الأخبار

توقّف قلب محمود حميدة

 

52

 

في نهاية القرن التاسع عشر، أسّس الممثل والمخرج المسرحي الروسي “قسطنطين ستانيسلافسكي” مدرسة الـMethod Acting، والتي تقوم على انسلاخ الممثل عن نفسه أثناء فترة تأديته وتحضيره لكل مسرحية، ودخوله تحت جلد الشخصية التي يقوم بأدائها، بالأفكار والانفعالات والمشاعر والظروف والنظرة في العالم، حيث يعيش فعلاً كشخصية أخرى لفترة من الزمن.

ومع نشأة السينما، ومنذ الخمسينيات تحديداً، أصبح الـ”ميثود أكتينج” من أهم مدارس التمثيل، وكان رمزه الأول حينها مارلون براندو، قبل أن تأتي السبعينيات بجيل جديد من الممثلين، مثل روبرت دي نيرو وروبرت دوفال وجاك نيكلسون وجين فوندا.

في السينما المصرية، لم يتعامل الكثير مع الممثلين مع الأمر بتلك الجدية، ظروف الإنتاج والثقافة لا تسمح أحياناً بـ”تقمص” يصل لأن تكون أنت الشخصية التي تلعبها، ولكن مع ذلك هناك بعض الممثلين بحسب تقرير لجريدة العربي الجديد فعلوا، وقدموا أداءات عظيمة، بعضها كاد أن يقتلهم.

النفس المتوقف لمحمود حميدة في نهاية التسعينيات، قدم محمود حميدة أهم دورين سينمائيين في حياته مع نفس المخرج أسامة فوزي، الأول في “عفاريت الأسفلت” عام 1996، والأهم -ربما- هو “جنة الشياطين” في 1999، الفيلم المقتبس عن رواية “جورج أمادو” “ميتتان لرجل واحد” وأعد له السيناريو مصطفى ذكري، وخلق عالماً سفلياً وسينمائياً مميزاً جداً.

في هذا الفيلم يجسد محمود حميدة دور “طبل”، وهو الشخصية الرئيسية التي تموت في مطلع الفيلم وتظل جثته متنقلة طوال الأحداث، ولأجل التحضير للشخصية قام بخلع سنتيه الأماميتين، وتشويه جسده بالندوب، ولكن الحادثة الأهم كانت في أحد المشاهد التي يتم فيها “تغسيل” جسد الشخصية ويتم تصوير اللحظة في لقطة واحدة، “حميدة” بجسد عار ثابت لا يتحرك ومغسل يقوم بتغسيله، بعد قرابة الدقيقة صرخ المخرج أسامة فوزي بفزع لوقف التصوير، وذهب ليطمئن على “حميدة” الذي كان نفسه متوقفاً تماماً طوال مدة التصوير، لدرجة أنه شك في أن يكون قد مات فعلاً!.

الحيوات المتعددة لأحمد زكي يعتبر أحمد زكي أكثر الممثلين الذين تعاملوا بجدية وإخلاص مع “ميثود أكتينج”، هناك عشرات الحكايات عن انسلاخه تحت جلد الشخصية التي يؤديها، إحداها يحكيها هو بنفسه حين جسد شخصية “معالي الوزير” في الفيلم الذي يحمل نفس الاسم عام (2003)، ولكنه ظل يتحدث في بدايات التصوير بلكنة الرئيس السادات الذي جسد شخصيته قبلها بعامين في فيلم “أيام السادات”، وفي إحدى اللحظات المجنونة قام بخبط رأسه في المكتب الذي أمامه مخاطباً شخصية السادات داخله قائلاً “اطلع من نافوخي بقى يا أخي”.

قبلها بسنوات طويلة كان “زكي” محبوباً جداً في كواليس تصوير فيلم “البريء” (1986) الذي يؤدي فيه شخصية مجند أمن مركزي لشدة ما كان مستكيناً وهادئاً، للدرجة التي شاهد فيها عاطف الطيب -مخرج الفيلم- ذات مرة شاباً ريفياً يسير بعيداً بخطوات حادة وانحناءة بسيطة وطلب أن يحضروا “زكي” كي يلتقط الحركة من ذلك الشخص الحقيقي، بحث الجميع ولم يجدوه، وفي النهاية أتى عليهم الشاب الريفي من بعيد وإذا به أحمد زكي، الذي -بعد ذلك بعام- كان مكروهاً جداً أثناء تصوير “زوجة رجل مهم” من إخراج محمد خان، والذي يؤدي فيه شخصية ضابط أمن دولة، لشدة افتعاله للخلافات الحادة مع الجميع.

حتى في نهاية حياته، قرّر أحمد زكي أن يموت تمثيلاً، ويزاوج بين مرضه ومرض عبدالحليم حافظ أثناء تجسيد شخصيته في فيلم “حليم”، فلا يعرف الناس من يموت على الشاشة الآن: الشخصية أم الممثل؟

كوابيس محسن محيي الدين في افتتاح فيلم “إسكندرية كمان وكمان” للمخرج يوسف شاهين (1990) والذي يحكي جانباً من سيرته الذاتية، يقول “عمرو” -الذي يؤدي في الفيلم الشخصية الحقيقية لمحسن محيي الدين- إنه أصبح يصاب بالكوابيس وطلعت له دمامل في وجهه ولا يستطيع المواصلة.

الجانب الآخر الحقيقي من القصة يسرده المخرج يسري نصر الله في أحد لقاءاته، حيث يتحدّث عن كيف كان تصوير فيلم “اليوم السادس” (1986)، وهو التعاون الأخير بين “شاهين ومحسن”، جحيماً حقيقياً، وأن “شاهين” أراد لـ”محسن” أن يكون “عوكة” تماماً، يلاعب القرد والطفل ويرقص ويغني ولا ينام، والنتيجة كانت إرهاقات واكتئابات وكوابيس متتالية أثرت على علاقتهما، للدرجة التي قرر محسن محيي الدين عدم التعاون مع شاهين مرة أخرى، ولكنه كان قد قدم بالفعل واحدا من أفضل الأدوار في السينما المصرية.

الانباء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى