الأخبار

الزيارة الاستثنائية للمساجين بأبوزعبل

54

 

 

بوابة جانبية صغيرة موصدة، يصطف أمامها عشرات الأهالى القادمين من محافظات مصر المختلفة، مع أول ضوء لنور الصباح، محملين بالأمتعة والأطعمة لذويهم القابعين خلف القضبان لتورطهم فى جرائم متعددة، بحسب محاضر الاتهام الموجهة لهم، ينقسم المحتشدون فى طابورين فى انتظار موعد الدخول الذى لم يأت بعد، الأول للرجال والآخر للنساء، هكذا يبدو المشهد أمام بوابة سجن أبوزعبل القابع على ترعة الإسماعيلية بطريق القاهرة – الإسماعيلية الزراعى، فى الساعات الأولى من صباح الأيام المخصصة لزيارة العيد الاستثنائية، تختفى ملامح العيد من المكان، باستثناء بعض عبارات التهنئة المقتضبة التى يتبادلها المصطفون «كل سنة وأنت طيب.. وإن شاء الله يكون آخر عيد لهم هنا»، وبعض العبوات الكرتونية المملوءة بكحك العيد ضمن الأمتعة التى يحملها بعضهم، فالمكان أشبه بثكنة عسكرية، حيث يؤمن السجن من الخارج ثلاث دبابات والعشرات من الجنود الذين يتمركزون فى أماكن متفرقة أمام بوابة السجن الرئيسية، خلف حواجز أسمنتية تحدد حرم المدخل الذى يضم ثلاثة سجون فرعية داخله.

ساعتان تمران ببطء شديد، تعبر عنه تساؤلات البعض عن الوقت المتبقى، يتضاعف خلالهما أعداد المنتظرين للدخول لأبنائهم فى زيارة استثنائية بمناسبة العيد، وفى الثامنة إلا قليلاً، ينتفض الجميع على صرير الباب الحديدى، يلملم الجميع أشياءهم استعداداً للدخول، يصدح العسكرى ذو الملامح الجامدة مطالباً الجميع بالهدوء «عايزين نسكت شوية علشان نعرف نشوف شغلنا»، مضيفاً «لكل واحد يجهز بطاقته الشخصية فى إيده».

تبدأ عملية الدخول لخمسة أشخاص من طابور السيدات ومثلهن من طابور الرجال، يخضعون خلف البوابة لعملية تفتيش ذاتية بعد الاستعلام عن هويتهم والكشف على أمتعتهم إلكترونياً، ويدوياً إذا اقتضى الأمر، 10 دقائق تمر، يدخل بعدها عشرة آخرون، ليعلن بعدها أمين الشرطة المتابع لشاشة الجهاز حدوث عطل فنى، يأمر الضابط بوقف حركة الدخول «متدخلشى حد دلوقتى لحد منشوف الجهاز ده الأول يا بنى» فى إشارة إلى العسكرى الواقف أمام البوابة.

إجراءات صارمة لتفتيش وفحص الأطعمة إلكترونياً وصفارات الإنذار تدفع إلى تفتيشها يدوياً

يعود الاسترخاء مجدداً متبوعاً بتأفف أهالى المحبوسين، الذين يعبرون عن غضبهم «إحنا هنا من الساعة 5 الفجر ولسه مش عارفين هندخل إمتى»، بينما يسخر آخرون «حتى فى العيد الجهاز بيعطل»، بوجوه عابثة، تخلو من الابتسامة، يترك الطاعنون فى السن الطابور الممتد إلى أول الطريق الأسفلتى، مؤكدين على من يقف خلفهم أن يحجز لهم المكان، سيدة خمسينية العمر تتكئ على السور المجاور «بقالى شهر مشفتش ابنى كنت عيانة ومبخرجشى من البيت»، بهذه الكلمات تتحدث أم ياسين مع السيدة التى تجلس بجوارها «بعت لى مع إخواته أنه عايز يشوفنى فى العيد»، يأتى رد جارتها فى الانتظار «ربنا يفك أسره والله إحنا اللى تعبانين وهما مستريحين جوه»، ترفض أم ياسين الشق الثانى من كلامها «ده سجن، هو السجن فيه راحة ولا حد مستريح»، يقطع الحديث بينهما عودة حركة الدخول إلى طبيعتها الأولى، تعود كل منهما إلى موقعها فى طابور الانتظار.

ثلاثة أفراد من أقرباء الدرجة الأولى، هم الحد الأقصى المحدد للزيارة لكل سجين، هكذا يردد عسكرى البوابة، القابع بجوار لافتة تخبر الزائرين بين الحين والآخر، تحديداً كلما زاد عدد الزائرين للسجين الواحد على المسموح لهم بالدخول، على يمين المجند القادم من إحدى قرى الوجه البحرى، كما تظهر كلماته التى يتفوه بها، دونت كلمات باللون الأسود بخط اليد تخبر الزائرين «ممنوع دخول المحمول وكاميرات التصوير»، لكن يبدو أنها لم تحقق المراد من كتابتها، مما يدفع مرتدى الزى الكاكى لتكرارها بطرق أخرى «اللى معاه موبايل يسيبه فى الأمانات قبل ما يدخل».

بمجرد عبور البوابة الرئيسية، وانتهاء عملية التفتيش الأولى، يستقل الأهالى قطاراً حديدياً يجره جرار زراعى «طفطف» مقابل جنيه لكل راكب يجمعها أحد المجندين، إجبارياً، رغم أن المدون على التذكرة أنها اختيارى، بحسب ممدوح سعد أحد أهالى المسجونين «لازم نركب الطفطف ومفيش حد بيمشى على رجليه»، يشق «الطفطف» طريقه داخل ممرات السجن إلى ثلاثة سجون فرعية «شديد الحراسة، أبوزعبل 1، أبوزعبل 2» أمام الاستراحة المخصصة لكل سجن يهبط منه عشرات الأسر الذين يقبع ذووهم خلف جدران السجن، ليبدأ الانتظار من جديد بالوقوف فى طابور آخر لتسجيل أسماء الزائرين والسجين الذى يريدون الدخول إليه، ثم الانتظار فى الاستراحة حتى تبدأ الزيارة فى الحادية عشرة صباحاً، بدخول الزيارة الأولى، ليصطف الأهالى للمرة الثالثة فى طابور أمام بوابة السجن الداخلية، دقائق الانتظار تمر ببطء حتى يصل المسجونون، يبدأ الاستقبال بالابتسامات المتبادلة بين الأهل وابنهم المسجون، التى تتطور فى بعض الأحيان إلى بكاء، بينما تدور الحوارات بينهم بكلمات للاطمئنان على حال كل منهم للآخر، بين ممرات الصالة يترقب أفراد بزيهم المدنى ما يدور داخلها، حيث تراقب أعينهم حوارات المساجين وأى أفعال قد تثير الريبة داخل أروقة القاعة، يعلو صوت الجرس معلناً انتهاء الزيارة، بعد مرور دقائق تتراوح ما بين 5 إلى 10 دقائق.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى