الأخبار

“النداء الأخير” لإنقاذ آثار “الدرب الأحمر”

97

كتب- على عبد العزيز وأحمد النوبى

 

يُعد حى الدرب الأحمر من أقدم مناطق القاهرة التاريخية، ويضم ما يقرب من 65 أثرًا إسلاميًا، فضلاً عن احتوائه على جامع الأزهر.

 

ويحتوى الحى على العديد من المساجد التى تجعل المنطقة فريدة من نوعها إذا اهتم بها المسئولون، ومنها: مسجد المردانى، وبوابة المتولى، ومسجد أصلم السلحدار, ومسجد السلطان المؤيد شيخ المحمودى, وحمام بشتاك, ومسجد أحمد المهمندار, وعدد من الأسماء التى تجعلك تشعر بالفخر بمجرد ذكر أسمائها فقط دون أن تراها.
ولكن الوضع على أرض الواقع يشعرك بالمزيد من الحزن والقلق لكثرة الآثار المهملة والمهددة بالكثير من المخاطر أو السرقة لعدم اهتمام وزارة الآثار أو وزارة الأوقاف، فضلاً عن سكان المنطقة الذين يشيّدون الأبنية بشكل بشع بجوار المساجد والآثار مباشرة؛ مما يهدد بالهدم لكثرة الحفر أو صعوبة الرؤية من الأساس.
مسجد «الطنبغا الماردانى» ساحة للباعة الجائلين

 

 

ومن الآثار المهدرة مسجد «الطنبغا الماردانى» بشارع باب الوزير – التبانة، والذى تم إنشاؤه فى العام 740هـ/ 1339-1340م.
من الخارج على أحد جوانب المسجد، كما هو موضح بالصور، يوجد عدد من المعدات المستخدمة فى بناء إحدى البنايات بجوار المسجد, بالإضافة إلى “عربة فول” واثنين من الباعة الجائلين، وبجوارهم عدد من الأدوات المستخدمة فى عملهم، بالإضافة إلى عدد من الزبائن؛ مما يجعل المنظر العام للمسجد أكثر تشوهًا, وبظهر المسجد مباشرة يوجد أحد المحال المصنوعة من الخشب يعمل بها عدد من الأشخاص لبيع الحلوى رخيصة الثمن وما شابه.
من داخل المسجد يوجد مساحة كبيرة تكاد تكون مهجورة وعديمة الاهتمام, فارغة تمامًا، ويوجد بها مجموعة من الأشجار, والمساحة المخصصة للصلاة لا تتعدى الخمسين مترًا، تضم عددًا قليلاً من المصلين على الرغم من أن المسجد يمكن أن يحتوى 700 مصلٍّ إذا كان على حالته الطبيعية، كما قال راعى المسجد.
«بوابة المتولى» تحول لمكان لا يليق بالآثار الاسلامية

 

 

“باب زويلة” أو “بوابة المتولى”، هو أحد أبواب القاهرة القديمة, ويشتهر هذا الباب، أو البوابة، بكونه هو الباب الذى تم تعليق رءوس رسل هولاكو قائد التتار عليه حينما أتوا مهددين المصريين، وأعدم عليه أيضًا السلطان “طومان باى” عندما فتح سليم الأول مصر وضمها للدولة العثمانية, وتم إنشاء الباب فى العام 485‏هـ، ‏1092‏م.
عندما تمر وتنظر لمكونات الباب تشعر بأنك رجعت لسنوات قديمة، وكأنك بداخل الزمن القديم بكل جوانبه وكأنك ترى كل شىء قرأته بالكتب أو سمعت به يجرى أمامك حاليًا, ولكنك تستيقظ من أحلامك على الفور عندما تسمع صوت الباعة الجائلين والازدحام الذى ليس له أى سبب، فضلاً عن كمية الباعة الجائلين التى تجعل المنظر غير لائق بالآثار الإسلامية الموجودة.

 

مسجد «المؤيد» مكان يندثر بسبب الإهمال

 


مسجد “السلطان المؤيد شيخ المحمودى”، يعتبر أحد مساجد عصر المماليك الجراكسة, يقع بشارع المعز لدين الله ملاصقًا لباب زويلة, أنشأه المؤيد أبوالنصر شيخ بن عبد الله المحمودى الجركسى الأصل، أحد مماليك الأمير برقوق، وكان ذلك ابتداء من عام 818 هـ/1415 م واكتمل بناؤه فى عام 824 هـ/1421م.
يقع المسجد وسط الباعة الجائلين، وبالسرداب العديد من المحال الصغيرة لبيع الذهب وعدد من المنتجات الخاصة بالسيدات وغيرها، وكأنك تسير بسوق يسوده الكثير من الفوضى دون مراعاة لحرمة المسجد من الناحية الدينية أو إفساح الطريق أمام السائحين للنهوض بملف السياحة، أو مجرد حق النظر لمثل هذه الآثار.
من الداخل يتضح أن المسجد لا يزال فى حالة ترميم أو ما شابه, الأمر الذى أكده راعى المسجد، ولكن عملية الترميم شهدت بطئًا شديدًا عبر الكثير من السنوات على حد قوله.
حمام «الأمير بشتاك» لم يتبقَّ إلا الواجهة

 


يقع “حمام بشتاك” بشارع سوق السلاح بحى الدرب الأحمر ويعد من الأشياء المشهورة التى ظلت فى ذاكرة الكثير من السائحين وغيرهم, أنشأه الأمير “سيف الدين بشتاك الناصر” فى العصر المملوكى عام 742هـ ــ 1341م.
وظل يستخدم لسنوات طويلة، إلا أنه لم يتبقَّ منه إلا الواجهة الآن بعد أن تم غلقه منذ حوالى 4 سنوات، بالتزامن مع كمية الإهمال الكبيرة؛ حتى أصبح عبارة عن واجهة فقط ومكان مهجور.
تحول “حمام بشتاك” من بناء أثرى مهم ومزار سياحى عريق إلى مقلب للقمامة امتلأ عن آخره، ومن داخل الحمام ظهر من شباك صغير يطل على الشارع الرئيسى آثار تحطم الحمام من الداخل والذى أصبح لا يصلح للاستعمال.
وانتشر الباعة الجائلون حول الحمام الأثرى، فمنهم من استخدم عربة حمل عليها الخضراوات لبيعها، ومنهم من افترش الأرض؛ لتتحول المنطقة الأثرية من الخارج إلى سوق لبيع احتياجات أهل المنطقة.
الأهالى يستغيثون لإنقاذ آثار الدرب الأحمر

 


وأشار “محمد حسين” صاحب محل مواجه لحمام بشتاك الأثرى، وأحد سكان الشارع، إلى أن الحمام يعانى من الإهمال من قبل هيئة الآثار بطريقة غريبة، وأنه منذ إغلاقه لم يتم ترميمه، وتحول مع الأيام إلى مقلب قمامة لأهالى الحى.
وقال “أذكر فى صغرى أن هذا الحمام كان يمتلئ بالسياح من جميع أنحاء العالم، يتهافتون لدخوله، الأمر الذى كان يخلق فرص عمل لكثير من شباب الحى بالمجال السياحى”.
وأوضح أن الأمر أصبح مختلفًا فى هذه الأيام، وانتهى كل شىء منذ غلق الحمام من 4 سنوات، مشيرًا إلى أن أهل المنطقة عرضوا على أصحاب الحمام أن يقوموا بتمويله من أموالهم الخاصة، ولكن العرض قوبل بالرفض من ملاك الحمام.
وقام شباب منطقة الدرب الأحمر والمهتمون بالآثار الموجودة بالمنطقة بتدشين صفحة “آثار الدرب الأحمر” على موقع التواصل الاجتماعى “فيس بوك” لمناشدة المسئولين والمهتمين لإنقاذ الآثار الموجودة بالمنطقة.
ومن المناشدات المنشورة على الصفحة: “ما زال البناء مستمرًا من ناحية شارع التبانة أمام مسجد المردانى، والبناء الثانى من ناحية سكة المردانى”.
وفى منشور آخر: “للأسف، ده مش أول اعتداء على الآثار الإسلامية فى الدرب الأحمر، كفاية السرقات اللى حصلت، وكفاية قوى المبانى المخالفة وما أكثرها، وأبرزها البرج المكون من 8 أدوار بجانب مسجد أصلم السلحدار، ولا جديد، ولا حياة لمن تنادى .. شكرًا للمسئولين”.

 


قال “محمود على”، أحد سكان شارع التبانة، إن آثار الدرب الأحمر والمساجد تتعرض للإهمال الشديد من قبل جميع الهيئات والمؤسسات المسئولة عن السياحة فى مصر, وبعد وضع مسجد المردانى فى خطة الترميم من قبل هيئة الآثار منذ 3 سنوات, ظل الحال كما هو عليه, ولم يتعرض المسجد لأى من إجراءات الصيانة.
وأشار إلى أن موظفو هيئة الآثار يحضرون إلى المسجد يوميًا، ولكن دون جدوى أو رد فعل أو قرار مناسب لحماية المسجد الأثرى من الإهمال الشديد, مشيرًا إلى أنه لا أحد يعترض على المخالفات خارج المسجد والمنطقة من وجود الباعة الجائلين.
وأوضح أن شرطة الآثار مقصرة فى عملها، مشيرًا إلى أن مخالفات البناء حول المسجد تتجاوز أكثر من ثلاثة طوابق، برغم أن المنطقة تعتبر أثرية، وتحتوى على الكثير من الآثار العريقة، والقانون يحرم ذلك، ولكن الحى لا يتابع المنطقة منذ سنوات، بحيث أصبحت عملية البناء حول المسجد الأثرى همجية وعشوائية، ومستوى النظافة حول المسجد متدنيًا للغاية.
وأضاف الحاج حمدى السيد، أحد سكان المنطقة، أن موظفو المساجد هم من يقومون بأعمال التنظيف البدائية بجزء صغير من المسجد ليظل المسجد مفتوحًا أمام المصلين، برغم كل ما يمر به المسجد من أزمات وإهمال وتقصير من قبل المسئولين.
وأوضح أن الأهالى تستخدم سرداب المساجد بطريقة خطرة، ويحولونه إلى “مخازن” أسفل المساجد الأثرية لتخزين المواد الملتهبة والقابلة للاشتعال فى مسجد المردانى على سبيل المثال.
وشدد على أن الأمر يمكن أن يودى بآثار عريقة إلى رماد محترق، فضلاً على أرواح الأشخاص الموجودة بالمكان, وكل هذا دون رقيب.

 

 

 

 

 


الوفد 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى