الأخبار

إختراق «التنظيمات السرية» لطلاب الإخوان بالجامعات

39

رحلة عاشتها «الوطن» داخل دهاليز جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيماتها السرية داخل الجامعات فى محاولة لكشف حقيقة من وراء هذا الإرهاب. استغرقت الرحلة التى قام بها عدد من محررى «الوطن» 20 يوماً داخل جامعات القاهرة وعين شمس والأزهر، لتوضيح الطريقة التى تدار بها التظاهرات وأعمال العنف فى الجامعات الثلاث، ومن يمول تلك التظاهرات وأعمال العنف فى محراب العلم، التقينا عدداً كبيراً من الطلاب، شاركنا فى تظاهراتهم، عايشنا الواقع وسط عشرات الطلاب المنتمين للجماعة. حضرنا اجتماعات سرية وحلقات نقاشية جمعتهم، فى محاولة للإجابة عن تساؤلات عديدة حول التكوين الهيكلى للتنظيم وكيفية إدخال الشماريخ والألعاب النارية للحرم الجامعى بالرغم من التشديدات الأمنية على البوابات.

فى بادئ الأمر، اضطررنا للتخفى تحت أسماء وهمية، كطلاب بكل جامعة، ووُجدنا بالمحاضرات لمعرفة ما يدور داخل أروقة الكليات، وكانت البداية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، التى تُعد معقلاً لطلاب «الإخوان» ونقطة انطلاق التظاهرات بالجامعة. الهدوء فى أول الأمر كان يسيطر على حرم الكلية ومدرجاتها، التى تمتلئ عن آخرها بسبب كثرة عدد الطلاب، إلا أنه بعد عدة أيام بدأنا التعرف على وجوه بارزة من طلاب «الإخوان» تبدأ فى التحرك من داخل الكلية وتجهيز العتاد من أجل مهمة كانت مجهولة حينئذ. بعد وقت قصير بدأ تجمع الطلاب فور انتهاء صلاة الظهر، وظهر أشخاص ملثمون يوزعون لافتات مناهضة للجيش والشرطة والنظام الحالى على الطلاب والطالبات، ليخرج الجميع فى تظاهرات من أمام الكلية، لم ننتظر كثيراً حتى عاودنا الدخول لحرم الكلية لمتابعة ما يحدث فى الكواليس، لنجد أحد الطلاب يوجه زملاءه، ليذهب كل منهم إلى بوابة مختلفة من أبواب الجامعة لمراقبة الأوضاع، موضحاً أن هناك زملاء لهم آخرين يراقبون الوضع من الخارج، وعلمنا بعد ذلك أن هؤلاء يدعون «مجموعات المراقبة» لتأمين التظاهرات وإبلاغ القيادات الطلابية حال دخول قوات الشرطة إلى الحرم الجامعى ليتم فض تظاهراتهم.

استكملت «الوطن» رحلتها؛ حيث زرنا مسجد الكلية، لمتابعة ما يدور هناك، عشرات الطلاب يصطفون للصلاة، ودعوات تتصاعد ضد الظلم والقهر، وصلاة يعقبها خروج لهؤلاء الطلاب بشكل غير منظم، بعضهم ذهب للبحث عن «الطبلة» لاستخدامها فى التظاهرات، ثم خرجوا للانضمام للتظاهرات؛ حيث تجمعت الطالبات وبدأت الهتافات تتصاعد، انضممنا لهم ورددنا من خلفهم الهتافات والأناشيد، التى رددوها لتجمعنا الصحبة بأحدهم الذى عرف نفسه بـ«محمود على»، وفتح قلبه ليتحدث عن الدور البطولى الذى يقوم به الطلاب داخل الجامعة، بحسب وصفه، وهو أحد الطلاب الفعالين فى المشاركة بتظاهرات الإخوان بشكل مستمر، وقال «على»: إن القيادات الذين يضعون خطط التحرك وخط السير داخل الجامعة 3 من طلاب جامعة القاهرة، هم: «إ. أ» و«م. ع» و«خ. ح»، موضحاً أنهم لم يظهروا إلا فى مشاهد محددة، ويكون لهم دور فيها من خلال بث الروح والحماس فى نفوس الطلاب، كما أن لديهم أدواراً أخرى مثل مراقبة التظاهرات على بُعد وبحذر حتى لا يتم رصدهم.

ويواصل حديثه قائلاً: «إن الثلاثة لديهم حسابات وهمية على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك ولا يضيفون إلى صفحاتهم إلا الأشخاص الذين يعرفونهم ويثقون بهم». وبخصوص عملية الدعم والتمويل؛ حيث عرضنا المشاركة معهم ببعض الأموال دعماً منا للقضية، قال إنهم يجمعون التبرعات الذاتية من الطلاب، عبر الاتفاق على مبلغ معين، وبمجرد تجميعه يتم بعدها تحديد موعد ومكان التظاهرة، ويتم تغيير الموقع والمكان من حين لآخر، حتى لا يتم إحباط تظاهراتهم من قِبل الأمن، لافتاً إلى أن هناك دعماً يتلقاه الطلاب من آبائهم؛ حيث يطلب الأولاد المال لشراء الكتب والملازم، لكنها فى الحقيقة تُستخدم لشراء الشماريخ والألعاب النارية بجانب طباعة البيانات وتصميم الصور وشراء اللوحات، لاستخدامها فى إقامة المعارض.

بعد أيام من الحديث مع طلاب كثيرين حول كيفية إدارة العملية داخل الجامعات، التقينا أحد الطلاب بجامعة القاهرة، يدعى «ح. أ. م»، بدا عليه القلق والحيطة فور أن تطرقنا لفكرة تهريب الشماريخ والألعاب النارية للحرم الجامعى؛ حيث أوضح أن عملية التهريب تتم بطرق عديدة: إما من خلال التنسيق مع عدد من الأساتذة والمعيدين أصحاب السيارات الخاصة، ومن هم فوق الشبهات؛ حيث يتم وضع الشماريخ أسفل كرسى السيارة، أو يتم وضعها فى الأدراج الأمامية المقابلة للسائق أو المكان الواقع بين الكرسيين الأماميين، وكل هذه الأماكن لا يتم تفتيشها على البوابات أثناء الدخول، كما أن الشماريخ والألعاب النارية من الصعب على الكلاب البوليسية تمييزها وهى داخل السيارة. والطريقة الثانية هى تهريبها أسفل الملابس الداخلية.

وأوضح الطالب أنه فى اليوم الأول للدراسة، كان يتم تفتيش الحقائب بوضعها على السير وبداخلها الشماريخ ولم يتم اكتشافها، موضحاً أنهم يجرون تنسيقاً فيما بينهم قبل تنظيم فعالية بحيث يدخل شخص من البوابة ويراقب الأوضاع، وفى حالة عدم وجود تفتيش ذاتى، يتم تهريب المواد أسفل الملابس الداخلية أو «طُرح الأخوات»، مضيفاً: «ولو مفيش تفتيش ذاتى يتم وضعها أسفل الكتب داخل الشنطة وتهريبها».

وقال الطالب، أثناء جلسة جمعت عدداً من طلاب «الإخوان»، حضرها محرر «الوطن» بصفته طالباً: إن أسلوب الخداع هو عامل النجاح قبل الإعلان عن أى فعالية، مشيراً إلى أن المواعيد التى يتم الإعلان عنها على مواقع التواصل الاجتماعى ليست حقيقية بغرض خداع الأمن، لافتاً إلى أن الظروف الحالية تفرض عليهم اتخاذ إجراءات استثنائية لخداع الأمن لعدم إحباط محاولات التظاهرات، وأن الأيام التى سيتم تحديدها ستكون صحيحة، لكن مواعيد وأماكن التظاهرات يتم تغييرها بين الحين والآخر، ويتم الإبلاغ عن المكان والموعد الرسمى عقب صلاة الفجر، من خلال اتصالات تتم أو رسائل نصية يتم إرسالها، ويشترط على الأعضاء حذف الرسالة فور رؤيتها، لافتاً إلى أن للحركة متحدثين رسميين اثنين بجامعة القاهرة، وهناك شخصاً آخر يُدعى «أ. ف» من خارج الجامعة، وهم من يقومون بكتابة البيانات والشعارات التى يجرى توزيعها خلال التظاهرة ووضعها على الصفحات.

وبخصوص الهيكل التنظيمى لما يُسمى حركة «طلاب ضد الانقلاب» يقول «ع. أ»، الطالب بكلية العلوم بجامعة القاهرة: إن الحركة تتكون من 3 متحدثين رسميين، 2 منهم بجامعة القاهرة هما: أحمد ناصف ومحمد فرحات، وهناك 22 ممثلاً لكليات الجامعة ينسقون مع الطلاب الذكور بكلياتهم، و5 من الأخوات من داخل الحرم الجامعى، 2 من كلية التجارة منهما واحدة تُعرف باسم «آية الربعاوية»، وأخرى من «دار العلوم»، وطالبة ثالثة من كلية الآداب، موضحاً أن هؤلاء ينقلون كل شىء يحدث فى كلياتهم للقيادات، لوضع خطة التحرك وخط سير الفعاليات، بينما توجد مجموعة أخرى لا تشارك فى أى تظاهرات، ووظيفتها القيام بأعمال الشغب والدعم التى تحتاجها المظاهرة من تهريب بعض العناصر، التى يرصدها الأمن، أو تجهيز لعمليات خفيفة، كان أبرزها المجموعة التى نفذت تكسير البوابات الإلكترونية فى أول أيام الدراسة بالجامعة، وإلقاء زجاجات المولوتوف أمام البوابة.

وأشار إلى أن عدم الإعلان عن المواعيد الحقيقية عبر «فيس بوك» أثر على حجم المشاركين فى التظاهرات، قائلاً: «فى البداية، كانت الأعداد المشاركة تتجاوز أكثر من ألف شخص، لكن حالياً بسبب إخفائنا للمواعيد الحقيقة تراجعت الأعداد عن العام الماضى»، مشيراً إلى أن المجموعات المغلقة على «فيس بوك» كانت تحتوى على أشخاص مخادعين يضعون صوراً ولافتات «مؤيدة للشرعية»، لكنهم فى الحقيقة عملاء للأمن ويقومون بالإبلاغ عن مواعيدنا وكل ما يدور من نقاش داخل «الجروبات»، وهو ما تسبب فى عزوفنا عن فكرة الاعتماد عليها كما كان فى السابق، لكن هناك مجموعتين سريتين على موقع التواصل الاجتماعى هما: «رابعة رمز الصمود» و«رابعة من الألم إلى الأمل» يتم التواصل فيهما بين الطلاب محل الثقة، الذين نعرفهم معرفة شخصية، ويوجد مكتب إعلامى للحركة به متحدثون عن الطلاب، وآخر يكتب البيانات التى يتم بثها على صفحات التواصل الاجتماعى.

وفى جامعة الأزهر، يعيش التنظيم حالة من الضعف الشديد على المستوى الحركى؛ فالتضييق الأمنى ووجود قوات الشرطة داخل الجامعة بين حين وآخر، تخطَّيا كل تصوراتهم بحسب قول أحد طلاب التنظيم بالجامعة؛ لذا لجأ الطلاب إلى سياسة جديدة فى التظاهرات يسمونها بينهم «اللقطات»؛ حيث يتجمع العشرات فى تظاهرة لا تزيد على 10 دقائق، أو أقل بحسب المدى الزمنى لدخول الشرطة لداخل الحرم الجامعى من عدمه لفض المظاهرة. ولقيام المظاهرة لا بد من مراعاة عاملين مهمين، بحسب ما يقول «عبدالله. ح»، الطالب بكلية الدعوة، أحد قادة التظاهرات بالجامعة، هما: عنصر الأمان الشخصى للمشاركين، والدقة فى الاستعداد والتنفيذ، موضحاً أنه قبل البدء لا بد من توافر عدد لا يقل عن 30 أخاً أو محباً وأن يكون الجميع من المعلومين تماماً لدى الأخ الأكبر، أو «الكابو»، فكلا التعبيرين يستخدم بحسب العضو المشارك؛ فطلاب «الإخوان» يصفونه بالأخ وطلاب الألتراس أو الحركات السياسية الأخرى يصفونه بـ«الكابو»، ولكل كلية مسئولها الذى لا تقام تظاهرة إلا بإذنه. ونظراً لعدم القدرة على التجمع بشكل أكبر بسبب انتشار الأمن والوجود المكثف للكاميرات فقد بات كل أخ أكبر مستقلاً بكليته بشكل كبير؛ حيث إنه حينما يتيسر له تنظيم تظاهرة عليه أن يبدأ فوراً دون مراجعة لأحد؛ نظراً لما يشعر به الطلاب من رقابة صارمة، مع أهمية وجود وسيلة تسجيل فيديو للتظاهرة لنقلها للإعلام.

وتبدأ التظاهرة وتنتهى بشكل ثابت لدى طلاب «الإخوان» ومؤيديهم؛ فحينما يبدأ الأخ الأكبر أو «الكابو» الهتاف يكون ذلك إيذاناً بالبدء، ولا يشاركه أحد فى قيادة التظاهرة ووقتما يقف يكون ذلك إيذاناً بانتهائها، كما يقول أحد طلاب «الإخوان» الذى عرف نفسه لـ«الوطن» بـ«محمد جمال»، الطالب بالفرقة الرابعة كلية اللغة العربية أحد المشاركين فى التظاهرات بصفة دائمة، الذى كان لزيادة التشديد والتكثيف الأمنى أثر فى تراجعه عن المشاركة فى المظاهرات. ويضيف أن جميع المشاركين فى المظاهرات يحملون أسماء مستعارة ويعيشون بها فى أوساط الطلاب بشكل كامل وكان هو يحمل اسم «إسلام»، ويؤكد أن التحدث بين الطلاب فى الجامعة أو فى الهاتف يكون بالشفرات، موضحاً أنه بعد التظاهرة الكبيرة الأخيرة أمام كلية الهندسة، التى أُحرقت فيها الصوب الزراعية، التابعة لإدارة حدائق الجامعة، جاءه خبر مفاده أن «سيد قد سافر» أى جرى القبض عليه. و«سيد» هذا اسم مستعار للطالب المقبوض عليه، وكشف عن أن المقبوض عليه ليس هو من أحرق الصوب، وأن من أحرقها سافر بالفعل إلى بلدته فور إحراقها، موضحاً أن البنزين الذى أحرقت به الصوب جرت سرقته من خزان سيارة ملاكى، تابعة لأحد الأساتذة بكلية الطب، وأن مشهد التشديد الأمنى على البوابات يعد أكبر جالب للتعاطف من الطلاب مع المتظاهرين وذلك بعد أن صارت الجامعة أشبه بالثكنة العسكرية، على حد تعبيره.

وتمتد عملية التأمين عند طلاب «الإخوان» حتى طمأنة كل مشارك الأخ الأكبر أو «الكابو» بخروجه بسلام من الجامعة، بينما يخرج القيادات عادةً بشكل غير معتاد بأن يخرجوا بسيارة ملاكى أو أجرة بعد انتهاء التظاهرة أو ينتظروا لساعات داخل قاعات المحاضرات ليخرجوا بشكل عادى وقت خفوت القبضة الأمنية.

من ناحية أخرى، قال مصدر أمنى لـ«الوطن»: إن الجهات الأمنية ترصد كل هذه التحركات، سواء على مستوى الحركى على الأرض، أو التخطيط. وأضاف أن قوة تنظيم الإخوان داخل الجامعة قد انهارت بشكل كبير؛ نظراً التشديد الأمنى، وأن سياسة الأمن هى التعامل بهدوء وعدم القبض إلا على الطلاب المتورطين بشكل تام فى أعمال الشغب والعنف؛ لأن القبض على غير المشاركين يؤدى إلى تعاطف كبير معهم، وهو ما لا يريده رجال الأمن.

وأكد المصدر أن التنظيم يغيّر خططه بشكل دورى، وكذلك تفعل الأجهزة الأمنية لمواكبة تغيراتهم، وأن قياداته بات من الصعب تعقبها بسبب التغيير الدائم فى السكن؛ فكل طلاب تنظيم الإخوان داخل الجامعة لا يسكنون إلا مع بعضهم، وقد غيَّروا أماكن سكنهم منذ بداية العام الدراسى وحتى الآن عدة مرات بينما لا تبيت القيادات فى الشقة الواحدة عدة ليالٍ متتالية.

ونفى المصدر وجود أى تعاطف مع طلاب «التنظيم»، متسائلاً: كيف قلت أعداد المتظاهرين بهذا الشكل الكبير؟ وأوضح أن طلاب «الإخوان» ينتظرون فتح المدينة الجامعية بفارغ الصبر نظراً لكونها المزرعة -على حد تعبيره- الأولى والأهم لهم لجلب عناصر جديدة وهم شديدو المهارة فى ذلك، عبر التعامل مع كل طالب وفقاً لما يلاحظونه منه من اهتمامات ورغبات؛ فالمجتهد يستقطبونه بالمساعدات الدراسية، وطالب الترفيه بالرحلات، وطالب المال بالمساعدات العينية والمادية والمتحمس بمشاهد القتلى والجرحى والدماء لإثارة حماسته للمشاركة فى أعمال العنف، وشدد على أن المدينة الجامعية نقطة ضعف أمنى كبيرة وخطيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى