الأخبار

اللعب على المكشوف فى الشرق الأوسط

169

 

 

 

الرئيس الأمريكى والملك السعودى والمشير المصرى فى مباحثات الفرصة الأخيرة بين واشنطن والرياض!
■ البنتاجون: 23 ملياراً حجم تمويل الإرهاب فى آخر ثلاث سنوات.. الإخوان يتلقون التمويل من شخصيات وحكومات عربية ويقتطعون لأنفسهم 14 مليارا سمسرة!
■ أوباما يدفع السعوديين للسباق النووى بعد فشله فى الضغط على إيران وبندر بن سلطان يرفض لقاء مدير المخابرات الأمريكية احتجاجا على تخاذله فى سوريا!
ما أن هبطت طائرة أوباما فى مطار الرياض حتى نزل على سلمها «قفزا».. وكأن درجات السلم من الحديد الساخن.. أو كأنه يستعد بلياقته البدنية لتلقى اللوم المتوقع من ملك البلاد عبدالله بن عبدالعزيز.
وعكست مراسم استقباله مدى الغضب السعودى من سياسته التى أهملت الحلفاء وانحازت إلى الأعداء.. فلم يكن فى انتظاره سوى أمير الرياض خالد بن بندر ونائبه تركى بن عبدالله.
وحملت طائرة هليكوبتر أوباما إلى حيث مقر إقامة الملك فى منتجع «روضة خريم» على بعد 60 كيلومتراً شمال شرقى الرياض.. ليكون فى استقباله ولى العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز.
استمرت المباحثات 12 ساعة منها ساعتان مع الملك.. حضرها من الجانب الأمريكى صقور البيت الأبيض.. سوزان رايس مستشار الأمن القومى.. وفيل جوردن مساعد الرئيس لشئون المنطقة.. وروب مالى كبير مديرى الشرق الأوسط.. وفى الجانب السعودى جلس ولى العهد.. وولى ولى العهد مقرن بن عبدالعزيز.. ووزير الدفاع سلمان بن عبدالعزيز.. ووزير الخارجية سعود الفيصل.
لم ينطق أحد من صقور البيت الأبيض سوى القليل من الكلمات.. فالانتقادات التى يسمعونها من حلفاء بلادهم فى المنطقة ليست جديدة.. وسبق أن تلقوها فى تقارير شديدة الأهمية والسرية من البنتاجون.. وخلاصتها.. أن تغيير بوصلة الاهتمام الاستراتيجى من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى جاء على حساب المصالح الأمريكية.. فإمدادات النفط أصبحت غير منتظمة بسبب الصراعات الداخلية فى الدول المنتجة مثل العراق وليبيا.. والتنظيمات الإرهابية المسلحة فرضت عدم الاستقرار على كل ما حولها.. واستغلت روسيا الغياب الأمريكى وراحت تمد جسورها من جديد إلى المنطقة.. محفزة مرة أخرى على إعادة الحرب الباردة.
أكثر من ذلك.. رصدت تقارير البنتاجون حالات الفشل الأمريكى بعينات واقعية ملموسة وقالت نصا:
■ «نحن موجودون فى الأردن وندرب هناك جنودا نكتشف فيما بعد أنهم إرهابيون يقتلون جنودنا فى جنوب ليبيا».
■ «نحن موجودون فى جنوب ليبيا.. لطرد إرهابيين يحاربوننا بسلاح أمريكى».
■ «نحن نحارب فى سوريا ثم نجد الذين ندربهم قد أصبحوا ناطقين باسم القاعدة ولا يترددون فى قطع رؤوس الأطفال هناك».
« هذه أمثلة مؤلمة من الأوضاع التى أوصلتنا إليها سياسة إعادة رسم خريطة المنطقة بدعوى الفوضى الخلاقة وهى بالتأكيد فوضى غير خلاقة».
ويعترض قادة الأركان فى البنتاجون على استمرار البيت الأبيض فى دعم تنظيم الإخوان ويقولون فى آخر تقرير رفعوه إلى الرئيس الأمريكى:
« لقد بدأ الامتحان فى تونس.. تسلم الإخوان السلطة هناك.. لكنهم فشلوا فى إدارة الدولة وأجبروها على التراجع.. والأسوأ ما حدث فى مصر.. ساعدناهم فى الوصول إلى الحكم.. لكن.. الشعب طردهم مباشرة دون توجيه من حزب.. أو طلب من قائد.. فى ظاهرة سياسية غير طبيعية.. إن المصريين معرفون بقدرتهم على تحمل المصاعب إلا أن مستوى الظلم الذى مارسته الجماعة دفعهم إلى الخروج عليها».
وما ضاعف من المأساة حسب تقرير أخير لمركز سترتفور المساند لأجهزة المخابرات الأمريكية أن أزمة الإخوان فى مصر انتقلت إلى المنطقة وخارجها.. «علاقة القاهرة بواشنطن الراعى الأكبر لمصر أصابها الاضطراب على نحو غير مسبوق منذ 30 يونيو».. «وانشق الصف الخليجى بسحب السعودية والإمارات والبحرين سفراءهم من قطر بسبب دعمها للإخوان ماليا وإعلاميا وسياسيا.. مما ضاعف من حالة عدم الاستقرار».
وفى الوقت نفسه فإن الروس يسعون إلى توسيع دائرة نفوذهم فى المنطقة التى بدأوا فى العودة إليها مستفيدين من التوترات التى سببها الإخوان لنظم الحكم فيها.
يضيف التقرير الصادر منذ عدة أيام: «إن الخلاف بين القاهرة وواشنطن قضية أخرى تستغلها موسكو.. فقد وافقت على صفقة أسلحة بثلاثة مليارات دولار.. كما تتفاوض حول إنشاء منطقة حرة بين مصر ودول الاتحاد الجمركى التى تشمل روسيا وبيلا روسيا وكازاخستان».
إن الموقف المتناقض بين السعودية والولايات المتحدة حول الإخوان فرض نفسه على زيارة أوباما.. لقد دعمت السعودية مصر ماليا ودبلوماسيا.. لكن.. الأهم أنها أعلنت الإخوان تنظيما إرهابيا.. وعلى ما يبدو.. فشل الرئيس الأمريكى فى إقناع الملك السعودى بالتراجع عن موقف بلاده.. أو فى الحد الأدنى يربط الدعم الذى يقدمه إلى مصر بدخول الإخوان فى العملية السياسية.
لكن.. الصدام الأشد بين الملك والرئيس كان بسبب إيران.
إن السعودية تعانى من متاعب شيعية فى المنطقة الشرقية.. حيث يقع ميناء رأس تنورة.. أكبر مرفأ لتصدير النفط فى العالم.. ورغم أن 90 فى المائة من سكان المملكة من السنة فإن معظم المقيمين فى المنطقة الشرقية من الشيعة الذين يشعرون حسب تقرير لسيمون هندرسون الباحث بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط بحرمان اقتصادى وسياسى منذ فترة طويلة.. مثلهم مثل الغالبية العظمى من سكان البحرين.. الجزيرة المجاورة التى دمرتها التظاهرات والاشتباكات والانفجارات على مدى السنوات الثلاث الماضية.
وقد تضاعفت مخاوف السعودية وغالبية دول الخليج من تغير السياسة الأمريكية تجاه إيران النووية والشيعية.. من سخونة تقترب من حد الاشتعال إلى برودة تهبط إلى مستوى التفاهم وربما التحالف.
وتبنت السعودية سياسة مضادة بمساندة المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد.. فتغيير السلطة فى دمشق انتكاسة استراتيجية لطهران.. ونفذ تلك السياسة بندر بن سلطان.. لكن.. فيما بعد جرى تهميشه.. ليتولى الملف السورى ابن عمه محمد بن نايف وزير الداخلية الذى نجا من محاولة تفجيره عندما حاول إرهابى محشو بالمتفجرات احتضانه.. وهو يتلقى دعما قويا من متعب بن عبدالعزيز رئيس الحرس الوطنى.. القوة الأكثر كفاءة فى المملكة.
ويعتقد سايمون هندرسون أن بندر بن سلطان جند المتطرفين الجهاديين ضد الأسد.. لكنهم.. سرعان ما انقلبوا على بلاده.. وهددوا استقرارها.. بحثا عن زعامة العالم السنى.. الملعب المفضل للنفوذ السعودى.. وبفشل هذه السياسة أعلنت الرياض عدداً من المنظمات الجهادية منظمات إرهابية مثل الإخوان وحزب الله والنصرة وداعش.
وشعر بندر بن سلطان الذى يتعرض لنوبات من الاكتئاب بالإحباط إزاء تردد واشنطن تجاه سوريا.. ورفض عدة مرات لقاء جون برينان مدير وكالة المخابرات المركزية خلال زيارته للسعودية.
وكانت السعودية فى 16 ديسمبر الماضى قد أصدرت قانونا يجرم جهاد السعوديين فى الخارج ويحرم عليهم تمويل منظمات إرهابية.. لكنها.. أضافت إليهم النشطاء فى مجال قيادة المرأة للسيارات.. والمتظاهرين الشيعة فى المنطقة الشرقية.. وشركاء الإخوان وأنصارهم الذين تزايد نشاطهم بعد التخلص من محمد مرسى.. وغيرهم.
وقد كشفت تقارير أمريكية متعددة عن وجود ممولين للإرهاب بين شخصيات سعودية وخليجية مؤثرة بجانب حكومات مثيرة للفتن مثل قطر.. ووصل حجم التمويل فى الثلاث سنوات الأخيرة إلى نحو 23 مليار دولار.. تسلمها الإخوان ليسلموها إلى التنظيمات الإرهابية.. لكن.. الإخوان أخذوا لأنفسهم 14 مليارا.. ولم يسلموا سوى تسعة مليارات.
ورصدت تلك التقارير آخر تمويل من قطر كان لجبهة النصرة حيث تسلم عباس نصر من الدوحة 20 مليون دولار منذ أسابيع قليلة.
ولسيطرة الإخوان على التمويل أصبحت غالبية المنظمات الإرهابية المسلحة تحت سيطرتها.. وليس تعدد أسمائها إلا محاولة من الإخوان لتشتيت جهود الأمن المصرى وإرباكه.. وهو ما كشف عنه وزير الداخلية محمد إبراهيم فى مؤتمره الصحفى قبل أيام.
إن كل هذه التغيرات الداخلية تؤدى فى النهاية إلى تحولات حادة فى المنطقة.. وهو ما لم يستوعبه أوباما الذى لا يزال يرى أن الصين والهند أهم من كل دول الشرق الأوسط.. ويصعب عليه الأخذ بنصيحة البنتاجون بتقوية مصر لتكون قوة إقليمية مناسبة لخلق توازن مع إسرائيل التى انفردت بالمنطقة.. وراحت تقسمها وتفتتها مما هدد المصالح الأمريكية فيها.
لقد وجدت السعودية نفسها مضطرة لدخول السباق النووى فى مواجهة التهديد الإيرانى وبعد أن اعترف أوباما بأن الجهود الدبلوماسية لن تحقق نجاحا يزيد عن خمسين فى المائة.
حسب تقرير أولى هاينون وسايمون هندرسون فإن عام 2009 شهد مرسوما ملكيا يقضى بدخول العصر النووى وبعد عامين أعلنت السعودية عن إنشاء 16 مفاعلا على مدى 20 عاما.. تكلفتها تزيد على 80 مليار دولار.. لتوليد الكهرباء.. دون الإفصاح عن استخدام عسكرى لها فيما بعد..
يضاف إلى ذلك السعى للحصول على أسلحة نووية من باكستان سواء مشتراة أو بترتيبات دفاعية مشتركة.
فى عام 1999 زار وزير الدفاع وقتها الأمير سلطان بن عبدالعزيز موقعا باكستانيا تجرى فيه عملية التخصيب بالطرد المركزى فى منطقة كاهوتا بالقرب من إسلام اباد وشاهد بنفسه نماذج للأسلحة النووية الباكستانية.. وخلال الزيارة التقى بالعالم النووى البكستانى عبدالقادر خان والقى عليه اللوم فى تزويد إيران وليبيا وكوريا الشمالية بأجهزة الطرد المركزى.
يمكن لباكستان أن تنقل رؤوسا نووية إلى السعودية.. ويمكنها أيضا توفير صواريخ قادرة على ضرب أهداف إيرانية.. وتمتلك السعودية بالفعل هذه الصواريخ.. بل أكثر من ذلك حدثتها بجيل جديد من الصواريخ الصينية.
وكان الملك عبدالله قد أبلغ الأمريكيين بأنه إذا ما حصلت إيران على سلاح نووى فإن المملكة ستحذو حذوها.
لقد تصرفت إدارة أوباما بحماقة وجهل تجاه حلفائها التقليديين فى المنطقة.. ولكنهم.. لن يقبلوا بترك مصائرهم فى أيديها.. وحسب هواها.. فهناك تحالفات جديدة بين مصر والسعودية والخليج تتكون.. وهناك قوى صعدت بدأت فى الهبوط.. مثل تركيا.. وهناك ضغوط روسية ممكن أن تمارس على إيران.. لكن.. الأهم أن هناك تراجعا واضحا فى تأثير الإمبراطورية الأمريكية على المنطقة تمهيدا لانهيارها ولو بعد حين.. وسيسجل لمصر أنها دقت المسمار الأول فى نعشها كما فعلت من قبل فى الإمبراطورية البريطانية.
الفجر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى