ناصر و ثورة يوليو
إثنان وستون عامًا مرت على ثورة يوليو، تلقت فيها كثير من السهام المعادية وتلقى رجالها كثيرًا من الاتهامات، فى محاولة للتقليل من شأن ثورة غيرت وجه مصر، وللنيل من رجل قاد ثورة من أجل أمة، كان عمره وقتها 34 عامًا، يقود ثورة شابة فتية ويحلم ببناء دولة قوية، لديها حلم.
كان جمال عبد الناصر، يعرف مدى المشاكل التى تنتظره فى حكم مصر، ويعرف حجم الدولة ويقدر احتياجات الشعب وطموحه، ولم يتخذ يومًا إجراءًا واحدًا ضد الشعب، الذى كان غالبيته من الفقراء والطبقة الوسطى، وهى الطبقة التى عاشت فى عهده فى درجة عالية من التدليل والسماح لها بدرجة من الرفاهية، وهى الطبقة التى تمثل العمود الفقرى لأى دولة قوية.
الشاب عندما وصل إلى عامه الـ 38، أى بعد الثورة بأربعة أعوام، اتخذ أهم وأخطر قرارات فى حياته بتأميم قناة السويس، ثم وضع برنامج طموح للتصنيع فى عام 58، ثم خطة خمسية أكثر طموحًا، حققت نجاحًا، فاق كل التوقعات (1960– 1965)، ثم تأميمات شاملة فى قطاعات الصناعة والتجارة والبنوك والتأمين، ومشروعات كبيرة فى تجارة التجزئة، كان النجاح باهرًا لتلك الثورة، ولذلك الشاب المغامر الطموح صاحب المشروع وصاحب الحلم، فحلمه كان (دولة قوية)، كان النجاح باهرًا قبل أن تقع هزيمة يونيو67، فوضعت لهذا كله نهاية، وقد كان المطلوب عالميًا أن يكون لهذا النجاح المبهر نهاية مؤلمة ومهينة ومذلة.
النجاح الباهر الذى حققه، ذلك الشاب، فى الاقتصاد، كان ينعكس فى معدل نمو الناتج القومى، حيث وصل لمستوى عالى وهو 6% سنويًا، واذا كان معدل نمو السكان 2.8 % فقد زاد متوسط الدخل بأكثر من 3.2 %، وهو أداء مبهر خاصة بمقاييس ذلك الزمان،
كانت ثورة يوليو، خلال الخمسة عشر سنوات الأولى، أى قبل النكسة، لديها مشروع ولديها قائد قوى لديه حلم، وقد مر على رحيله وتجربته إلى الآن، أربعة وأربعون عامًا ومازالت صورته ترفع فى الميادين، ومازالت صورته معلقة على جدران البيوت والدكاكين، ومازال الناس ينادون عليه فى كل محنة، مرت كل تلك الأعوام على مجتمع ذاكرته ضعيفة، وعلمه يكاد يكون معدومًا، ومازال هو وثورته فى القلب، ومازلنا نعيش فى خيرات ذلك الرجل، خيرات حلمه الذى حققه، كانت ثورة ونجحت وكان زعيمًا عينه الحنونة على الشعب.