المنتخب الجزائرى يواجه الفريق الألمانى، وكان نفس عدد المتفرجين تقريبا وربما أكبر قليلا،لكنهم كانوا أكثر حماسا فى تشجيع الجزائر باعتبار أن فوزها يعنى تمثيلا عربيا أفضل فى المونديال.

فى هذه الليلة الرمضانية صمت العامل الذى لم يشجع الجزائر فى المباراة الأولى واختفى الآخر، وتعامل الجمهور المصرى مع الفريق الجزائرى وكأنه منتخب مصر فعلا. عندما كان المنتخب الجزائرى يهاجم يقف المشجعون يلومون اللاعب الجزائرى لأنه أضاع الفرصة، ويحمدون الله لأن هجمة خطيرة ضاعت من الفريق الألمانى.

وعندما سجل نجم ألمانيا مولر هدفه فى الدقيقة الثالثة من الوقت الإضافى الأول خيم الصمت على الجميع، ثم عادوا لتشجيع الجزائر وعندما سجلت المانيا هدفها الثانى قبل النهاية بدقيقة اشاد كل الحاضرين بالاداء البطولى للجزائر.

كنت حاضرا فى المباراتين على المقهى وحمدت الله أن آثار المباراة الكارثية بين مصر والسودان فى أم درمان بالسودان فى 18 نوفمبر 2009 قد اختفت، وأدركت أن الأخوة والعروبة والثقافة والهوية الواحدة قد انتصرت على كل عوامل الفرقة.

تحالف الجهلاء والأغبياء والمتآمرين والسذج فى البلدين فى 2009 أساء إساءة بالغة إلى العلاقات وظننا أن ذلك سوف يستمر إلى الأبد بين الشعبين.

الفطرة السوية هى التى تنتصر فى النهاية. كل من اساءوا إلى العلاقات بين البلدين أدركوا حجم جرمهم وبعضهم اعتذر، ولكن هناك من يحاول للأسف تخريب العلاقات على غرار ما حاولته بعض وسائل الإعلام الجزائرية تعليقا على زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للجزائر قبل أيام، وإن كان البعض يعتقد ان الأمر يتعلق بمحاولات «إخوان الجزائر» تخريب التقارب والتنسيق المتنامى بين البلدين.

لن نجادل فى العلاقات الرسمية، فهى تخضع لعوامل مختلفة ومتغيرة، لكن ما يشغلنا أن تظل العلاقات بين الشعبين طيبة وطبيعية. وما حدث من سلوك الجمهور المصرى فى تشجيع الجزائر يؤكد أن الذين راهنوا على تخريب العلاقات قد فشلوا فشلا ذريعا.

ما حدث هو درس لكل المراهنين على تخريب العلاقات بين الشعوب العربية خلاصته انهم قد ينجحون مؤقتا، لكنهم سوف يفشلون فى النهاية.


الشروق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى