الأخبار

«ممكن»

44

 

من أهم الظواهر التى تجلت فى الانتخابات الرئاسية الحالية، ظهور الكثير من الأصوات التى تعى جيدا ماذا تريد من الرئيس القادم، بدءا من رفضها فكرة التفويض أو التوقيع على بياض، انتهاء بضرورة وجود آلية لمحاسبة الرئيس، بعيدا عن الاستقطاب السياسى لهذا المرشح أو ذاك، وأن هذه الأصوات رسخت للرفض التام لكل ما يمنح الرئيس وجود مقدس لفئة حزبية أو طائفة أيديولوحية، مهما أخطأ فلا حساب له أو مراجعة، وهو ما كان جليا قبل الثورة فى حالة الحزب الوطنى وقطاع كبير من الجهاز التنفيذى للدولة على اعتبار أن الرئيس لا يخطئ ولا يناقش له قرار، أو بعد الثورة فى حالة جماعة الإخوان وبعض التيارات المنتمية للإسلام السياسى، الرئيس دائما على صواب، لأن الرئيس أصلا كان انتخابه جهادا فى سبيل الله، فحتى جماعته لم تر أخطاءه وخطاياه، وأعتقد أن الأصوات العالية حاليا ترفض الخيارين وتطالب بمهام محددة للرئيس وواجبات عليه أن ينجزها، فهكذا تبدو صورة العلاقة بينهم وبين المرشح الرئاسى، وأحسبها علاقة صحيحة وصحية ومناسبة إلى حد كبير للظروف المعقدة التى تمر بها البلاد الآن.

من بين تلك الأصوات التى استمعت إليها، صوت المهندس على الفرماوى نائب رئيس شركة مايكروسوفت العالمية، وهو واحد من أنجح المصريين العاملين فى الخارج، وصاحب تجربة متميزة فى العمل التنموى على المستوى الإقليمى، ونجاح تجربته هو الذى دفع شركته لتقليده منصبها المهم والرفيع كما جاء فى بيان إعلان تسميته للمنصب، وحينما سألته عن إمكانية وثوب مصر إلى عصر حديث والقفز للمستقبل عبر التكنولوجيا، لم يجب مباشرة عن السؤال وإنما أصر على تحديد مواصفات الرئيس القادم التى يجب أن نختاره على أساسها، والرجل لخصها فى ثلاث مواصفات محددة: أولا بُعد النظر وأن يتفهم جيدا ما يُطلب منه، ثانيا القدرة على اختيار فريق عمل متميز، ثالثا القدرة على التنفيذ بمستوى عالٍ وبصورة دائمة وفى حدود الميزانية، وبدون هذه الصفات تصبح القيادة بلا فاعلية وغير قادرة على تحقيق آمال وطموحات الناخبين.

عندما عدت للسؤال عن إمكانية لحاق مصر بالعصر الحديث، فاجأنى على الفرماوى وهو واحد من الذين يشاركون فى تطوير التكنولوجيا وتطويعها للتنمية على مستوى العالم، أنه لا محل للسؤال، لأن مصر تستطيع ذلك بسهولة (وفقا لتقديره) وأنها تمتلك الكثير من أدوات ذلك، وإذا كان محمد على باشا نجح قبل ٢٠٠ سنة فى خلق تجربة حديثة مذهلة عبر استقدام مدارس من أوروبا أو إرسال البعثاث لفهم المارد الأوروبى الحديث وقتها، أكد أن ما تملكه مصر الآن عبر التكنولوجيا تستطيع تحطيم هذه التجربة وتحقيق نتائج أفضل بعشرات المرات، والأهم أن على مصر ألا تبحث لمستقبلها من حاضر العالم المتقدم الآن، بل تقفز إلى ذات المستقبل الذى يبحث عنه هذا العالم المتقدم وكتفا بكتف، فلا ضرورة لخلق مستقبلنا بحاضر سيصبح قديما بعد سنوات، وإنما يجب أن نفتش عما يفتش عنه العالم المتقدم الحديث. رؤية جريئة من عالم يملك تفاؤلا أحسده عليه، خاصة أنه وصف كل ما قال بشعار واحد يردده دائما: ممكن.

 الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى