الأخبار

بيع الوهم فى «سجائر إلكترونية»

 

83

 

 

باحثا عن علاج يساعده فى الإقلاع عن التدخين، قرر أحمد عبدالله، 28 عاما، اللجوء إلى السجائر الإلكترونية، من بين خطوات كثيرة اتخذها لتحقيق هدفه. توجه إلى أشهر ممر معروف بتلك التجارة، وزاد من عزيمته اللافتات المنتشرة فى الممر «إن أردت الإقلاع عن التدخين اشتر السيجارة الإلكترونية»، وأقنعه أحد التجار بأن الدواء أحيانا من الداء.

تجار الممر لا يستسلمون إن كان الزبون لا يرغب فى التخلص من إدمان السجائر العادية، لكن لديهم أكثر من خطة لإقناعه بالسيجارة الإلكترونية التى لم تنتشر حتى الآن بشكل ملحوظ، حسب ما أكده أحد التجار أثناء عرض المنتج للزبائن.

أول عناصر الجذب هو شكل السيجارة الإلكترونية، وسهولة استخدامها، فهى جهاز كهربائى يعمل بالشحن الكهربائى، وله بطارية صغيرة تحتوى على مخزن به بخار ماء وسائل مادة النيكوتين، وفى مقدمتها سخان يعمل على تسخين مادة النيكوتين.

الدكتور آدم «بتاع السجائر»

«هو الدكتور آدم بتاع السجائر فين؟».. سؤال متداول بين الزبائن فى أشهر ممر لبيع السجائر الإلكترونية فى روكسى، تجد التاجر الذى يعرف نفسه للزبائن بأنه طبيب، يشرح لعدد كبير يقفون أمامه فوائد السيجارة، مستخدما بعض المصطلحات الطبية ينطقها تارة باللغة العربية وتارة بالإنجليزية، ليقنعهم بأن السجائر الإلكترونية أقل ضررا بالصحة، لأنها تخلصت من أخطر مكونات السيجارة العادية التبغ والقطران، نظرات اللهفة والاهتمام لا تترك الزبائن عند عرض التاجر أنواع سوائل النيكوتين والطعم المختلف.

لا يتوقف الرجل عن الدعاية للسجائر الإلكترونية قائلا: «سعر هذه السيجارة يتراوح بين 150 جنيها إلى 400 جنيه، والسائل بين 30 جنيها إلى 100 جنيه يعنى توفير لفلوسك».

يسأله أحد المدخنين عما نشر عن أنها تسبب السرطان ليضحك على حديثه ويجيبه: «يعنى إيه اللى فى السيجارة دى يسبب السرطان، ثم إننى دكتور وأعرف أضرارها، لكن مش لدرجة السرطان».

إلا أن حديث التاجر مضلل ويتضارب مع تصريحات وتأكيدات وزير الصحة، الدكتور عادل العدوى، فى مؤتمر منظمة الصحة العالمية لبحث «نتائج أبحاث اقتصاديات التبغ» الأسبوع الماضى، الذى أكد خلاله أن السجائر الإلكترونية لا تساعد فى الإقلاع عن التدخين، بل تسبب السرطان.

ويؤكد الدكتور محمد البتانونى، أستاذ أمراض الصدر والحساسية لـ«الشروق» أن السجائر الإلكترونية أقل ضررا لأنها لا تحتوى على مادة القطران، وهى أكثر مادة خطيرة فى السجائر العادية، لكن هناك مادة مذيبة من الكحوليات ومواد بترولية فى السجائر الإلكترونية تخضع للدراسات والأبحاث، لرصد أضرارها ومقارنة ذلك بأضرار السجائر العادية، لكنها فى كل الأحوال شديدة الضرر.

التجار يستهدفون سوق الأحياء الشعبية

يبحث دائما تجار تلك السجائر عن طرق لترويجها وإقناع الزبائن بها، لكن أحاديثهم تختلف تماما بين التجار والزبائن وبين التجار فيما بينهم، وينتهز التجار أى فرصة لنشر السيجارة الإلكترونية فى مناطق وأحياء أخرى، خصوصا الأحياء الشعبية التى لم تنتشر فيها حتى الآن، وهو ما فعله مصطفى أحمد صاحب أحد المحال فى الممر عندما عرّف محرر «الشروق» نفسه له بأنه تاجر جديد، ويريد الاتفاق على شراء كمية كبيرة من السجائر لعرضها فى كافيه يمتلكه بأحد الأحياء الشعبية.

وسارع مصطفى فى نصح المحرر، عن كيف يقنع الزبون بأن السجائر الإلكترونية بها خطورة أقل من العادية بنسبة 75%، وتساعد على الإقلاع عن التدخين، ولها طعم مختلف عن السجائر العادية.

وقال مصطفى: يجب شراء كميات قليلة لأنها ممنوعة فى مصر حتى لا نلفت الأنظار لها لأن السجائر الإلكترونية ستنتشر بعد 6 أشهر وقتها ستشعر الحكومة بذلك وتمنعها (نكون عملنا قرشين حلوين)، لكنه أكد أنه لا يخالف ضميره ولا ينصح غير المدخنين بشراء السجائر الإلكترونية لأنه «حرام»، لكنه يفضل بيعها للمدخنين لأنها أقل ضررا بالرغم من يقينه أنها لا تساعد على الإقلاع عن التدخين.

وأضاف: هو فى حد عايز يمنع شرب السجائر يروح لسجائر تانية؟.. كله أكل عيش.

مصطفى يعلم أن وزارة الصحة منعت بيعها عام 2011، مستندة إلى توصية منظمة الصحة العالمية بضرورة عرض هذه النوعية من السجائر على الرقابة لأنها تعتبر مستلزما طبيا يحتوى على مادة فعالة، وأن هذا النوع من السجائر يحتوى على مواد مسرطنة ومواد أخرى تسبب الالتهاب والحساسية.

وأكد مصطفى أن وزارة الصحة تترصد لهم بسبب سائل النيكوتين فى السيجارة، خصوصا أن هناك أنواعا تقليدية وغير معلوم أماكن تصنيعها ويتم استيرادها من الصين.

ويؤكد د. هانى عماد رئيس لجنة مكافحة التدخين أن وزارة الصحة تمنع بيع السجائر الإلكترونية، ولا تصرح بتداولها، مضيفا أن السجائر الإلكترونية مازالت تخضع للأبحاث للتعرف على أضرار سائل النيكوتين الذى يستخدم فى السجائر، نافيا ما يردده التجار أنها تساعد على الإقلاع عن التدخين والدليل أن هناك شركات تبغ معروفة تصنع تلك السجائر، فمن غير المنطقى أن تطرح تلك الشركات منتج يساعد المدخنين على عدم شراء منتجاتهم الأصلية.

وأشار إلى أن سبب تصنيع هذا النوع من السجائر هو مساعدة المدخنين على التدخين فى الأماكن المغلقة، لأن رائحة السجائر لا تضايق أحدا مثل السجائر العادية، لكنها لا تساعد على الإقلاع مثلما يقال، وهذه السجائر مهربة ووزارة الصحة تناشد دائما الجهات المعنية بمنع تداولها.

إعلانات مضللة

فجأة يملأ الدخان شاشة التليفزيون، قد تتصور أنه مشهد فى فيلم عربى وأبطاله يدخنون لكن تكتشف أنك تشاهد لأول مرة إعلانا عن سجائر وشيشة إلكترونية، ويتعمد أبطال الإعلان إظهار مدى الاستمتاع بطعم نكهات هذه السجائر، ويحاولون إقناعك أن منتجه غير مضر بالصحة عن طريق عرض أراء أطباء (بحسب تعريفهم فى الإعلان)، وينتهى الإعلان بختم وزارة الصحة للتأكيد أن منتجات الإعلان حصلت على تصريح وزارة الصحة ولا يمنع تداولها وأنها أولى خطوات الإقلاع عن التدخين.

يتنافى مضمون الإعلان مع دعوة منظمة الصحة العالمية، التى أطلقتها لتنظيم بيع واستخدام السجائر الإلكترونية ومنع تدخينها فى الأماكن المغلقة وحظر الإعلان عنها وبيعها للقصر، وطالبت المنظمة منع مصنعى السيجارة الإلكترونية من إطلاق المزاعم الصحية، مثل مساعدة المدخنين على التخلص من هذه العادة إلى أن «يقدموا دليلا علميا مقنعا ومدعوما ويحصلوا على الموافقة التنظيمية».

ويؤكد د. هانى أن القانون رقم 53 لسنة 1981 فى شأن الوقاية من أضرار التدخين «يحظر الإعلان أو الترويج لشراء أو استعمال السجائر ومختلف منتجات التبغ كلية سواء كان ذلك فى الصحف أو المجلات أو ما يصدر عنها أو تقوم بتوزيعه أو بالصور الثابتة أو المتحركة أو بالرمز أو بالصور المرئية أو بالوسائل المسموعة أو بأى وسيلة أخرى»، وبذلك يمنع أى قناة فضائية من الإعلان عن السجائر نهائيا.

وبالرغم من حظر القانون إعلانات السجائر لكن لا تقدم وزارة الصحة شكوى واحدة ضد إعلانات السجائر الإلكترونية، إلى هيئة الاستثمار، بحسب ما أكده مصدر مسئول فى الهيئة.

وقال المصدر إن هيئة الاستثمار لا تخاطب أى قناة أو تتعامل مع مخالفاتها إلا بعد ورود شكوى مرفق بها الأسباب، وبعدها يتم دراستها ثم التعامل مع القناة المخالفة وتتعدد العقوبات بين الغرامة والإنذار حسب طبيعة المخالفة، مضيفا أن الهيئة تحتاج إلى سلطات أكثر للتعامل مع المخالفات لأنها جهة إدارية فقط ولا يحق لها ذلك لأنها سيطعن على قرارها ضد أى قناة.


الشروق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى