صباح بئر من الأسرار

صوت حنون، إطلالة جذابة، ضحكة مفعمة بالحيوية، وملامح أنثوية بريئة خطفت القلوب دون استئذان، هي تلك الفتاة “الدلوعة” القادمة من قرية بدادون اللبنانية، وصلت إلى مصر لتصبح أشهر ممثلات “هوليوود الشرق”، بعدما جمعت بين الغناء والتمثيل وأتقنتهما وبرعت فيهما، لتتربع على عرش الفن نجمة متوجة وأمنية لكل الرجال.. إنها الشحرورة صباح.

ولدت صاحبة الوجه الملائكي، جانيت جرجس فغالي يوم 10 نوفمبر 1925، وكسبت لقبها نسبة إلى اسم عمها الشاعر “شحرور الوادي”، كما أطلق عليها الصبوحة والأسطورة.

بدأت التمثيل من صغرها بلبنان، وطغى على ملامحها وأدائها التمثيلي النجومية، حيث استطاعت أن تتميز بشهرة محلية عالية، ما ساعدتها على لفت انتباه المنتجة السينمائية آسيا داغر، لتفتح لها أبواب للتمثيل في مصر، وتبرم معها عقدًا لتمثيل ثلاثة أفلام دفعة واحدة.

الصبوحة التي ولدت نجمة منذ الطفولة، كانت بدايتها الفنية الحقيقية عام 1943، حين مثلت فيلمها الأول “القلب له واحد”، مقابل 150 جنيهًا مصريًا، ثم ارتفع أجرها تدريجيًا بعد ذلك.

وميز الشحرورة، صوتًا جبليًا اعتاد على الأغاني الفولكلورية، حيث تأصلت في مجال الغناء على يد الملحن رياض السنباطي، الذي ألّف موسيقى فيلمها الأول، ورغم أنه عانى معها في البداية؛ لتطويع صوتها وتلقينها على أداء الأغنية المصرية بدلًا من الأغاني التراثية الخاصة بلبنان وسوريا، إلا أن هذه البداية كانت بوابة العبور لعالم الغناء من أوسع أبوابه.

الشحرورة ودنجوان السينما رشدي أباظة، جسدا قصة حب لم تنتهي رغم تعدد زيجاتها، حيث اعترفت أن الرجل الوحيد الذي ترك أثرًا في حياتها هو الدنجوان، رغم أنها كانت ضرة للفنانة سامية جمال، زوجته الأولى، ولم يستمر زواجهما أكثر من 5 أشهر فقط لينفصلا بعدها.

تزوجت الصبوحة، من 8 رجال آخرين، وهم: نجيب شماس والد نجلها الدكتور صباح شماس وقضت معه 5 سنوات، وخالد بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود، واستمرت معه عدة أشهر وانفصلا بسبب ضغط من عائلة زوجها، وأنور منسي عازف الكمان ووالد نجلتها هويدا وارتبطا 4 سنوات فقط، وأحمد فراج وهو مذيع مصري وقضت معه ثلاث سنوات، والفنان يوسف شعبان واستمر الزواج شهرًا واحدُا، والنائب الأسبق يوسف حمود وقضت معه سنتين، ثم الفنان وسيم طبارة وقضت معه 4 سنوات، وأخيرًا الفنان فادي لبنان وقضت معه 17 سنة.

“مدام بنك”.. أقرت الشحروروة بندمها على التسرع في الزواج، حيث إن أغلبية أزواجها كانوا يستغلون شهرتها وثروتها لمصالحهم، لأنها تنفق المال من غير تفكير على من تحب، إضافة إلى حبها للجمال والأزياء، كان من أقرب الأشخاص إلى قلبها أختها “سعاد” وابنتها هويدا، التي تعتبر رفيقتها وسندًا لها في الأزمات، كما شاركتها في بطولة العديد من أفلامها منذ صغرها، وامتهنت الفن لفترة وبعدها اعتزلت ولم تظهر على الشاشة مرة أخرى.

ومثلت صباح، عددًا ضخمًا من الأعمال الفنية المتألقة في السينما المصرية واللبنانية، برعت في تقديم أكثر من 85 فيلمًا من أشهرهم “الحب في خطر”، “شارع الحب”، “الرجل الثاني” و”العتبة الخضراء”، وأدت 17 مسرحية غنائية لبنانية، وكان لمجال الغناء النصيب الأكبر، حيث سجلت ما يزيد عن 3 آلاف أغنية بين مصري ولبناني، وكانت آخر أعمالها أغنية “يانا يانا”، التي أعادت تقديمها بتوزريع موسيقي جديد وشاركتها الغناء الفنانة رولا سعد، وآخر أفلامها “ليلة بكي فيها القمر” بصحبة النجم حسين فهمي.

صباح فنانة ذات مكانة خاصة، فهي ثاني فنانة عربية تغني على مسرح “الأولمبيا” الشهير في باريس مع فرقة روميو لحود الاستعراضية بعد السيدة أم كلثوم، كما وقفت على مسارح عالمية أخرى مثل “أرناغري” في نيويورك، “دار الأوبرا” في سيدني، “قصر الفنون” في بلجيكا و”قاعة ألبرت هول” بلندن، إلى جانب مسارح لاس فيغاس وغيرها.

ورغم أنها اعتزلت الفن وابتعدت عن الأضواء، إلا أن الشحرورة لا تزال حاضرة في وجدان جماهيرها، متربعة على عرش الفن كنجمة كل الأجيال.