الأخبار

اخرج برة الشرق الأوسط يا حشرة!

 

 

110

 

 

في اللحظة التي طردت فيها السيدة ميرفت التلاوي، رئيس المجلس القومي للمرأة، مراقبي الاتحاد الأوروبي خارج ندوة المجلس، أجد أننا أصبحنا في واحد من أعقد مشاهدنا مطلقاً.

فالسيدة ميرفت تعيد كتابة تاريخ العلاقات السياسية وفن الكوميديا معاً، دون انحياز لأحدهما على الآخر.

ففي هذا المشهد العبثي الذي طردت فيه السيدة التلاوي مراقبي الاتحاد الأوروبي خارج «الشرق الأوسط» نفسه (وفقاً لتعبيرها!)، بعد وصلة ردح إنجليزية رصينة، دلالة مرعبة عما وصلنا إليه وعما ينتظرنا.

الأنظمة السياسية تصاب بالجنون.. شأنها شأن البشر.

يقال في العلوم السياسية إن البلدان تتصرف كما يتصرف الأفراد.. تحب وتكره وتغار وتكيد وتمكر وتنسحق أمام دول أخرى.

المشاعر الدولية، تجل دقيق، للمشاعر الشخصية التي تربط الأفراد ببعضهم البعض.

وبالطبع، قد تصاب بعض البلدان بالجنون السياسي.. وهي المرحلة التي يبدو أننا على وشك بلوغها، بعد أن نستوفي أعراض البارانويا كاملة والتي نسير فيها بخطى واثقة والحمد لله.

كنت كثيراً ما أتندر برفيق السفر الذي أوقعتني في مجاورته الظروف على متن الخطوط الجوية الكينية قبل سنوات. كان الرجل سفير جزر القمر في فرنسا، ووزير دفاعها السابق، ومرشحها الرئاسي المحتمل في انتخابات 2012!

حكى لي على مدار ساعتين عن طموحاته كسياسي وعن تقييمه لأوضاع المنطقة العربية وتاريخها، بلغة طفولية حالمة.

كان بالنسبة لي نكتة تسير على قدمين في ذاك الزمن الغابر، قبل أن يصبح الواقع المصري أكثر عبثية من واقع جزر القمر.

والآن تطرد السيدة ميرفت مراقبي الاتحاد الأوروبي الذين استجدت الدولة المصرية بقاءهم وذللت لهم الصعاب، حين لوحوا بمغادرتهم البلاد دون الإشراف على الانتخابات الرئاسية.

السيدة ميرفت ليست توفيق عكاشة..

ميرفت التلاوي، وفقاً لويكيبيديا هي الوكيل السابق لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للأسكوافي عام 2001، وشغلت منصب وزير التأمينات والشؤون الاجتماعية المصرية (1997-1999).

وذلك بعد أن كانت أول سيدة من السلك الدبلوماسي المصري تنال لقب ودرجة سفير ممتاز، وبعد أن شغلت منصب رئيس وفد مصر في المفاوضات متعددة الأطراف حول التعاون الاقتصادي الإقليمي وسفيرة لمصر لدى النمسا.

والمرعب في هذا أن جنون الأنظمة السياسية وممثليها لا يرتبط بالضرورة بمقدار تعليمهم ولا برفعة ماضيهم المهني ولا بمقدار روعته.

حين تجن الأنظمة فإنها تهذي دون ضابط أو رابط..

وفي طرد الوزيرة السابقة والديبلوماسية العتيدة للوفد الأوروبي أمارات على ما نحن على مشارفه.

إننا نعيد استنساخ القذافي بكل فخر.. وسيتسابق القذافي الكامن في كل مسؤول وإعلامي عن الإفصاح عن نفسه.

سنطردهم ونشتمهم.. وسنتحول لأضحوكة دولية..

كان الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي محل استنكار الرأي العام الأوروبي، لأن الخبراء حللوا الطريقة التي يسلم بها على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فيما يبدو أنه «محاولة لفرض نفوذ ذكوري استعلائي» عبر تحليلهم للغة الجسد بينهما، أثناء مصافحته إياها وأثناء تقبيلها.. والتي انسحبت على شكل العلاقة بين فرنسا وألمانيا.

فما بالك كيف سيتعاطى الرأي العام العالمي مع منتجاتنا الكارتونية اليومية؟

الآن يتعالى السعار، من سيكون الأكثر شراسة في معادة محور الشر.. من سيشتم قطر؟ ومن سيلعن سنسفيل تركيا؟ ومن سيسب أمريكا؟

ربما تستحق قطر وتركيا وأمريكا ما هو أكثر من مجرد سباب عابر من إعلاميين مرتزقة وساسة وصوليين.. لكن الأزمة أن نسق التشاتم ككل، مشبوه ومقزز، ويبدو أقرب لهلوسة جماعية.

بل إن مبارك- حتى لحظات انهيار نظامه البغيض المنحط- كان هذا النظام متماسكا ويتصرف باتزان ورصانة نظام سياسي.. لا بعفوية طفل حانق.

وكان الثابت في الدبلوماسية المصرية أنها رصينة ومحترمة ولها تاريخها العريق وصورتها الدولية، وهو ما أعطاها دافعاً قوياً أن تظل «محترفة» و«أنيقة» حتى في لحظات التعبير عن نظام مختل سياسياً.

كان للنظام أجنحته وألسنته الرسمية، وكان له رداحوه وشتاموه المأجورون الذين يخوضون المعارك القذرة بالنيابة عنه، لكنه كان يدرك أنه نظام، وينبغي أن يبدو كنظام!

وأخشى ما أخشاه أن تصبح دولة مبارك الخربة هي أقصى ما نطمح الوصول إليه بعد ثورتين!

 

 

 

المصرى اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى