الأخبار

«وألقيتُ عليك مَحبَّةً مِنِّى»

 

164

 

الحُبُّ فى السَّماء، والحربُ فى الأرض.

الأديانُ السماويةُ الثلاثة هى ثلاثة مُقرّرات خالدة فى الحُبّ، هذه هى حكمةُ الله.

ولكنها- منذ تنزلت على الأرض- وهى وقودُ حرب لا تنتهى، وهذه هى حماقةُ الإنسان.

انظر إلى خريطة الكون- فى هذه اللحظة- ترى المواقع الخالية من الحروب، هى المواقع الخالية من الأديان السماوية، ربما باستثناء كوريا الشمالية.

هذا هو موسى (ص) يتلقّى محبة الله «وألقيتُ عليك محبّةً منِّى»، من الآية 39 من سورة طه، وهذه هى التوراة فيها هُدى ونور «إنا أنزلنا التوراة فيها هُدى ونور»، من الآية 44 من سورة المائدة، ورغم هذه المحبة، ورغم هذا الهدى والنور، يبقى تاريخ اليهودية واحداً من أكبر فصول الحرب فى تاريخ الإنسان، وها هى قد آلت إلى ترسانة نووية عدوانية اغتصابية استيطانية تمثل أسوأ ما فى غرائز البشر من عدوان وهمجية.

وهذا هو عيسى (ص) «وسلامٌ عليه يوم وُلِدَ ويوم يموتُ ويوم يُبعثُ حيّاً»، الآية 15 من سورة مريم، «والسلامُ علىَّ يوم ولدتُ ويوم أموتُ ويوم أُبعثُ حيّاً»، الآية 33 من سورة مريم. ورغم هذا السلام الشامل فإن تاريخ المسيحية على الأرض- كان ولايزال- طفرةً هائلةً فى صناعة الحرب، من أوروبا المسيحية، إلى أوروبا الاستعمارية، إلى أمريكا المسيحية- الصهيونية. وهذه الأخيرةُ هى ذروة العدوان فى تاريخ الإنسان.

وهذا هو مُحمَّدٌ (ص) «وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين»، الآية 107 من سورة الأنبياء. «حريصٌ عليكُم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ» من الآية 128 من سورة التوبة، ورغم هذه الرحمة لعموم الإنسانية، ورغم هذه الرحمة لخصوص المؤمنين، فإن الحرب- فى هذه اللحظة- بين المسلمين والمسلمين تكاد تكون حالة فريدة فى الكون كله. النصيب الأكبر من خريطة الحروب هو هُنا فى ديار المسلمين، وبين المسلمين والمسلمين، وليست بينهم وبين أحد سواهم، بما فى ذلك إسرائيل العدوانية أو أمريكا التآمرية. وهى- فى الغالب- حروب غير مفهومة الأسباب، وغير منطقية النتائج، تقع تحت بند الفتنة الموصولة فى التاريخ، حيث اقتتل المسلمون من صدر الإسلام إلى اليوم.

الحروبُ الدائرةُ فى بلادنا اليوم تجرى تحت رايات سوداء مكتوب عليها شعارُ الإسلام، لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقولون هذه هى الراية التى كان يجاهد تحتها الرسول الكريم (ص)، هذا هو ظاهرُ هذه الحروب، ولكنها- فى الحقيقة- حربٌ من المسيحية الأمريكية الصهيونية علينا، هى من تدبيرها، ومن تخطيطها، ومن تمويلها، ومن تسليحها. تقفُ من ورائها أمريكا، ومن خلفها إسرائيل، التى تلتزم الصمت وتتظاهر بالابتعاد وكأن شيئاً مما يجرى حولها لا يعنيها.

نعلمُ أن هذه الحروب الماكرة- التى ينفذونها بأيدى تنظيمات وجماعات الهوس الدينى- سوف تستغرق عدة عقود، وسوف تُسقط عدداً إضافياً من الأنظمة والسلالات الحاكمة، وسوف تخلق حالة من الفوضى أكبر مما نرى الآن، وسوف تؤدى إلى تسييل جميع الخرائط اليابسة الموروثة من أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وسوف تُعاد رسم خرائط الدول فى شرق أوسط مستحدث تماماً وأمريكى تماماً أو هكذا يخططون على الأقل.

واليقين أن المراحل الأصعب فى هذا المخطط لم تبدأ بعد، واليقين- كذلك- أنهم، أى أمريكا ومعها إسرائيل ومن يعاونهم مثل تركيا وقطر، ومن ينفذ لهم بعض المطالب- على أمل التقرب وطلب النجاة من بعض الدول الخليجية – هؤلاء جميعاً سوف يخسرون الرهان.

سوف ينجحون فى الجزء الأول من المخطط، أى تفكيك المنطقة، وسوف يفشلون فى الجزء الأخير من المسلسل، لن ينجح الأمريكان فى ترسيم خرائط جديدة، بديلاً عن تلك التى رسمها المستعمرون الأوروبيون بعد الحربين الأولى والثانية، ولن تنجح جماعات وتنظيمات الهوس الدينى فى تأسيس دول جديدة على أنقاض الدول القديمة، ولن تجنى إسرائيل ما تشتهيه من أمان على أطلال الدمار العربى من حولها.

خلاصةُ الكلام: هؤلاء الثلاثة: أمريكا، إسرائيل، تنظيمات وجماعات الهوس الدينى، ومن يؤيدهم مثل تركيا وقطر وإيران، يسعون ليكتبوا شهادة وفاة هذه الأمة العربية، وليذيعوا نعيها على مسامع الزمن، وقد يتوهمون أنهم فى سبيلهم لبلوغ الهدف، ولكن، بعد أن يدفعوا الثمن، وربما بعد أن تضع هذه الحروب أوزارها، بعد ثلاثة عقود من الآن، سوف يكتشفون أنهم كتبوا- فقط- شهادة وفاة لنفوذهم فى الإقليم، وأذاعوا بياناً ينعى سيطرتهم عليه.

المصرى اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى