الأخبار

في متحف الدول المنقرضة

72

 

 

في المستقبل سيكون هناك حتما متاحف للدول المنقرضة .. يسير الباحثون في طرقاتها ويأكل الأطفال الفيشار وهم يدورون في أرجائها ويتسلى السياح وهم يلتقطون صورا مع مقتنياتها المتحجرة التي تركها الغابرون : هراوات جنود .. قنابل غاز .. صور حكام بالزي العسكري وآخرين بذقون طويلة مع تكشيرة رسمية أو ابتسامة أبوية أو أصبع تحذير مرفوع في وجه أعداء الوطن .. صناديق إنتخاب بالريموت كونترول وصحف تبشر بنسبة ال99.9% وأصابع مزينة بالحبر الفوسفوري..صلبان النازي وسيوف المغول وأوشحة الباباوات وعمائم الخلفاء..

مثل حفريات الديناصورات المنقرضة .. تُعبر بعض مشاهد الدول المنقرضة عن قوة جبارة وعقل كسيح .. وحشية الأنياب والأفكاك والبراثن وأمخاخ بدائية في حجم الترمسة..ليس كل المنقرضين سواء في القوة والهيبة .. فبعضها لها شراسة “تي ركس” وبعضها مجرد حيوانات وحيدة الخلية تركت أثرا هزيلا مطبوعا على الصخور .. ولكنها جميعا تشترك في شئ واحد .. أنها فشلت في سباق التكيف مع المتغيرات والظروف .. تمسكت بنفس الاساليب البالية ولم تتطور وتغير من نفسها فتجاوزها الزمن وسحقها قانون الطبيعة القاهر .. الدول المنقرضة تتشابه مع الحفريات في كثير من هذه المظاهر ..بعضها كان امبراطوريات تتمتع بالقوة الجبارة وبعضها كان مجرد “أميبا” سياسية مجهرية في القوة والتأثير .. ولكنها جميعا عانت من غياب العقل والقدرة على التكيف والصمود أمام المتغيرات وتخيلت أن الشراسة قد تعوض ما فقدته وغاب عنها .. فسقطت وانقرضت.

في متاحف الدول المنقرضة سيكون هناك بالتأكيد جناح مخصص للدول التي أشرفت ذات يوم على الإنقراض ولكنها تداركت نفسها ونجحت في تصحيح أوضاعها بعد أن أدركت أن آليات بقاء دول العصور الوسطى قد تجاوزها الزمن ، وأن البقاء بدون توفير حد أدنى من العدالة وحقوق الإنسان لم يعد ممكنا في العصر الحديث .. في هذا الجناح ستجد أمريكا “الماكارثية” وأنظمة “الأبارتيد”والكلوكس كلان وصورا لمارتن لوثر كنج ونلسون مانديلا وبوب مارلي ومايكل مور..

في المستقبل ستكون متاحف الدول المنقرضة واسعة ومنتشرة في جميع عواصم العالم المتحضر .. ستتغير بعض مقتنياتها من مكان لآخر ولكنها جميعا ستنتهي بقاعة صغيرة مغلقة فيها خريطة لدولة منقرضة .. وتحتها لافتة صغيرة تقول :

ماذا تعلم مناصرو مبارك من أخطاء نظامه التي أدت لثورة يناير.

ماذا تعلم ثوار يناير من الأخطاء التي ارتكبوها بعد يناير.

ماذا تعلم المجلس العسكري من فشله بعد يناير.

ماذا تعلم الإخوان من أخطاء حكمهم وما بعد سقوطهم.

كلهم لم يتعلموا شيئا من أخطائهم وفشلت أدمغتهم البدائية في التكيف والتطور .. واعتقدوا اعتقادا جازما أن خطأهم الوحيد هو أن كل منهم عندما امتلك الفرصة كان أقل قسوة وشراسة في التنكيل بخصومه عما ينبغي أن يكون.

تنتهي الدول وتنقرض عندما يفشل كل أطرافها في التعلم من الأخطاء ويعيدونها مرارا وتكرارا.

الدستور الاصلى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى