الأخبار

العسكر.. الطامعون فى السلطة!

206

 

حين يقترب العسكريون من نهاية مشوارهم المهنى فإنهم يكونون أكثر الناس زهداً فى السلطة بعد أن كانوا قد أمضوا جل سنوات عمرهم يعانون من متاعبها، سواء كانوا قد مارسوها آمرين أو مأمورين. فحين يكون الانضباط والصرامة طوال الوقت هما السمة التى تميز حياة الرجل فإنه لا بد أن يتوق للانعتاق ممن يقيده، ليجعل منه شخصاً آخر غير نفسه، هكذا يصبح رجل العسكرية شغوفاً بالعودة إلى ذاته ليعيش ما تبقى له من سنوات فى عمره على طبيعته دون رقيب يحاسبه أو التزامات تقيده. ولهذا فإننى أصدق المشير السيسى حين قال إنه غير طامع فى السلطة. خاصة أن هذه السلطة التى يتهمونه بالطمع فى الوصول إليها سلطة مقيدة بالقانون والدستور، فضلاً عن أنها معرضة لمآخذ وانتقادات من كل صوب وحدب، على عكس ما كان يتمتع به من سلطة فعلية غير مقيدة كقائد عام للقوات المسلحة، لا يستطيع أحد الاقتراب منها بسبب تحصينها لدواعٍ أمنية ومحظور على الآخرين التعرض لها بالنقض أو حتى طلب الإحاطة، هكذا كان الطمع فى منصب الرئيس غائباً عن بال «المشير» وهو يفكر فى الموقف الذى يجب عليه اتخاذه من ثورة الشعب فى 30 يونيو. فمن غير المعقول أو المنطقى أن يسعى الرجل إلى استبدال سلطة مطلقة بسلطة مقيدة، إلا إذا كان راغباً فى التخفف من أعبائها الثقيلة والتخلص من مسئوليات جسام بمسئوليات أخرى يشاركه فى حملها أطراف أخرى، هى إذن دوافع وطنية وليست دوافع شخصية أو ذاتية تلك التى فرضت عليه اتخاذ هذا الموقف الإيجابى من حركة الشعب يوم 30 يونيو، بانحيازه إلى جانبها مغامراً بحياته -فضلاً عن منصبه الرفيع- دون أن يسعى إلى السلطة، لأنها كانت بين يديه بالفعل، فسخرها لصالح شعبه ولم يسخرها لصالحه هو. لم يكن المشير السيسى فى هذا الموقف مختلفاً عن القادة العسكريين الذين سبقوه فى التاريخ الوطنى بمواقف مماثلة، فحين أراد الخديو توفيق أن يهدئ من ثورة الجيش والشعب أصدر فرماناً خديوياً منعماً على أحمد عرابى قائد الثورة برتبة الباشا كما منحه الرتبة العسكرية الأعلى، ولكن «عرابى» رفض الإنعام الخديوى حتى لا يقال بأنه قام بالثورة سعياً لمكاسب شخصية، وهو ما كان الخديو توفيق يهدف إليه من وراء فرمان الترقية، لعزل «عرابى» عن جماهيره ورميه بالانتهازية بجنى ثمار الثورة لحسابه، ولم يكتف «عرابى» بذلك بل غامر بحياته حين خرج بقواته لملاقاة القوات البريطانية الغازية دفاعاً عن استقلال الوطن، وقد فعلها «عبدالناصر» أيضاً حين استقرت الأمور للضباط الأحرار بعد تمكنهم من طرد الملك فاروق، إذ قام «عبدالناصر» بتقديم استقالته من رئاسة مجلس قيادة الثورة، مطالباً بإجراء انتخابات بين أعضائه لاختيار رئيس غيره، حتى لا يقال إنه طامع فى السلطة، فما كان من جميع زملائه أعضاء المجلس إلا الإصرار على أن يستمر «عبدالناصر» فى رئاسة مجلسهم فلم يتقدم أحد لمنافسته على المنصب، هؤلاء هم العسكر الذين يروج المرجفون وأصحاب النوايا السيئة لفكرة طمعهم فى السلطة، فلم يكن «عرابى» ولا «عبدالناصر» ولا «السيسى» من طالبى السلطة أو الرئاسة، بل إن الرئاسة هى التى طلبتهم عن طريق من يملك منحها أو منعها.. وهو الشعب ولا أى طرف سواه!!

 

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى