الأخبار

21 مارس بطعمِ عيد الحُب:

 

103

 

عبرَت نسمة هواءٍ ربيعية ستار الشُرفة، لتعْبث بنوم «س»، الذي استيقظ ببطءٍ، وأخذَ يحرك ذراعيه ليصطدما بروزنامته الكائنة جوار السرير، والتي تشير إلى تاريخ اليوم، الحادي والعشرين من مارس، يومٌ خُصص للاحتفال بالأمهات، هؤلاء الذين تنتمي لهم تلك المرأة خارج الغرفة؛ أم «س»، ترتبُ أطباق الإفطار على الطاولة، ثم تنادي «س»، الذي خرج، ثم جلسا يتناولان وجبتهم في حضرة «الست» على أنغام أغنيتها «فكروني»، التي اعتادت الأسرة تمضية الإفطار في رحابها طوال 20 عامًا.

«أبوك كان دايمًا يشغل الأغنية كل يوم الصُبح، وبقيت أنا بعمل كده بعد ما مات» هكذا قالت الأم. «س» أراد لوالدته عيدًا كغير باقي الأمهات، فطلب منها، إلغاء أعمالها طوال اليوم، والتي تشمل؛ ذهابٌ للسوق، تنظيفٌ للمنزل، غسيلٌ لملابسهِ، واستئناف لعملٍ بكرة الصوف خاصتها، لينفرد بها يومًا كاملًا بالخارج.

ابنٌ في الخامسة.. وأبٌ في العشرين

بعد ارتداء الملابس، والخروج من المنزل، اتخذ الابن وأمه سبيلهما داخل سيارة أجرة إلى منطقة وسط البلد، وما أن عبرت السيارة بين الأسدين مطلع كوبري قصر النيل، حتى طلب الابن من السائق التوقف، وفضّل السير مع أمه، في رحاب النيل.

«أبوك –الله يرحمه- جابني هنا مرتين»، قالت أم «س»، وأردفت: «أول مرة، كنا مخطوبين، كانت الدنيا فاضية، مفيش زحمة، والأسدين نُضاف، كنا بنحب بعض أوي، التانية، كنت أنت يا دوب 5 سنين، كنت ممشياك جمب السور علشان العربيات، شوف دلوقت أنت اللي ممشيني في ضلّك جمب السور»، قالتها وهي تربت على كتف ابنها، الذي سحب يدها من على كتفه ليُقبّلها، ثم توقف عند أحد بائعي «البطاطا» واشترى اثنتين، واستكمل الحبيبان .الابن والأم. طريقهما على ضفاف النيل وذكرياتهما البعيدة.

kasr-bridge-cairo

حبيبانِ يحتسيان الشاي

استقلّا سيارة أجرة، لنجنُّب زحامٍ غير مُبرَّر، وقصَد «س» مقهى بعينه، ودخلاه، لكن الأم اتخذت خطوات أبطأ من ابنها، وفي لحظة توقفت، ثم تنهدت باسمةً؛ «ربنا يرحمك»، ثم وبنبرة أعلى قليلًا قالت لابنها «عرفت المكان ده إزاي يا عفريت»، «الفاتورة القديمة اللي في الأجندة فضحتك أنتي وبابا»، أجاب «س» ضاحكًا، ثم جلسا ليحتسي هو قهوته، وتطلب هي الشاي باللبن «أبوك كان بيحبُّه هنا».

انطلقت أم «س» تسرد قصة حبها مع زوجها بينما تُمسك بكوب الشاي الساخن المُطعّم باللبن «كنا بنحب بعض أوي، صحيح مفيش علاقة من غير مشاكل، لكن الحلو ممتع، والمر برده، لما نفتكره ونفكر أن المشاكل دي كان سببها الحب.. كنا بنيجي هنا كل يوم تقريبًا، بنقعد على الطرابيزة اللي في آخر الإزاز عالشارع، ونفكر في مستقبلنا هيبقى إزاي، بيتنا شكله هيبقى إيه، ولادنا هنسميهم إيه، لحد ما أنت جيت، كانت فرحتنا كبيرة، وإحنا بنشوف حتت مننا فيك، إنك شبهنا كده، إنك ابن حبنا الطويل ده»، وقتها أمسكت الأم بيد ابنها بين راحتيها، وأحس فيهما بدفءٍ ما، كوب الشاي قد يكون مصدره، لكن الأكيد أن عاطفتها في تلك اللحظة كانت أكثر دفئًا.

cozinha

حديثُ الذكريات في حضرة الصديق

بعد المقهى، وفي طريقهما داخل سيارة أخرى أجرة، قالت الأم عند مرورهما بـ«السيدة زينب»: «بيتنا القديم هنا»، قرر الابن دون تردد تغيير مسار السيارة، وطلب من السائق التوغُّل داخل شوارع «السيدة»، وعند شارعٍ معين، نزل الابن وأمه التي بدت أكثر إشراقًا وتأملًا للتفاصيل، «كنت بلعب هنا (أولى)، وشايف الكشك الخشب المتكسر ده، كنا عاملينه بيت، الحجر الكبير ده بقى وقعت عليه وأنا صغيرة، وعملّي علامة في راسي ما راحتش لحد دلوقت، اللي كعبلتني واحدة صاحبتي، بيتها اللي بلكونته خضرا ده».

لم يستطع «س» إيقاف سيل ذكريات والدته، التي تغيرت نبرتها وتوجهت بكلماتها إلى «س» عندما وصلت إلى «بير السلم» في بيتها القديم: «وأنا صغيرة كنت بحب العرايس، كنت بجيبها وأقعد هنا وأعاملها زي بنتي، كنت بحب البنات أوي، كان نفسي في بنت»، حينها اعتلى وجه «س» شيءٌ من الاستنكار، استدركته الأم: «بس ما حستش بقيمة إن يكون عندك ولد غير لما أنت جيت»، «س» الذي تهلّل وجهه لم يجد ردًا على كلمات والدته غير قبلة طبعها على جبينها.

2755_660_53336_opt

في طريق العودة، تمنّى «س» لوالدته عيدًا سعيدًا، والتي كانت قد نسيت أنه اليوم، ثم مدّ السائق يده إلى الراديو، ليُشغّله، فانطلق الصوت يسري داخل سيارة الأجرة «فكّروني إزاي.. هو أنا نسيتك!»، فتاها هُما في كلمات الأغنية، فيما كانت السيارة تقترب من الوصول.

 

 

 

المصرى اليوم لايت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى