منوعات

الوعى الشعبى الذى أعاد عبدالناصر للحكم بعد 5 يونيو

 

رغم الأخطاء التى ارتكبها عبدالناصر، والتى تسببت فى هزيمة 5 يونيو 1967، وإعلانه صراحة فى خطاب التنحى أنه المسؤول أمام الجميع عن هذه النكسة، فقد خرج الشعب بعد انتهاء الخطاب مباشرة فى مظاهرات عارمة، ليجدد الثقة فى الزعيم، ويثنيه عن التنحى.

اختلفت الأقاويل أمام تلك المظاهرات، إذ لم يعرف التاريخ الحديث وربما القديم شعبًا يخرج فى مظاهرات، لا ليفتك بمن تسببوا فى هزيمته وإلحاق كارثة بأرضه التى احتلت منها مساحة كبيرة نتيجة الهزيمة، بل ليعيدهم إلى الحكم أو بالأحرى ليعيد عبدالناصر للحكم. هل هو تنظيم الاتحاد الاشتراكى، الذى كان يقوده على صبرى وسعى من خلاله إلى تكوين وبناء قوة سياسية فاعلة ومستقلة فى المجتمع المصرى؟ ولكن هل كان الاتحاد قادراً فى تلك اللحظة على حشد المصريين بمثل هذه السرعة، أم أن المظاهرات خرجت بشكل عفوى دون تدبير سابق، ما يجسد حالة وعى ربما غير مسبوقة فى التاريخ؟

لقد انتقل المصريون فجأة من نشوة نصر أكيد، غذته آلة إعلامية مضللة إلى هزيمة مروعة، وبالتالى لم يكن الاتحاد الاشتراكى ابن نظام عبدالناصر قادراً على فعل شيء بعدما أصيب بحالة من الشلل أثر المفاجأة، إذ لم يكونوا يدرون ما الذى يجب فعله بوصفهم قيادات سياسية، لاسيما أنه بعد 4 أيام فقط من بدء الحرب.

عفوية تلك التظاهرات ما هى إلا نتيجة لوعى تراكم فى أذهان المصريين منذ اندلاع ثورة 1952، وعى ثلثه مدفوع من الإعلام الواحد الذى كان يغذى فكرة تأليه عبدالناصر، وثلثه الآخر ثقة فى الرجل، وفى قدرته على الاستمرار لتدحر المعتدى الإسرائيلى، وثلثه الأخير وقوفا مع الدولة التى كانت على وشك الانهيار.

من أهم الشهادات التى تثبت براءة المظاهرات من التدبير، شهادة حسن طلعت مدير المباحث العامة الذى يكشف فى مذكراته، أنه فوجئ بأمر المظاهرات، ولأن لديه أوامر بقمع أى مظاهرة بغض النظر عما تتظاهر من أجله، شعر بالحيرة وحاول الرجوع إلى رئيسه المباشر وزير الداخلية شعراوى جمعة، فرفض شعراوى أن يرد عليه، كعادة المسؤولين فى لحظات الأزمات؛ ولذلك اتخذ حسن طلعت بمبادرة فردية قرار عدم الاصطدام بالمظاهرات، ولولا ذلك لحدثت كارثة محققة خاصة أن المئات من مسؤولى الأمن.

أما الدكتور عبد العظيم رمضان المعروف بعدائه الشديد للناصرية، فيرد بقوة على اتهام مظاهرات التنحى بأنها كانت مدبرة، ويقول فى كتابه “تحطيم الآلهة” إن ذلك الاتهام مهين جدًا للشعب المصرى؛ حيث يصوره أنه شعب يساق كالأغنام فقط، نافيًا أن يكون الاتحاد الاشتراكى قادرًا على تدبير مظاهرات ضخمة كهذه؛ لأنه فى الواقع لم يكن يتمتع بشعبية بين الجماهير تمكنه من أداء هذا الدور الضخم، وحين تمت الإطاحة بقياداته فى مايو 1971، لم يستطيعوا إخراج تلميذ واحد فى مدرسة لمساندتهم ضد السادات.

لقد تجاوز الناس لحظة الهزيمة التى كان يمكن أن تشل حركتهم لسنين، وبدأت ملحمة حرب الاستنزاف، لكن خروجهم التالى فى المظاهرات التى أعقبت الأحكام التى صدرت ضد قادة الطيران لم يكن تأييدًا ولا تهليلًا، بل كان غضبًا من تحميل الهزيمة لمن ليس مسؤولًا عنها، وهو ما أزعج عبد الناصر كثيرًا، وأشعره أن لحظة “لا تتنحى”، كانت مجرد لحظة استثنائية خرجت فى توقيت حرج، ولن تتكرر ثانية.

وعى المصريين كان هو المحرك الأساسى لهم فى تلك التظاهرات، ولهذا بقى عبدالناصر، وحاسب بعض المتسببين فى النكسة، وقاد حربا للاستنزاف، وأعاد بناء الجيش ليكون مستعدا لتحرير الأرض فى 1973.

 

 

 

 

مبتدا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى