الأخبار

قصة قديمة

 

143

 

 

منذ أن غضب عليه المدير أصبحت أيامه بالشركة سوداء.. يبدو أنه تراث تقليدى.. يا ويلك إذا غضب عليك الرئيس فى العمل.. لن تجد بالمكان ولياً ولا نصيراً.. حتى أصحابك سيحبونك فى السر.. لكن فى العلن لن تجد منهم سوى الإعراض والخذلان.

كان المسؤول المالى صديقه وزميل دراسته، لكنه ما إن أدرك أن المدير يكره صاحبه حتى تنكر له وصار يسخر منه أمام الموظفين، وذلك حتى تنقل العصافير الأمر للمدير فيكسب عنده نقطة إضافية!. حتى السكرتيرة التى كان هو نفسه سبباً فى تعيينها أصبحت هى الأخرى تتلفت حولها حين يلقى عليها تحية الصباح قبل أن ترد فى صوت خجول لا يسمعه أحد بكلمات غير مفهومة. لقد بلغ انسحاقهم أمام المدير ومحاولاتهم نيل رضاه درجة لا تصدق. كان الرجل فاسقاً فاجراً، وله قصص فساد تزكم روائحها الأنوف، وكانوا يعرفون عنه ذلك ويجدونه مدعاة لمزيد من الإذعان خشية التعرض لأذاه، وهو من جانبه لم يقصر فى إذلالهم وبعثرة كرامتهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. كان صاحبنا يشاهد هذا ويتعذب وهو يستشعر صعوبة التغيير وسط قوم أدمنوا الهوان وأصبحوا على استعداد لأن يقاتلوا مَن يحرمهم ثمرته الفاسدة. لقد تقدم أكثر من مرة بمستندات للإدارة العليا تثبت جرائم المدير واختلاساته وتحويله الشركة إلى عزبة ينهبها الأقارب والأصهار، حتى إنه سد باب التعيينات فى وجه الشباب المتفوق من كل التخصصات، ولم يعين سوى الذين ينتفع من وراء أهاليهم. وعندما لم يجد أذناً صاغية قام بالتصعيد وأرسل الأوراق إلى كل الأجهزة الرقابية وقدم ما لديه، وكانت النتيجة حفظ الشكوى!. لم يفهم أحد سر عداء المدير له.. صحيح هم يعلمون أن مديرهم المرتشى لا يحب الشرفاء، لكنه لم يكره أحدا ويضطهده كما فعل مع صاحبهم هذا. البعض رجح أن استعصاءه على الإفساد والفشل فى شرائه هو من الأسباب الحقيقية لاضطهاده وتخطيه فى الترقية وتصعيد من لا يدانونه علماً وخبرة ومكانة وجعلهم رؤساء عليه.

لكن يشاء رب العباد أن تتبدل الظروف ويحدث تغيير دراماتيكى نتيجة تصفية حسابات بين الكبار، يترتب عليها ذهاب المدير الفاسد للسجن مصحوباً باللعنات، ثم يجد صاحبنا نفسه وقد أصبح هو المدير، فسبحان مغير الأحوال. يذهب الرجل لمكتبه الفخم وهو عازم منذ اليوم الأول على التطهير وتخليص المكان من رؤوس الفساد.. هو لا يحتاج إلى من يدله على الفاسدين، فملفاتهم كلها عنده، وجرائمهم جميعاً موثقة وهو أول شاهد عليها.. كل ما عليه أن يسدد إليهم ضربة واحدة فيسجن منهم من يستحق السجن، ويفصل من لا أمل فى إصلاحه، ويعيد تأهيل الباقين.. لكن رويداً.. ما المشكلة فى أن يتريث قليلاً ليستمتع بالسادة أولاد الرقاصة من زملائه السابقين الذين ساموه سوء العذاب وهم يحملون له البخور ويقدمون فروض الطاعة والولاء ويتذللون ويتضرعون فى حضرته كما كانوا يفعلون مع سلفه؟ ما المشكلة فى أن يسلى نفسه بالتمتع برؤيتهم يخدمونه بعد أن كانوا يعاملونه بقرف واشمئزاز.. قليل من المتعة لا يضر، وبعدها سيطيح بهم جميعاً ويسدد إليهم الضربة التى ينتظرها منه الناس؟!

طبعاً نهاية القصة معروفة، وهى أن الرجل أدمن نفاقهم وتزلفهم وأصبح يحبهم ويعتمد عليهم ويدافع عنهم بعد أن صاروا رجاله وعزوته.

إذا لم يأتِ الحسم فى اليوم الأول.. فلا أمل.

المصرى اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى